بسم الله الرحمن الرحيم
أستاذي الغائب، ليس عيباً وليس غريباً، إذا قلت: إنه أفضل من أستاذي الحاضر، والفرق بين الأستاذين، أعني \"الحاضر والغائب\"، أن الأول يساعدني في الاكتشاف، بينما الآخر لا يساعدني، بل يجعلني أكتشف بأسلوبي وطريقتي الذاتية... ـ وأستاذي الحاضر هو المدرس، وأستاذي الغائب هو الكتابº فالأستاذ الحاضر توجه له سؤالاً فيجيبك مباشرة، فلا يجعلك تعاني جهداً، في حين أن الأستاذ الغائب إذا سألته سؤالاً أعطاك الحرية لتجيب عنه بنفسك... إنني أفضله على الكثير من البشر، وخاصة أولئك الذين يفسدون الحياة ويقتلون جمالها.. !
فالأستاذ الحاضر يحتاج منك السماع، والأستاذ الغائب يريد منك الرؤية والإدراك والإلمام بالهيكل العظمي للكتاب وقراءة ما بين السطور، قراءة تحليلية، عميقة البعد والنضج حسب إدراكك وفهمك..
والأستاذ الغائب أفضل صديق على الإطلاق. يقول الكاتب الفرنسي مونتين: \"أن تقرأ، يعني أن تجد الصديق الذي لن يخونك\". يجيبك على حسب تفكيرك ومداه وبعده.
و القراءة من أكبر مصادر المعرفة في الكون، وأول خطاب رباني وُجّه للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ابتُدئ بكلمة اقرأ، وهي: لا تقتصر على جمع المعلومات وحدهاº فالعملية المعرفية تتطلب الدمج بينها وبين الفهم، وبغير ذلك لن نصنع شيئاً للمستقبل، وسوف نكرر ماتعلمناه في الماضي. والقراءة لها أصول، ومن أصولها:
* \"ألاّ يخلط القارئ بين رأي الكاتب وعاطفته أو رغبته، بين عقله وقلبه، وأن يراعي القارئ تاريخية وجغرافية وأقوامية النص أو الكاتب\".
* وأن يستخدم القارئ حاسة النقد، وإلاّ أصبح حاطب ليل.
القراءة تثمر مفاهيم وآليات يتعامل بها القارئ في أعماله مع أقواله وأفعاله تجعله أكثر دقة وأكثر رقياً، وإن قلّ من يوظف ذلك في حياته.
والشيء الرائع هو أن يعقد القارئ حواراً بينه وبين الكاتب، ليستحضر المسائل والمعلومات المطروحة فيه.
يقول فرانسيس باكون: (إن بعض الكتب يجب أن نتذوقها، وبعضها الآخر يجب أن نبتلعه، وقلة قليلة من الكتب يجب أن نمضغها ونهضمها).
ـ فعالم القراءة يختلف كل الاختلاف عن العوالم الأخرى... في التصور والخيال والبرهان والتفكير.. فالقراءة مدخل للحقيقة والمعارف والإبداع والإنجاز. وبالقراءة يطوف القارئ العالم من حوله كما يقول الأديب عباس محمود العقاد.
ومع ذلك فعلاقة الإنسان العربي مع القراءة اليوم من التجني وصفها بـ (ضعيفة)º لأنها إلى العدائية أقرب، فمن المقولات التي تعشعش في أذهان الناس (من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه)! ونتيجة للإيمان بهذه المفاهيم أصبح العرب دون مستوى التخلف بمراحل. إنهم بحاجة إلى تفكيك العوائق الفكرية التي تقتل العقول، قبل أن تفقر الجيوب، إن الفقراء ليسوا هم فقراء الجيوب فحسب بل هم فقراء العقول كذلك كما يقول مصطفى لطفي المنفلوطي.
فهل نعي ما نحن فيه؟ سؤال أوجهه لمن يعنيه للتفكير فيه لا الإجابة عنه؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد