في ظلال الستين

4.4k
3 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

سـتون قد مرَّت مـرورَ السحاب * * * مـرَّت وأرجـو اليوم حُسنَ المآب

ستون من عمري انقضت وانتهى * * *- حين انتهت- عهدُ الصِّبا والشباب

وقـد وهَـى العزمُ وكم صنتُه- * * * لـكنَّ طـولَ المكث يَفري الإهاب

لـم أدر كيف اجتزتُ ذاك المدى * * * وكـيف جاوزتُ جميعَ الصعاب!؟

وكـيف أصـبحتُ على شـاطئ * * * الـركبُ فيه كلٌّهم في اضطراب!؟

وكـلٌّ فـردٍ, خـائـفٌ واجـفٌ * * * مـن أن يُـنادَى بـغـتةً للحساب

مـا كـان ظني أن أرى عارضي * * * وشـعرَ رأسي يـكتسي بالخضاب

وها هـو اليـوم عـلا مَفـرقي * * * فـهل أُواري مَفرقـي بالحجاب!؟

كـنتُ أرى الـستين مـن عاشها * * * كـأنما جـاوزَ عـمرَ العُـقـاب

لـكنني الـيوم وقـد عـشتُـها * * * لـم أر فيـهـا أيّ شـيء عُجاب

اليـومَ كـالأمس الذي قد مـضى * * * والغـدُ مـثلُ اليوم دون ارتياب

والـشهـرُ مـا غـادر إلا أتـى * * * والـعامُ مـا سـافـر إلا وآب

والـمرءُ يـعدو ثـم يـعدو فـلا * * * يـحصدُ بـعد الجهد إلا السراب

أمـضي إلـى مـا أبتغي جاهداً * * * والـظنٌّ أني فـي طريق الذهاب

لكـنـني قـبـل بـلوغ المـنى * * * أبـصرُ أنـي فـي طريق الإياب

بـالأمـس فارقتُ رياضي وكم * * * سعـدتُ فـيها بالجنى المستطاب

فـارقتُـها والقلب فـي غـصة * * * مـما سألقى مـن جوىً واغتراب

فـارقـتها والـقـلب ثـاوٍ, بـها * * * يـرسلُ لـي فـي كل حينٍ, كتاب

حـاولـتُ أن أسـلوَ كـي أتّقي * * * غـصّات قلبي والجوى والعتاب

لـكنها صـارت حـديثي فـلا * * * أنـطق إلا واسـمها في خطاب

ولا أداري غـيـرَ شـوقي لها * * * ولا أنـاجي غـيرها مـن رواب

ألمـح بـالعيـنين أطـيارهـا * * * أشـم رغـم البـعد نفحَ التراب

والبـلبلُ الغِـرِّيـدُ أرنـو لـه * * * يـطوف مـا بين الرٌّبى والشعاب

يـبوحُ بـالشوق لأزهـارهـا * * * يُبـدي بـه فـي لوعةٍ, وارتقاب

كم سرتُ في الأرض وكم أشرقت * * * نـفسي بتحقيق الأمـاني العِذاب

وكـم تـشوَّقـتُ لـما أشـتهي * * * مـن مطعم أو مـلبس أو شراب

وكـم بـذلت الجهد كي ينجلي * * * هـمٌّ حـزينٍ, أو مريضٍ, مصاب

وكـم تـشوّقتُ لـنشر الـهدَى * * * كي ينتهي في الأرض شرعُ الذئاب

وكـم تحـرَّقتُ وقـد أبصرت * * * عـيناي ظـلماً فـاضحاً وانتهاب

وسـرتُ أدعـو راغـباً راجياً * * * أن يـنعمَ الـناسُ بـنور الكتاب

فـلا أرى الجَـورَ ولا أهـلَه * * * ولا أرى اسـتعـلاءَ ظُـفرٍ, وناب

وكـم تـحملتُ صنوفَ الأذى * * * وكـم تـجشّمتُ طـريق العذاب

وكـم حُـرمتُ الـخيرَ لكنني * * * صـبرتُ حـتى جاءني بانسكاب

وكم شحذت العزمَ حتى وهت * * * كـفّي فـلم أفلح- وماد الركاب

وكـم سهرتُ الليلَ مستـلهماً * * * مـن بدره فـيما أصـوغُ اللٌّباب

وكم رأيتُ الشمسَ فـي مهدها * * * وكـم شهدتُ الشمسَ عند الغياب

وكـم ركبـت البـحر مستأنساً * * * بـألطف الأنـسام وسـط العُباب

والقـلبَ كم أمسكتُ خوفاً وقـد * * * جـاوزتُ في الجوِّ رُكامَ السحاب

وكـلٌّ مـا مـرَّ ومـا شاقـني * * * أو سـاءنـي أو جـرَّني للتباب

راح كـطيفٍ, لاح ثـم أمَّـحى * * * أو كـنسيمٍ, مـرَّ فـوق الهضاب

وطـالت الأيـامُ فـي ناظري * * * وضاق من حولي فسيحُ الرحاب

ولـم يـعد زادي كما أشـتهي * * * حـتى لَـوَ انّ الزاد شهدٌ مُذاب

وأصـبح الجـسمُ ثقيلَ الخطا * * * إن سار بعضَ الخطو جَفَّ اللعاب

وكـاد ظـهري يـنحني عوده * * * مـن طولِ ما عاناه قلبي ولاب

والـيوم فـي الستين لي وقفةٌ * * * أنـثرُ فـيها كلّ ما في الوطاب

وأنـتقي الـزهر وأمـشي به * * * وأنـشر الخـيرَ وعِطرَ الملاب

وأتـركُ الأشـواكَ ما لي بها * * * أمـا كـفاني وخـزُها كالحراب

هـذا طـريقي لا أرى غـيره * * * يُنـقذُني مـن كـل دربٍ, يباب

وسـوف أمـضي فيه لا أنثني * * * حـتى أُوارى فـي ثنايا التراب

هـذا الـذي أرجـوه لـكنني * * * راضٍ, بـما قُـدّرّ لي في الكتاب

أنـيـب للِـه وأعـنـو لــه * * * والله يعـطي فـضلَه من أناب


أضف تعليق