بسم الله الرحمن الرحيم
زارني شاب وأتحفني بشئ من اختياراته الجميلة والموفقة و التي وقع عليها في بطون الكتب من فرائد ولآلئ متنوعة استوقفته فدوّنها فاجتمع له كم هائل من الأوراق والمفكّرات والكراريس التي ناء بها مكانها المخصص لها في مكتبة منزله، وقد عكف على هذا العمل سنوات طويلة، وأفادني بآلية عمله في ذلك، حيث يقوم بتدوين كل ما يعجبه من قول أوبيت شعر أو قصة أو موقف و نحوه في مفكرة خاصة ليستنير بها في حياته، ولعلنا نلحظ في كثير من الأحيان بعد انتهائنا من قراءة كتاب ما أننا لا نكاد نستحضر منه شيئاً وخصوصاً بعد تقادم عهدنا به، يقول الشاب: فاعتدت ألا أقرأ كتاباً إلا والقلم والمفكرة معي لحظة بلحظة كآلة الصياد التي لا يستغني عنها بحال، لأقوم باصطياد ما أستحسنه أثناء القراءة، وقد قرأ عليّ شئ من اختياراته الجميلة والنادرة فألفيتها رائعة وموفّقة، وحثثته على تنسيقها وطباعتها لينتفع الناس بها فكأنه استصغر عمله هذا، وأفاد بأن الكثير من الناس يحسن ذلك، فلم لا يدونون كل ما استحسنوه وأعجبهم؟ وتذكرت قول الشاعر:
العلم صيد والكتابة قيــده *** قيّد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة *** وتتركها بين الخلائق طالقة
وتذكّرت صحبةً لي كانوا على هذا النهج فاجتمع لهم ما لو وقع بين يدك لسلّاك إلى حين، واستمتعت به أيّما استمتاع! ومن هذا المنطلق أقترح على قارئ أسطري هذه: أن يشحذ قلمه عند كل قراءة لأيّ من الكتب ليدوّن ما راق له وأعجبه، فسيجد حينها أشياء جميلة وغريبة وعجيبة ومفيدة، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما ذكر في صيد الخاطر بعنوان (فصل: خطر الرفاهية) ما نصه: (تأملت مبالغة أرباب الدنيا في اتقاء الحر و البرد فرأيتها تعكس المقصود في باب الحكمة و إنما تحصل مجرد لذة و لا خير في لذة تعقب ألما فأما في الحر فإنهم يشربون الماء المثلوج و ذلك على غاية في الضرر و أهل الطب يقولون: إنه يحدث أمراضا صعبة يظهر أثرها في وقت الشيخوخة و يضعون الخيوش المضاعفة و في البرد يصنعون اللبود المانعة للبرد و هذا من حيث الحكمة يضاد ما وضعه الله - تعالى -فإنه جعل الحر لتحلل الأخلاط و البرد لجمودها فيجعلون هم جميع السنة ربيعا فتنعكس الحكمة التي وضع الحر و البرد لها و يرجع الأذى على الأبدان و لا يظنن سامع هذا أني آمره بملاقاة الحر و البرد و إنما أقول له: لا يفرط في التوقي بل يتعرض في الحر لما يحلل بعض الأخلاط إلى حد لا يؤثر في القوة و في البرد بأن يصيبك منه الأمر القريب لا المؤذي فإن الحر و البرد لمصالح البدن و قد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر و البرد فتغيرت حالته فمات عاجلا و قد ذكرت قصته في كتاب لقط المنافع في علم الطب..) انتهى كلامه - رحمه الله - إذاً عليك بالغوص واستخراج اللآلئ..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد