في وداع رمضان ..

4.8k
2 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%
بسم الله الرحمن الرحيم

لا يا أمير الشعراء

نظمتُ هذه القصيدة معارضة لقصيدة أحمد شوقي التي يقول فيها:

رمضان ولّى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاق

رمضانُ ودَّع وهو في الآماق *** يا ليته قد دام دون فراقِ(1)

ما كان أقصَرَه على أُلاَّفِه *** وأحبَّه في طاعةِ الخلاق

زرع النفوسَ هدايةً ومحبة *** فأتى الثمارَ أطايبَ الأخلاق

«اقرأ» به نزلت، ففاض سناؤُها *** عطرًا على الهضبات والآفاق

ولِليلةِ القدر العظيمةِ فضلُها *** عن ألفِ شهر بالهدى الدفَّاق

فيها الملائكُ والأمينُ تنزَّلوا *** حتى مطالعِ فجرِها الألاق

فى العامِ يأتي مرةً..لكنّه.. *** فاق الشهورَ به على الإطلاق

شهرُ العبادةِ والتلاوةِ والتٌّقَى *** شهرُ الزكاةِ، وطيبِ الإنفاق

* * *

لا يا أمير الشِّعر ما ولَّى الذى *** آثاره في أعمقِ الأعماق

نورٌ من اللهِ الكريمِ وحكمةٌ *** علويةُ الإيقاعِ والإشراق

فالنفسُ بالصوم الزكي تطهرت *** من مأثم ومَجانةٍ, وشقاقِ

لا يا «أميرَ الشعر» ليس بمسلمٍ, *** مَن صامَ في رمضانَ صومَ نفاقِ

فإذا انتهت أيامُه بصيامِها *** نادى وصفَّق (هاتها يا ساقي)

(الله غفار الذنوب جميعها *** إن كان ثَمّ من الذنوبِ بواقي)(2)

عجبًا!! أيَضلَع في المعاصِي آثمٌ *** لينالَ مغفرةً.. بلا استحقاقِ؟

أنسيتَ يومَ الهولِ يومَ حسابِه *** حينَ التفاف الساقِ فوقَ الساقِ؟

وترى المنافقَ في ثيابِ مهانةٍ, *** ويُساقُ للنيرانِ شرَّ مساقِ

لا يا «أمير الشعر» ما صام الذي *** رمضانُه في زُمرة الفسَّاق

لا يا «أمير الشعر» ما صام الذي *** منع الطعام، وهمه في الساقي

من كان يهوى الخمرَ عاش أسيرَها *** وكأنه عبدٌ بلا.. إعتاق

الصومُ تربيةٌ تدومُ مع التٌّقَى *** ليكونَ للأدواءِ أنجعَ راقى(3)

هو جُنةٌ للنفس من شيطانِها *** ومن الصغائرِ والكبائرِ واقي(4)

الصومُ - يا شوقي إذا لم تدرِه - *** نورٌ وتقوى وانبعاثٌ راقي(5)

واسمع - أيا من أمَّروهُ بشعره - *** ليس الأميرُ بمفسدِ الأذواق

إن الإمارةَ قدوةٌ وفضيلةٌ *** ونسيجُها من أكرمِ الأخلاق

والشعرُ نبضُ القلبِ في إشراقِه *** لا دعوةٌ للفسقِ.. والفسَّاق

والشعر من روح الحقيقة ناهلٌ *** ومعبِّرٌ عن طاهرِ الأشواقِ

فإذا بَغَى الباغي بدت كلماتُه *** كالساعِرِ المتضرِم.. الحرَّاق

وإذا دعته إلى الجمال بواعثٌ *** أزرى على زريابَ أو إسحاقِ(6)

لكنه يبقى عفيفًا.. طاهرًا.. *** كالشّهدِ يحلو عند كلِّ مذاق

رمضانُ - يا شوقي - ربيعُ قلوبنا *** فيها يُشيعُ أطايبَ الأعباق(7)

إن يمضِ عشنا أوفياءَ لذكِره *** ويظلٌّ فينا طيّبَ الأعراق

------------------------

(1) الآماق: العيون.

(2) ما بين القوسين من قصيدة شوقي.

(3) راقي «من الرقية» أى معالج.

(4) جنة (بضم الجيم) وقاية وحماية. وفي الحديث النبوي «الصوم جنة».

(5) راقي: سام رفيع.

(6) زرياب وإسحاق من أشهر موسيقيي العرب.

(7) الأعباق: جمع عَبق: وهو الرائحة الطيبة.


أضف تعليق