بسم الله الرحمن الرحيم
عَن أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِي اللَّهُ عَنهُ- قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَن أَكرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتقَاهُم، فَقَالُوا: لَيسَ عَن هَذَا نَسأَلُكَ، قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيٌّ اللَّهِ ابنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابنِ خَلِيلِ اللَّهِ قَالُوا: لَيسَ عَن هَذَا نَسأَلُكَ، قَالَ: ((فَعَن مَعَادِنِ العَرَبِ تَسأَلُونِ خِيَارُهُم فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُم فِي الإِسلَامِ إِذَا فَقُهُوا)
قال العُلماء:( لَمَّا سُئِلَ : أيٌّ النَّاس أكرم؟ أخبرَ بأكمَلِ الكَرمِ وأعمِّه فقال أتقَاهُم لله، وقد ذكرنا أَنَّ أَصلَ الكرَمِ كَثرةُ الخَيرُ، فمن كان تَقِيَّاً كان كثيرَ الخَيرِ وكبيرَ الفائدة في الدٌّنيا وصاحبَ الدَّرجاتِ العُلا في الآخرة، فلَمَّا قالُوا ليسَ عن هذا نسألُك، قال: يوسفُ الذي جمعَ خيراتِ الدٌّنيا والآخرة وشرَفهما، فلَمَّا قالوا ليس عن هذا نسألك، فَهِمَ أَنَّ مُرادَهم قبائلُ العرب فقال: خيارُهم في الجاهليَّةِ خيارُهُم في الإسلام إِذا فَقُهوا، ومعناه أَنَّ أصحابَ المرُوءاتِ ومكارم الأخلاقِ في الجاهليَّةِ إذا أسلَمُوا وفَقُهوا فَهُم خِيَارُ الناس))، ((إذ اجتمع لهم شرفُ الدٌّنيا والآخرة، وفيه ما يدلٌّ على شَرفِ الفِقه في الدين)) (3)، وأَنَّه يُعلى شأنَ المسلم ويرفَعُ قَدرَه كما قال الله - تعالى -: [يَرفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ,(11)] [المجادلة]، ((عن ابن عبَّاسٍ, أَنَّه قالَ في تفسيرِ هذه الآية: يَرفَعِ اللهُ الذين آمنُوا منكم والذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العِلمَ درجات].
وعن ابنِ مَسعُودٍ, قالَ: ما خصَّ اللهُ العلماءَ في شيءٍ, من القُرآنِ ما خصَّهم في هذه الآية، فضَّلَ اللهُ الَّذين آمنُوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم)).
وقد نفى الله - تعالى - التّسوِيَةَ بينَ العلماءِ وغيرِهم، فقال - تعالى -: [ قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعلَمُونَ(9)] [الزمر].
وبيَّن النبيٌّ الفرقَ بينَهما فقال: ((فَضلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضلِي عَلَى أَدنَاكُم))، وفي رواية ((وَفَضلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ)).
وقال الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ,: ((عَالِمٌ عَامِلٌ مُعَلِّمُ يُدعَى كبيراً في مَلَكُوتِ السموات)).
وعن عليٍّ, قال: نِعمَ الرٌّجُلُ الفقيهُ في الدِّين.
وقال أبو الدَّرداء: من رأي الغَدوَ والرَّواح إلى العلم ليس بجهادٍ, فقد نقصَ عقلُه ورأيُه.
وعن الأزديِّ قال: سألتُ ابنَ عبَّاسٍ, عن الجهاد فقال: أَلاَ أدلٌّك على خيرٍ, من الجهاد؟ فقلتُ: بلَى، قال: ابتَنِي مسجداً وتعلّم فيه الفرائضَ والسٌّنَّةَ والفِقهَ في الدِّين)).
ولقد أمرَ اللهُ - تعالى - القادرينَ بِالسَّفر للتَّفَقٌّهِ في الدَّين ثم تفقيهِ القاعدين، فقال - تعالى -: [وَمَا كَانَ المُؤمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَولاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ, مِنهُم طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُم إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ] (122)[التوبة].
فسمَّى اللهُ - تعالى - الخُروجَ في طلبِ الفِقهِ نفيراً كما سمَّى الخُروجَ في طلبِ العدِّو نفيراً فقال - تعالى -: [انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ(41)][التوبة]، فطلبُ العلمِ جهادٌ، وطالبُ العلم مجاهدٌ في سبيلِ الله، كما صرَّح بذلك رَسُول الله:
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((مَن جَاءَ مَسجِدِي هَذَا لَم يَأتِهِ إِلاَّ لِخَيرٍ, يَتَعَلَّمُهُ أَو يُعَلِّمُهُ فَهُوَ بِمَنزِلَةِ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))
وقال بعض العلماء: ((مِن شَرِفَ العلمِ وفَضلِه أَنَّ كلَّ مَن يُنسَبُ إليه يَفرَحُ بذلك وإِن لم يكن مِن أهلِه، وكُلَّ من دُفِعَ عنه ونُسِبَ إلى الجَهلِ عزَّ عليه ونالَ ذلك من نفسِه وإِن كان جاهلاً))
ورُويَ أَنَّ معاويةَ حجَّ في بعضِ الحجَّاتِ فابتَنَى بالأبطحِ مَجلِساً فجَلَسَ عليه ومَعَهُ زَوجَتُه قُرظَةُ ابَنةُ عبدِ عمرِو بنِ نَوفَل فإذا هو بجماعةٍ, على رِحَالٍ, لهم وإذا شَابُّ يُغَنِّي فقال: مَن هذا؟ قالوا فلانُ بنُ جعفرِ بنِ عليٍّ, بنِ أبي طالب، فقال: خَلٌّوا له الطريقَ فليَذهب، ثم إذا هو بجماعةٍ, فيهم غُلاَمٌ يُغَنِّي، قال: مَن هذا؟ قالوا عمرُ بنُ عبدِ الله بنِ أبي ربيعة، قال خَلٌّوا له الطريقَ فليذهب، ثم إذا هُوَ بجماعةٍ, حَولَ رَجُلٍ, يسأَلُونَهُ فيُجِيبُهم يقول: رميتُ قبلَ أَن أَحلِقَ، وبعضُهم يقولُ حَلَقتُ قبلَ أَن أَرمِيَ، يسألونَ عن أشياءَ أَشكَلت عليهم مِن مَنَاسِكِ الحَجِّ، فقال: مِن هذا؟ قالُوا عبدُ اللهِ بنُ عمر، فالتفتَ إلى زَوجَتِه فقال: هذا وأَبِيكِ الشَّرَفُ، هذا واللهِ الشَّرَفُ في الدٌّنيا والآخرة))
ولقد أحسن من قال:
رأيتُ العِلمَ صَاحِبُهُ شريـفٌ وإِن وَلَـدتـُه آبـاءٌ لئــِامُ
وليسَ يَزالُ يَرفَعُـُه إِلَى أَن يُعَظِّـَم قَـدرَهُ القومُ الكِـرَامُ
ويتَّبِعُونَـهُ فـي كُـلِّ أَمـرٍ, كَرَاعِ الضَّـأنِ تَتبَعُهُ السَّوامُ
ويُحمَلُ قولُـه في كُلِّ أُفُـقٍ, ومَـن يكُ عالِمَاً فهو الإِمَـامُ
فَلَولا العِلمُ ما سَعَدِت نفـوسٌ ولا عُرِفَ الحَلاَلُ ولا الحَرامُ
فبِالعِلمِ النَّجاةُ من المَخَـازِي وبالجَهلِ المَذلَّـةُ والرَّغَـامُ
هو الهادِي الدَّليلُ إِلَى المعالِي ومِصبَاحٌ يُضِيء به الظَّلامُ
كذَلكَ عن الرَّسُولِ أتَى عَلَيهِ مِنَ اللهِ التَّحِيَّـُة والسَّـلامُ
وقال آخر:
والعِلمُ زَينٌ وتَشرِيفٌ لِصَاحبِه أَتت إلينَا بذَا الأنبـاءُ والكتبُ
والعِلمُ يرفعُ أقواماً بلا حَسبٍ, فكيفَ مَن كانَ ذا علمٍ, لَهُ حسبُ
فاطلب بعلمِكَ وجهَ اللهِ مُحتَسِباً فما سِوَى العلمِ فهو الَّلهُو والَّلعِب
ولقد كان يحثٌّ على طلَبِ العِلم والسَّعيِ فيه وحُضورِ مجالسه:
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلتَمِسُ فِيهِ عِلمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ فِي بَيتٍ, مِن بُيُوتِ اللَّهِ يَتلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَينَهُم إِلاَّ نَزَلَت عَلَيهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتهُمُ الرَّحمَةُ وَحَفَّتهُمُ المَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِندَهُ)).
وَعَن أَبِي الدَّردَاءِ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((مَن سَلَكَ طَرِيقًا يَطلُبُ فِيهِ عِلمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِن طُرُقِ الجَنَّةِ وَإِنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ العِلمِ وَإِنَّ العَالِمَ لَيَستَغفِرُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرضِ وَالحِيتَانُ فِي جَوفِ المَاءِ وَإِنَّ فَضلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنبِيَاءَ لَم يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرهَمًا وَرَّثُوا العِلمَ فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ, وَافِرٍ,)).
((ومعلومٌ أَنَّه لا رُتبَةَ فَوقَ رُتبَةِ النبوَّة، ولا شرفَ فَوقَ شَرَفِ الوِرَاثةِ لِتِلكَ الرٌّتبة)).
ووصَّى من أتى على مجلسِ علمٍ, أَن يأوِيَ إليه وينهَلَ منه، فقال: ((إِذَا مَرَرتُم بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارتَعُوا، قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: حِلَقُ الذِّكرِ)).
قال عطاء: حِلَقُ الذَّكر هي مجالسُ العلم، كيفَ تُصلَّي وتَصُوم، وكيفَ تبيعُ وتَشتَرِي، وكيفَ تَنكِحُ وتُطَلَّق.
وحذَّر النبيٌّ مَن أتَى على مجلسِ علمٍ, أَن يَنصَرِفُ عنه مِن غَيرِ عُذرٍ,:
عَن أَبِي وَاقِدٍ, اللَّيثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَينَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذ أَقبَلَ نَفَرٌ ثَلاَثَةٌ فَأَقبَلَ اثنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَذَهَبَ وَاحِدٌ قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرجَةً فِي الحَلقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآَخَرُ فَجَلَسَ خَلفَهُم، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: ((أَلاَ أُخبِرُكُم عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ، أَمَّا أَحَدُهُم فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآَخَرُ فَاستَحيَا فَاستَحيَا اللَّهُ مِنهُ، وَأَمَّا الآَخَرُ فَأَعرَضَ فَأَعرَضَ اللَّهُ عَنهُ))
فعليك أيٌّها المُسلِمُ بوصيَّةِ رسولِ اللهِ : ((إِذَا مَرَرتُم بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارتَعُوا)) ولا تحرمنَّ نفسَك من الخير، فإِنَّ مجالسَ العلمِ هي مجالسُ الخير والبرَكَةِ والرَّحمة، وأَهلُها أولياءُ اللهِ وأحبَّاؤه، وبالسَّعادةِ سبقَ لهم قضاؤُه، فَمَن جالسَهم نَالتهُ بركتُهم، كما في الحديث:
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطٌّرُقِ يَلتَمِسُونَ أَهلَ الذِّكرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَومًا يَذكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوا هَلُمٌّوا إِلَى حَاجَتِكُم، قَالَ: فَيَحُفٌّونَهُم بِأَجنِحَتِهِم إِلَى السَّمَاءِ الدٌّنيَا، قَالَ: فَيَسأَلُهُم رَبٌّهُم وَهُوَ أَعلَمُ مِنهُم مَا يَقُولُ: عِبَادِي قَالُوا: يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَل رَأَونِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيفَ لَو رَأَونِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَو رَأَوكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمجِيدًا وَتَحمِيدًا وَأَكثَرَ لَكَ تَسبِيحًا، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسأَلُونِي، قَالَ: يَسأَلُونَكَ الجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَل رَأَوهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيفَ لَو أَنَّهُم رَأَوهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَو أَنَّهُم رَأَوهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيهَا حِرصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعظَمَ فِيهَا رَغبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَل رَأَوهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيفَ لَو رَأَوهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَو رَأَوهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشهِدُكُم أَنِّي قَد غَفَرتُ لَهُم، قَالَ: يَقُولُ: مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ فِيهِم فُلاَنٌ لَيسَ مِنهُم إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ, قَالَ هُمُ الجُلَسَاءُ لاَ يَشقَى بِهِم جَلِيسُهُم).
فمن فقَّهه اللهُ في الدِّين فقد آتاه اللهُ خيراً كثيراً، فليعمَّ النَّاسَ بخَيره، وليُحسِن إليهم كما أحسنَ اللهُ إليه، وليُعلِّمهم مما علَّمه الله، فإِنَّ اللهَ - تعالى - أمرَ العُلَماءَ بتعليم الذين لا يعلَمون وتوعَّد الذين يكتمُون ما آتاهم اللهُ من فَضلِه، فقال - تعالى -: [وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِم وَاشتَرَوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئسَ مَا يَشتَرُونَ] (187) [آل عمران].
وقال - تعالى -: [إِنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنزَلنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِن بَعدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ(159)] [البقرة]، وقال - تعالى -: [إِنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِم إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ(174)][البقرة].
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((مَن سُئِلَ عَن عِلمٍ, فَكَتَمَهُ أَلجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ, مِن نَارٍ, يَومَ القِيَامَةِ)).
وكان يأمر بتبليغِ العلمِ وتعليمه ويدعو للمُبلِّغ:
عَن زَيدِ بنِ ثَابِتٍ, قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ((نَضَّرَ اللَّهُ امرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ, إِلَى مَن هُوَ أَفقَهُ مِنهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقهٍ, لَيسَ بِفَقِيهٍ,))(2).
وعن سَهلُ بنُ سَعدٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِعَلِي يَومَ خَيبَرَ: ((فَوَاللَّهِ لأَن يَهدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكُونَ لَكَ حُمرُ النَّعَمِ))(3).
وَعَن أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّملَةَ فِي جُحرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلٌّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيرَ))(4).
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((إِنَّ مِمَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ عِلمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ))(5).
عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاَثَةٍ, إِلاَّ مِن صَدَقَةٍ, جَارِيَةٍ, أَو عِلمٍ, يُنتَفَعُ بِهِ أَو وَلَدٍ, صَالِحٍ, يَدعُو لَهُ))،
وَعَن أَنَسٍ, أَنَّ النَّبيَّ قَالَ: ((مَن عَلَّمَ عِلمًا فَلَهُ أَجرُ مَن عَمِلَ بِهِ لاَ يَنقُصُ مِن أَجرِ العَامِلِ))(2).
ومن لم يتمكَّن من التفرَّغِ لطلبِ العلم والتفقٌّهِ في الدِّين فعليه أَن يسألَ العلماءَ عن كلِّ ما يلزمُه فِعلُه من الأعمال، فإِنَّ الله قال: [فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لاَ تَعلَمُونَ(43)] [النحل]، وترجم البخاري في صحيحه في كتاب العلم فقال: ((بَاب العِلمُ قَبلَ القَولِ وَالعَمَلِ لِقَولِ اللَّهِ - تعالى -: [ فَاعلَم أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ(19)][محمد]، [فَبَدَأَ بِالعِلمِ ] فَاعلَم [ثم قال]وَاستَغفِر[. والخطاب وإِن كان للنبي فهو متناول لأمته))(3).
وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((طَلَبُ العِلمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ,)).
قال الإمامُ ابنُ عبدِ البرِّ: ((قد أجمعَ العُلماءُ على أَنَّ مِنَ العلمِ ما هو فرضٌ متعيِّنٌ على كلِّ امرئٍ, في خاصَّةِ نفسه، ومِنهُ ما هو فرضٌ على الكفاية إذا قام به قائمٌ سقط فرضُهُ عن أهلِ ذلكَ الموضِع، والذي يلزمُ الجميعَ فرضُهُ من ذلك ما لا يسعُ الإنسانَ جهلُه من أصولِ الدِّين كالشَّهادتين وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحَجِّ البيت، فيتعيَّنُ على كلِّ مسلمٍ, معرفةُ شرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ وأركانِها وواجباتِها ومستحبَّاتها. وإذا أوتِيَ مالاً يتعيَّن عليه معرفةُ ما تجب فيه الزكاة وكم تجب؟ وإذا استطاع الحج تعيَّن عليه أَن يتعلَّم مناسِكَ الحجِّ، وكذلك يتعيَّنُ على كلِّ إنسانٍ, معرفةُ أصولِ المحرَّماتِ في البيعِ والشَّراءِ والنَّكاحِ والأطعِمة والأشربة، ثم سائرُ العلمِ وطلبُه والتَّفقٌّه فيه، وتعليمُ النَّاسِ إيَّاه، وفتواهُم به في مصالح دينِهم ودُنياهم فهو فريضةٌ على الكفاية، يلزمُ الجميعَ فرضُه فإذا قام به قائِمٌ سقط فرضه عن الباقين، وعلى من عَرضَ له أمرٌ لا يعرِفُ حُكمَ الشَّرعِ فيه يسألُ المُفتِين)).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد