مكة المكرمة


 بسم الله الرحمن الرحيم

عـلاكِ يا مكة الإسلام في الأُممِ * * * أغـنـاه وحيُ السّما بالنورِ من قِدمِ

 

وطـال مـجـدُكِ فـيَّاضًا بلا كدرٍ,* * * بـواسـعِ الجودِ في الدنيا وبالقيمِ

 

رحـيقُ مُزنِ المُنى من فيكِ أعذبُه* * * يُـشفَى به الدَّنفُ العاني من الوصمِ

 

ولـلـمـثاني وقد جاشت مشارعُها* * * لـم يُزرَ سلسلُها من شدَّةِ الغتمِ ((1

 

فـأنتِ قطبُ الرَّحى في كلِّ مفخرةٍ,* * * إذ أنـتِ في حُللٍ, أو أنت في شيمِ

 

وقـد حـبـاك إلـهُ الكونِ من كرمٍ,* * * فـيـه الـمـآثـرُ لم تقتر ولم تجمِ

 

مـطـافُ بـهجتِكِ: التوحيدُ زينتُه* * * بـه الـنجاةُ مع البشرى لمعتصمِ

 

سلمتِ يومَ اعتدى من قبل أبرهةٌ* * * ورُدَّ، والـفـيـلُ لا يلوي على قدمِ

 

أخزاه ربٌّ الورى، والجيش أهلكه* * * رمـيُ الأبابيلِ في الوادي من الحِممِ

 

يحميك ربٌّكِ طول الدهرِ من محن* * * ومـن غـزاةٍ,، وعـينُ اللهِ لم تنمِ

 

وفـتـحُ ربِّـك مـا تـرجوه أُمتُنا* * * إذا الـشـدائـدُ أعـيـتها بمصدمِ

 

نـأتـي إلـيـك وقُبحُ الذَّنبِ أثقلنا* * * لـكـن نـؤوبُ بـلا ذنبٍ, ولا تهمِ

 

مـشـاعـرُ الحجِّ بالأنوارِ تغمرُنا* * * وبـالـسرورِ جرى من نائلِ الكرمِ

 

يسمو الإخاءُ بها في حُسنِِ صورتِه * * * مـودَّةً خـلـصـت للهِ لم تثمِ (2)

 

والـناسُ قد راضهم دينٌ و وحَّدهم * * * عـلـى الـهـدايةِ والإيثارِ والشَّممِ

 

فـفـيـك بيتٌ سمت بالطٌّهرِ رفعتُه * * * مـبـاركُ الـنـفحاتِ اعتدَّ بالعِظَمِ

 

بـيـتُ النَّدى والهدى والتَّوبِ بوَّأه * * * ربٌّ الـبـريَّـةِ فـيها خيرَ مغتَنَمِ

 

فـلا مُـكـاء ولا في البيتِ تصدية * * * ولـيـس مـن نُصُبٍ, فيه ولا صنمِ

 

دانـت لـه أُمَّـةُ الإسـلامِ قاطبةً * * * مـن الأعـاربِ والإفـرنجِ والعجمِ

 

وكـلٌّ مَـن أَمَّـهُ بـالصدقِ أكرمه * * * بـالـبـرِّ خـالقُه من فضلِه العممِ

 

ومَـن تـوجَّـه لـلـرحمنِ أكسبَه * * * صـدقُ الـتَّـوجُهِ نورًا غيرَ منكتمِ

 

وعـاشَ في فيءِ خيرٍ, آمنا وهدى * * * لـلـه لا لـلـهوى المنسوجِ بالغُمُمِ

 

ومَـن أتـى لـخـداعٍ, باءَ مندحرًا * * * بـالـخزيِ يرسُفُ فيه سيئ الرَّسمِ

 

مـكـانـةُ البيتِ أسمى عند بارئنا * * * مـن كـلِّ مـحـدثةٍ, جاءت بغيِّهِمِ

 

ألـيـسـتِ الـقـبلةُ الغرَّاءُ كعبتَنا * * * ولـلطوافِ بها معنى لذي الحِكمِ؟!

 

والـحـجٌّ والـعمرةُ امتازا لأهلهما * * * بـوافـرِ العفوِ يشفي القلبَ من سقمِ

 

والـنـفـسُ طهَّرها غفرانُ خالقِها * * * مـن زلَّـةٍ, عظمت أو سوءِ ملتطمِ

 

يـعـودُ مَن حجَّ مغفورَ الذٌّنوبِ له * * * فـي الـحشرِ منزلةٌ أبهى من الأُطُمِ

 

مـسـتـبـشرا بنعيمٍ, ليسَ يُفزعُه * * * يـومٌ تـشـيبُ به الولدانُ من دُهُمِ

 

فـقـد قـلى المللَ النكراءَ في زمنٍ, * * * تـوشَّـحـت فيه ذاتُ الظٌّلمِ بالظٌّلَمِ

 

                               *  *  ** * **  *  *

 

يـا مـكَّة الأمنِ والإيمانِ ما برحت * * * قـلـوبُـنـا تفتدي دينَ الهدى بدمِ

 

لـسـنا المجازيعَ إن حلَّت بنا محنٌ * * * ولـن نـهـونَ لـشَّرٍ, غيرِ منحسمِ

 

جـئـنـا نـحـجٌّ وفي أحنائنا ألأمٌ  * * * مـن الـسـنين التي أنَّت من الألمِ

 

نـرومُـه فـرجًـا من عندِ بارئِنا * * * إذ شـابَ مـفرقُنا من وطأةِ الغسمِ

 

والـلـيـل طـال على آفاقِ أُمتِنا * * * وطالَ عبءُ السٌّرى في غيهبِ السَّأمِ

 

يـا مـكـةُ: الأملُ الممراحُ ناغمنا * * * والـروحُ تهزجُ رغمَ الضِّيقِ بالهممِ

 

مـازال فـي البيِّناتِ النٌّورُ يمنحُنا * * * أحـلـى الـيقينِ بما للدينِ من ذِممِ

 

نـطـوفُ بالبيتِ أو نسعى وأدمعُنا * * * فـي غيرِ هذا الحمى لم تجرِ أو تهمِ

 

وهـاهـنـا العبراتُ اليومَ نسكبُها * * * حـبًّـا وخوفًا وشوقًأ غيرَ منصرمِ

 

وفـي سـنى عرفاتِ الخيرِ هيدبُه * * * روَّى جـوانـحَـنـا من وابلٍ, هممِ

 

عـسـى الـرحيمُ الذي ناجته أفئدةٌ * * * يـمـنٌّ بـالعفوِ فالآمالُ لم تئمِ((3

 

تـبـاركَ اللهُ يـومَ اخـتارَ كعبتَه * * * فـي بـطـنِ واديك إذ واتاه بالنَّعمِ

 

مـشـى الـنبيٌّ به فاخضرَّ مبتهجًا * * * بـشـرعـةِ اللهِ ذا جودٍ, على الأُممِ

 

يـاربِّ جـنِّـبهُ من شرٍّ, ومن فتنٍ,  * * * واحـفـظ مـشاعرَه بالأمنِ والسَّلمِ

 

واحـفـظ شـريعتَك الغرَّاءَ عاليةً  * * * وانـصـر بها ركبَنا في كلِّ مقتَحَمِ

 

لـم نحنِ هامتَنا في وجهِ مَن ظلموا * * * ولـلـفـجـائـعِ صولاتٌ وللدٌّهمِ

 

وإنـهـا وجـأت أكبادَنا، وطوت * * * قيودُها اليومَ أهلَ الفضلِ بالنَّخمِ( (4

 

وعـرَّجـت بـرزايـاها على قيمٍ, * * * فـي كـفِّ مـفتَتَنٍ, من قومِنا خصِمِ

 

لـكـنَّـنـا وهدى الرحمنِ يعصمُنا * * * مـن غـيِّ مـنزَلَقٍ, للمفسدين نُمي

 

قـد انـتـضـينا لها أسيافَ عزَّتِنا * * * باللهِ فـاسـتدبرت في ثوبِ منفحِمِ

 

مَـن كان من زمزمِ التوحيدِ مشربُه * * * فـلـيـس يـرهـقُه ميدانُ بغيِهِمِ

 

ومَـن مـشـى خلفَ هادينا وقائدِنا * * * مـحمَّدِ المصطفى لم يخشَ من حدمِ

 

لـلـدهـرِ دورتُـه، فانظر تقلٌّبَه * * * بـإذنِ ربِّك ذي الأقدارِ عن كثمِ (6)

 

واصـبـر لـحكمتِه في كلِّ حالكةٍ, * * * فـأنـتَ بالدينِ والتقوى على القِممِ

 

تـهـافـتت قوَّةُ العادي وما ملكت  * * * إلا الـبـوارَ بـتـيهِ العارِ والرَّغمِ

فـاسـتـبشري أُمَّةَ الإسلامِ إنَّ لنا * * * ربًّا يغارُ على الأخيارِ والعُصُمِ( (7

 

لـن يـفلتَ البغيُ من آتي عقوبتِه * * * وإن تـحـصَّـنَ بـالأجنادِ والأجمِ

 

مـازال ربٌّـك بالمرصادِ فانتظرن * * * يـومَ الـخـلاصِ ففيه البرٌّ بالقسمِ

 

                                   * * *

--------------------

1 الغتم: شدة الحر وأثره.

2 لم تثم: لم تنقطع

3 لم تئم: لم تبتعد

4 بالنَّخم: بالإعياء

5 منفحم: عاجز 

6 عن كثم: عن قرب

7 العُصُم:القيم المقدسة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply