بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) والصلاة والسلام على النبي المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أما بعد:
فهذه الرسالة سطرتها من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"الدين النصيحه\" فأسأل الله - عز وجل - أن ينفعنا بها جميعا وان يجعل ما نكتبه وما نتكلم به نحن العاملون به أولاº فما تقومون به حفظكم الله - تعالى -من طلب علم وتعليم للناس وتبيين الحق من الظلال والصحيح من السقيم، له شرف عظيم ومنزلة رفيعة فالآيات والأحاديث في ذلك كثيرة ومتواترة قال - تعالى -: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) وقال الرسول الأمي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته: \"من يرد الله به خيرا يفقه في الدين\" ومن الشرف العظيم أن العلماء هم ورثة الأنبياء، أقول: يا طالب العلمº وأعني بطالب العلم كل من له توجه بالطلب بداية بالمبتدئ ونهاية بالعالمº لأن العالم لا يزال في طلب للعلم مع تجدد المسائل العصرية. أقول: ما أريد طرحه من خلال هذه الأسطر القليلة أنتم اعلم به مني، وقد بلغتم في العلم والمعرفة والعمل مبلغا، فما أريد قوله هو من باب قول الحكيم - سبحانه -: (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين) فقبول الذكرى خاص للمؤمنين فإليكم بعض الرسائل.
الرسالة الأولى:
روى الخطيب البغدادي في كتابه [الفقيه والمتفقه 2/172] عن الإمام الشافعي - رحمه الله - تعالى- انه قال: (لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفاً بكتاب الله بناسخه ومنسوخة، ومحكمه ومتشابهة، وتأويله وتنزيله، ومكية ومدنيه، وما أريد به، ويكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله، وبالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث مثل ما يعرف من القرآن، ويكون بصيراً باللغة، بصيراً بالشعر وما يحتاج إليه للسنة والقرآن) إلى أن قال - رحمه الله تعالى -: (فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي) وقال على بن شقيق: قيل لابن المبارك: متى يفتي الرجل؟ قال: (إذا كان عالما بالأثر، بصيرا بالرأي) قال الإمام احمد - رحمه الله - تعالى- في رواية ابنه صالح عنه: (ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن، عالماً بالأسانيد الصحيحة، عالماً بالسنن، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها)، وقال عبد الله بن الإمام احمد: (كنت اسمع أبي كثيرا يسأل عن المسائل فيقول: لا أدري ويقف إذا كانت مسألة فيها اختلاف)، وكثيراً ما يقول: سل غيري، وقال أيضا: سمعت أبي يقول: كان ابن عيينة لا يفتي في الطلاق ويقول: من يحسن هذا. وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، وقال عبد الله بن المبارك: حد ثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراه قال في المسجد فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفتي إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا، وقال مالك عن يحي بن سعيد: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (إن كل من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون) قال مالك: وبلغني عن ابن مسعود مثل ذلك، وقال ابن الجوزي في صيد الخاطر: وصح عن سفيان الثوري - رحمه الله - تعالى- قال: وددت أن يدي قطعت ولم أكتب الحديث. أقول ليس المراد من كلامه - رحمه الله - تعالى- التنفير من العلم ولكنه إظهار للمسؤولية وبيان لثقل التبعة، وقالت أم الدر داء لرجل: هل عملت بما علمت قال: لا، قالت: فلم تستكثر من حجة الله عليك، وقال الأمام الفضيل - رحمه الله - تعالى-: يغفر للجاهل سبعون ذنباً، قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد، وقال الإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي: لقيت مشايخ أحوالهم مختلفة يتفاوتون في مقاديرهم في العلم وكان أنفعهم لي في الصحبةº العامل منهم بعلمه، وان كان غيره أعلم منه، وقال - رحمه الله تعالى -: ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي فكان كثير الصمت، شديد التحري فيما يقول، متقناً محققاً، وربما سئل المسألة الظاهرة التي يبادر بجوابها بعض غلمانه فيتوقف فيها حتى يتيقن.
وفي عصرنا بعض المتجرئين على الفتوى ولا علم لهم بالأصول، فلا علم لهم إلا بحديثين أو ثلاثة أو يكون ممن قرأ كتاب أو حتى عشرة كتب من المختصرات أو حفظ متنا أو متنين، ثم تجد ه يتصدر، ويتكلم بأمر العامة، ويفتي، فأين هم من تورع السلف في الفتوى وخوفهم من التوقيع عن رب العالمين، كما انه ينبغي لطالب العلم أن يتقبل من غيره حتى ولو كان اقل منه، وقد قال ابن قدامه المقدسي - رحمه الله - تعالى- في كتابه [منهاج القاصدين]: (ومتى تكبر المتعلم أن يستفيد من غير موصوف بالتقدم فهو جاهلٌº لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها)، وقال أيضا: ومن صفات علماء الآخرة أن لا يتسارعوا إلى الفتوى، وان لا يفتوا إلا بما يتيقنون صحته، وقد كان السلف يتدافعون الفتوى. وقال الإمام الذهبي - رحمه الله - في كتاب الكبائر: قال هلال بن العلاء: طلب العلم شديد، وحفظه أشد من طلبه، والعمل به أشد من حفظه، والسلامة منه اشد من العمل به، فنسأل الله السلامه من كل بلاء. والتوفيق لما يحب ويرضى انه جواد كريم.
الرسالة الثانية:
عدم الخوض في كل مسألة وكما مر معنا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (إن كل من أفتى الناس في كل يسألونه عنه لمجنون). وقال سحنون بن سعيد -وهو مفتي القيروان-: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه\". قال أبو داود سمعت الإمام احمد - رحمه الله - يقول-: ما رأيت مثل ابن عيينة في الفتوى أحسن فتيا منه، كان أهون عليه أن يقول لا أدري\". وقد كان الإمام احمد - رحمه الله - شديد الكراهة، والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها اثر عن السلف، كما قال لبعض أصحابه: إياك ان تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام\". و قال بعض السلف: إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل\".
أقول: هناك الكثير من المسائل المعاصرة التي لا بد أن يطبق عليها مثل هذه الأقوال، وما كان عليه سلف هذه الأمة من تدافع الفتيا ومن قولهم - رحمهم الله - جميعا-: اسألوا غيري، وقولهم: لا أدري، وقولهم: الله أعلم. فلماذا يقحم طالب العلم نفسه في كل حدث وفي كل ما يسأل عنه، سواء كان له إمام، أو لم يكن، فلماذا لا نجعل نصب أعيننا قوله - تعالى -(ولا تقفوا ما ليس لك به علم) وقوله جل شأنه: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام). فلماذا لا نتورع ونخشى كالسلف الصالح، ونهاب من التوقيع عن رب العلمين.
الرسالة الثالثة:
اكتبها وهي عبارة عن وجهة نظر، قابله للأخذ والزيادة والتنقيح أو الرد، وهذه الرسالة خاصة لطلاب العلم الذين يشتركون في الدورات الصيفية أو من تكتب أسمائهم لتسميع المتون أو بفتح درس من الدروسº أقول حينما يشغل طالب العلم بمثل هذه الدورات أو الدروس، هو على خير إن شاء الله، ولكنك يا طالب العلم بحاجه إلى ال-ت-زود من العلم وهذا يحتاج إلى الزيادة من الأوقات لا إنقاصها، فحين تفتح درساً في يوم من أيام الأسبوع، فأنت تحتاج إلى التحظير والاستعداد، وهذا الوقت الذي تجلس فيه للتحظير يكون من المفترض أن تستغله في الزيادة من العلوم التي مازلت فقيراً في بابها، فلا يهمك قول القائل أن العلم لا بد له من زكاة، وأنا لا أقول: إن هذه العبارة غير صحيحة، بل هي رأس الصحة، لكنها لا تنطبق عليك فما زلت ينقصك أبواب من العلم، فإن الناس والمجتمع المحيط بطالب العلم يدفعونه دون النظر إلى العواقب التي يكون منها، ان يضطر طالب العلم ان يفتي في كل مسألة وأن لم يكن محيطاً بها حتى تبقى مكانته بينهم، كذلك ربما يدخله العجب أو التكبر أو ينظر لنفسه نظره خاصةº وهو لا يدري، والسبب المجتمع القريب، ويكون هو الضحية، ثم يتفاجأ أن أقرانه قد تجاوزوه بمراحل، وهو مكانه لا يتحرك، والناس مازالوا في هذا الوقتº يمشيخون من لا شيخ، فيستفتون الخطيب المفوه، والداعية الناصح، والواعظ صاحب القلب الرقيق، وهم ليسوا من أهل العلم بالفتوى، ولكن الله - عز وجل - رزقهمº القوه في الإلقاء، وحسن الوعظ، والأسلوب الجميل في الطرح، والأمة مازالت بحاجه لمثل هؤلاء، للنصح والتوجيه، ولكن ليس في الحكم الشرعي الذي هو توقيع عن رب الأرباب، أقول يا أخي أنت بحاجه إلى الدقيقة من الوقت فكيف يذهب عنك اليوم أو اليومين أو الساعات وأنت تحظر للدرس أو للدورة التي ستقام وأنت على خير في هذا أوفي ذاك، فراجع نفسك، ولا تتعجل بالتعليم، والذي أقترحه بدلاً من أن يكون هناك إعلانات كثيرة ومتشعبة للدورات، وبدلاً من أن يوزع في كل المساجد أن هناك كلمه لفلان بين الأذان و الاقامه في مسجد شمال المدينة ثم يوضع هذا الإعلان في أقصى الجنوب، فهل هناك احد سيحضر هذه الكلمة وهو في جنوبها!! إلا لوجود سبب يجعله يذهب، أما أن يتقصد السماع فلا أعتقد، ولذلك الذي اقترحه أن تقسم المدينة إلى عدة قطاعات، وكل قطاع لا يخلوا سكانه من طلاب علم ومن كذلك واعظينº فيكون الإعلان خاص في محيط هذا القطاعº للكلمات ولتسميع المتون وللدورات لطلاب العلم من أهل هذا القطاع، ومثل هذا لا يحتاج طالب العلم إلى التحضير الذي يأخذ الوقت الكثيرº لأنه سيكون الحضور من أبناء هذا القطاع فقط ففي هذه الحالة يكون أقل تكلفه من لوكان الإعلان في جميع المساجد وهذه الطريقة لا يدخل فيها العلماءº لان إعلاناتهم لا بد أتكون في كل المساجد فكلامي هنا في هذه الرسالة الثالثة لطلاب العلم.
اسأل المولى - عز وجل - أن يرزقنا العلم النافع والعمل الخالص المتقبل وصلى الله وسلم على معلم البشرية وعلى اله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد