بسم الله الرحمن الرحيم
الرؤيا إذا تكررت مع وقوعها، فلا تخلو من أربعة أشياء:
1- تذكير بنعمة من الله لم تشكر بسبب هذه الرؤيا.
2- تحذير من معصية لم يتب منها.
3- تنبيه عن دَين على الميت لم يؤد عنه، أو وصية، أو مظلمة.
4- دلالة على أثر عين لم يتسبب منه، فيجب المبادرة\"
والأمثلة في هذا الباب أكثر من أن تحصى.
\"الغالب في الرؤيا السيئة التعجيل، والحسنة التأجيل\"
وهذا ما يدل عليه الواقع، وتشهد له التجربة، فالرؤيا السيئة تقع بسرعةº حتى يبادر إلى التوبة والإقلاع عن المعصية والاستعداد للمصيبة، ولابد أن يسأل الرائي: هل جرى له شيء من الشر قبل هذه الرؤيا؟ فإن جرى له شيء من هذا فهو تفسيره، وإلا فهي مصيبة سوف تقع، فيستعد لها، وهذا من رحمة الله بعبده ولطفه به.
أما الرؤيا الحسنة فطابعها التأجيل، وهي من البشرى بالخير قبل وقوعه فتستعد النفس له، ويأمن الخائف، وقد تعجل في حالات نادرة، كأن يؤمر بفعل شيء حتى يبرأ من مرضه ببذل الصدقات.
ومثال الحسنة: قصة رؤيا يوسف ـ عليه وعلى نبينا- أفضل الصلاة والسلام - في صغره ((يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَباً وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأَيتُهُم لِي سَاجِدِينَ)) (يوسف: 4).
وقد وقع تفسيرها بعد مدة طويلة، قيل إنها أربعون سنة حينما تولى ملك مصر.
ومثال السيئة: (قال رجل لسعيد بن المسيب: رأيتني أصلي فوق الكعبة، فقال: اتق الله، وأنزعº فإني أراك خرجت عن الإسلام).
لا حاجة للتعبير في حالة الرؤيا الصادقة التي تقع كفلق الصبح: وهي حالة نادرة، وإنما تكون في الغالب للأنبياء والصديقين والشهداء وصالحي المؤمنين.
مثاله: حينما بُشر النبي- صلى الله عليه وسلم - في المنام بفتح مكة، قال - تعالى -: ((لَقَد صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرٌّؤيا بِالحَقِّ لَتَدخُلُنَّ المَسجِدَ الحَرَامَ)) (الفتح: 27).
وكذلك رؤيا إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام في ذبح ولده.
تكون الرؤيا عامة إن كانت في الآيات الكونية، أو في المعالم البارزة:
فآيات الله الكونية: كالكسوف والخسوف والزلازل والعواصف والأمطار.
والمعالم البارزة: كمنارة المسجد، أو الكعبة، أو المشاعر المقدسة، أو ناطحات السحاب، أو شأن يخص الأمة، خيراً كان أم شراً، أو يرى الرؤيا حاكم البلد، أو يراها العلماء.
وفي الوقت نفسه قد تفيد الرؤيا العامة أمراً يخص الرائي، فتكون الرؤيا ذاتها تحتوي على عموم وخصوص.
مثاله: \"عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم - تعجبه الرؤيا، فقال: ((هل رأى أحد منكم رؤيا اليوم؟))، قالت عائشة - رضي الله عنها -: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن صدقت رؤياك، دفن في بيتك ثلاثة هم أفضل ـ أو خير ـ أهل الأرض)).
فلما توفي النبي- صلى الله عليه وسلم - ودفن في بيتها قال لها أبو بكر - رضي الله عنه -: (هذا أحد أقمارك وهو خيرها، ثم توفي أبو بكر وعمر فدفنا في بيتها).
وروي أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وجه قاضياً للشام، فسار ثم رجع من الطريق، فقال له عمر: ما ردك؟ قال: رأيت في المنام كأن الشمس والقمر يقتتلان، وكأن الكواكب بعضها مع القمر، وبعضها مع الشمس، قال عمر: فمع أيهما كنت؟ قال: مع القمر، قال: انطلق، لا تعمل لي عملاً أبداً، ثم اقترأ قوله - تعالى -: ((فَمَحَونَا آيَةَ اللَّيلِ وَجَعَلنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبصِرَةً)) (الإسراء: 12).
فلما كان يوم صفين قتل الرجل مع أهل الشام.
كل ما أشكل تأويله لرموزه المتضادة، فيعمد إلى الرمز الواضح:
ولا يلتفت إلى الرموز الضعيفةº لأنها قد تكون من الأضغاث أو حديث النفس، وإذا تعذر فهم الرموز فتمهل، ويحمل الرمز المجهول على المعنى المعلوم\"
مثاله: رأى الحجاج بن يوسف في منامه كأن جاريتين من الحور العين نزلا من السماء، فأخذ الحجاج أحدهما ورجعت الأخرى إلى السماء، ففرح برؤياه، فعرضت على ابن سيرين فقال: إنما هما فتنتان يدرك أحدهما ولا يدرك الأخرى، فأدرك الحجاج فتنة ابن الأشعث، ولم يدرك فتنة ابن المهلب.
فالرمز: الجاريتان، والرمز الآخر: الحور العين، وهما رمزان متضادان. لأن الحور العين مقصورات في الخيام، وهاتان الجاريتان نزلت إحداهما إلى الأرض، فيعمد إلى الرمز الواضح وهو (الجاريتان) من الجور والظلم، وقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)).
فالحجاج أدرك فتنة إحدى الجاريتين.
وروي عن ابن سيرين: أن امرأة سألته أنها رأت في منامها رجلاً مقيداً مغلولاً، فقال لها: لا يكون هذاº لأن القيد ثبات في الدين وإيمان، قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ((أحب القيد وأكره الغل، والقيد ثبات في الدين)).
وأما الغل: فخيانة وكفر، فلا يكون المؤمن كافراً! فقالت المرأة: قد والله رأيت هذه الرؤيا بحال حسنة، وكأني أنظر إلى الغل في عنقه في ساجور، (وهي خشبة تجعل في عنق الكلب)، فلما سمع بذكر الساجور قال لها: نعم قد عرفت الآنº لأن الساجور والغل جميعاً، وكل واحد منهما تأويله نفاق وخيانة وكفر، وهما في أمثال التأويل أقوى من القيد وحده، وليس معه شاهد يقويه، فهذا رجل يدعى إلى غير أبيه وإلى غير قومه، ويدعي إلى العرب وليس منهم، قالت المرأة \"إن لله وإنا إليه راجعون\".
إذا اجتمع في الرؤيا المباشر والمتسبب والساكت، فحكمهم واحد، وبخاصة في مسألة العين:
فإذا اجتمع رمزان ومقصودهما واحد، دخل أحدهما في الآخر غالباً، وإعمال الرموز أولى من إهمالها، والتابع ـ كما يقال ـ تابع، أي: لا يهمل ما دل عليه الرمز ما أمكن حمله على معنى يتوافق مع الرموز الأخرى، والإشارة تقوم مقام العبارة كما يقرره الأصوليون\"
مثاله: لو يرى رجلاً يحفر حفرة، وجاء رجل آخر فأخذ بالرائي وقذفه في الحفرة، ورجل ثالث ينظر إليه ولم يساعده، فالجميع حكمهم واحد، وهو إصابة الرائي بالعين من الجميع، وتتفاوت قوة العين حسب الأذى في الرؤيا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد