بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية السؤال في العملية التعليمية
للسؤال أهمية عظمى في العملية التعليمية إذ به يستخرج العلم، بل هو جوهر العملية التعليمية، و قد جعله الله طريقاً إلى العلم و المعرفةº فأمر عباده المؤمنين بالسؤال عما أشكل عليهم فقال - تعالى -: {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 7].
و السؤال الجيد شفاء من قصور الفهم، فعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلاً شُجَّ في سفر، ثم احتلم، فقيل: ما نجد لك من رخصة، فاغتسل، فمات، فلما أُخبَر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العيّ السؤال\" [أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب المجروح يتيمم، حديث رقم (336)، و أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة و سننها، باب في التيمم ضربتين، حديث رقم 572]
و السنة النبوية زاخرة بالأمثلة الكثيرة على أهمية السؤال، فعندما جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- يسأله عن الساعة، لم يجبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على سؤاله نظراً لأنه سأل عما لا يهمه معرفته، و وجّهه - صلى الله عليه وسلم - إلى أهم مما سأل عنه، فقال له: ما أعددت لها\" [أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل ويلك، حديث رقم (5815)، و أخرجه مسلم في كتاب البر و الصلة و الآداب، باب المرء مع من أحب، حديث رقم 2639]
و كأنه يقول له: لو أنك سألت عما أُعدّه لهـا، لكان أولى.
و نعرض إلى نموذج آخر من سيرته - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن المعلم ينبغي أن يبدأ أحياناً بالسؤال ليزيل ما في نفوس المتعلمين من خوف و رهبة و غموض، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: أقيمت الصلاة فجاء رجـل يسعى، فانتهى و قد حفزه النفس أو ابتهر، فلما انتهى إلى الصف قال: (الحمد لله كثيراً طيـباً مباركاً فيه) فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: أيكم المتكلم؟ فسكت القوم، فقال: أيكم المتكلم، فإنه قال خيراً و لم يقل بأساً، قال: يا رسول الله، أنا أسرعت المشي فانتهيت إلى الصف فقلت الذي قلت، قال: لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها، ثم قال: إذا جاء أحدكم الصلاة فليمش على هيئته، فليصل مـا أدرك و ليقض مـا سبقـه. [أخرجه مسلم في كتاب المساجد و مواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام و القراءة، حديث رقم 600]
فتأمل حال النبي - صلى الله عليه وسلم - و هو المعلم الأول كيف أنه لما سأل عن المتكلم و لم يجد إجابة من الصحابة - رضوان الله عليهم- أعاد السؤال، ثم رأى أنه ربما خاف المتكلم من إظهار نفسه، فنبه - صلى الله عليه وسلم - أن المتكلم إنما قال خيراً ليحثه على إظهار نفسه، و يُذهب عنه الخوف، و لما برز المتكلم و اتضح أخذ - صلى الله عليه وسلم - في تعليمه كيفية المشي إلى الصلاة، و يؤخذ من هذا الحديث الفوائد التالية:
على المعلم أن يبدأ بالسؤال إذا رأى الحاجة تقتضي ذلك، و ليس المتعلم هو الذي يسأل دائماً.
إزالة الخوف من نفس المسئول و تشجيعه على الإجابة.
مكافأة السائل على إجابته، ففي هذا الحديث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" لقد رأيت اثنا عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها \" و في ذلك مكافأة معنوية للمسئول تحثه على الإجابة.