تجربة دورة حفظ القرآن والسنة بمسجد علي بن المديني


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

كانت الفكرة موجودة في الأذهان منذ مدة ليست طويلة، وكذلك الهمة والحوافز، وخلال صيف عام 1243هـ بدأنا بتطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع، وخلال مدة بسيطة تكشف لنا مدى نجاح هذه التجربة، ومدة أهميتها وحاجة الناس إليها، فاستمرت عام 1424هـ.

 

الدورة تخص أحد أكثر مطالب المسلمين حاجة، وتعد مما ينال بها الإنسان مرتبة عالية في الدنيا والآخرة، وهو ما جعل هذه الدورة جديرة بالنجاح والرفعة.

 

والدورة هي دورة تحفيظ القرآن الكريم للشباب المسلم خلال وقت الصيف، وإن مما يثلج صدر المؤمن أن يرى كوكبة من شباب الأمة يُـقبلون على حفظ كتاب ربهم - عز وجل - وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، بل ويتسابقون في ذلك، وكأن لسان حالهم، يقول: سارعوا يا شباب الإسلام بحفظ كلام الرحمن فإنه الحصن الحصين من الشيطان الرجيم! وما ذاك إلا دليل على اهتمامهم بهذا الدستور العظيم الذي هو عز هذه الأمّة وفخرها وأساس قوتها.

 

وهذه الدورة تتعلق بكتاب الله - تعالى - وسنّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد رتبنا لها برنامجاً مكثفاً مدته ستة أسابيع خلال هذه الإجازة يحفظ الشاب القرآن الكريم كاملاً، وكتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي - رحمه الله تعالى -، ومنطلقنا في ذلك قول الله - عز وجل -: \"وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثمِ وَالعُدوَانِ\" (المائدة: من الآية2?.

 

ومما يثلج الصدر ويدعو إلى مواصلة الجهود وتكثيفها وتطويرها تلك النتائج التي ظهرت منذ بزوغ فجر هذه الدورة على أرض الواقع ولله الحمد- فمن ذلك على سبيل المثال:

استطاع أحد المشاركين فيها (وهو طالب في المرحلة الجامعية) أن يختم القرآن الكريم كاملاً عـن ظهر قلب بعد ستة عشر يـوماً، وقد حصل على إجـازة برواية حفـص عن عاصم.

 

وما أن علم كثير من الإخوة المشاركين عنه، إلا ولمعت من أعينهـم شعلة التنافس المحـمود بينـهم، واسـتطاع فارس الدورة الثاني أن يختم القرآن كاملاً عن ظهر قلب في ثمانية عشر يوماً، وهو طالب في مرحلة الثالث ثانوي.

كما استطاع الفارس الثالث أن يختم القرآن كاملاً عن ظهر قلب كذلك في ثمانية عشر يوماً، وقد حصل على إجازة برواية حفص عن عاصم.

 

وقد تنافس في ذلك كثير من الشباب، وفرّغ كثير من الإخوة أوقاتهم لحفظ كتاب ربهم - عز وجل -، فقد استطاع أربعون مشاركاً ولله الحمد والمنة أن يختموا القرآن الكريم كاملاً عن ظهر قلب خلال سبعة وعشرين يوماً، منهم من ختمه خلال تسعة عشر يوماً، ومنهم من ختمه خلال اثنين وعشرين يوماً، فكل يوم يختم اثنان أو ثلاثة من المشاركين.

 

أعداد المتقدمين:

تقدم لهذه الدورة أكثر من 800 طالب عام1423هـ وقبل منهم614 طالباً، وتقدم أكثر من 900 طالب عام1424هـ فتم قبول 560 طالباً.

ونظراً لعدم اتساع مسجد علي بن المديني لهذا العدد الكبير، خاصةً أن حفظ القرآن الكريم يحتاج له تهيئة المكان لكي يتمكن الإنسان من تلاوته وحفظه ومراجعته، فتم توزيع هذا العدد على خمس مساجد في شرق وشمال الرياض، مع إشراف مسجد علي بن المديني على المساجد، وهذه المساجد، هي:

مسجد علي بن المديني - رحمه الله - بحي الروضة.

مسجد أنس بن مالك - رضي الله عنه - بحي الازدهار.

جامع الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - بحي الواحة.

مسجد الربيع بحي الربيع.

مسجد الخريّف بحي المعذر الشمالي.

 

برامج الحفظ المكثفة في الدورة:

أولاً: حفظ القرآن موزع على أربعة فروع كما هو موضح في الجدول.

ثانياً: حفظ السنّة النبوية:

وقد قمنا باختيار كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي، وذلك أن أحاديثه في الصحيحين أو أحدهما، وكذلك لأن هذا الكتاب يستطيع الإنسان أن يحفظه في هذه المدة الوجيزة، وهي ستة أسابيع موزعة على ثلاثة أوقات كما هو موضح في الجدول.

 

وقد تخلل هذه الدورة دورات تتعلق بالقرآن الكريم، ومنها:

دورات مصاحبة في عام 1423هـ، وهي:

(1) دورة في الحاسب الآلي.

(2) دورة في فن التفاعل مع الآخرين.

(3) دورة في فن الإلقاء والخطابة.

 

أما الدورات المصاحبة في عام1424هـ فكانت:

(1) دورة في تحسين التلاوة لمن لم يجد تلاوة القرآن.

(2) دورة في الوقف والابتداء.

 

اللجنة العلمية والاستشارية:

تم تشكيل لجنة علمية واستشارية، ومهمة هذه اللجنة اختيار مدرسي الدورة وجودتهم وسلامة عقيدتهم من الخلل، ممثلة في كل من: -

(1) فضيلة الشيخ الدكتور / سيد بن ساداتي الشنقيطي (أستاذ الإعلام الإسلامي بكلية أصول الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض).

(2) فضيلة الشيخ الدكتور / صلاح بن عبد المقصود المهداوي (أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض).

 

آليات عمل الدورة والأهداف التي تسعى لها:

مثل هذه الدورات المباركة لابد أن يكون لها أهداف وآلية تسعى لها، ومن ذلك:

(1) تحقيق الخيرية التي وعدت بها الأمة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه\".

(2) إحياء رسالة المسجد في الإسلام.

(3) إيجاد حفّاظ لكتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - خلال 45 يوماً، والاستفادة منهم في التدريس في حلقات القرآن والسنّّة النبوية.

(4) تحقيق مبدأ التعاون الذي أمر الله به، وذلك بتهيئة الفرص للشباب في الإجازة الصيفية لحفظ كلام رب البريّة.

(5) تشجيع شباب الأمة ورفع همتهم لحفظ كتاب ربهم - عز وجل -، واستغلال أوقاتهم في هذه المدة القصيرة.

 

أما آلية عمل الدورة والطريقة التي تسير عليها فكانت وفق ما يلي:

حفظ القرآن الكريم.

حفظ كتاب (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغني المقدسي.

حفظ كتاب (بلوغ المرام) للحافظ بن حجر العسقلاني.

أما ما يتعلق بكتاب الله - تعالى -، وكتاب (عمدة الأحكام)، فيكون برنامجهما في الإجازة الصيفية.

وأما ما يتعلق بكتاب بلوغ المرام فيكون في بداية الدراسة ولمدة فصلين دراسيين بمشيئة الله - تعالى -، وقد وضعنا لحفظ هذا الكتاب القيّم برنامجاً زمنياً يحفظ فيه الإنسان هذا الكتاب المفيد خلال هذه المدة المحددة بمشيئة الله.

 

شروط الالتحاق بالدورة:

1- الانتظام بالحضور طيلة مدة إقامة الدورة وعدم الغياب.

2- تعبئة استمارة الالتحاق بالدورة.

3- أن يكون الملتحق من المرحلة المتوسطة والثانوية والجامعية، ويدخل في ذلك الموظفين والمتقاعدين.

4- إجادة قراءة القرآن الكريم من المصحف (نظراً).

5- يشترط لحفظ كتاب (عمدة الأحكام) أو كتاب (بلوغ المرام) أن يكون الإنسان حافظاً للقرآن الكريم كاملاً.

 

المميزات والحوافز التشجيعية خلال الدورة:

وضعت إدارة الدورة ميزات وحوافز تشجيعية لمن يشارك فيها، وتتضمن الآتي:

(1) يقوم بالتدريس فيها نخبة من حفّاظ كتاب الله، والحاصلين على أكثر من رواية.

(2) يحصل الحافظ للقرآن كاملاً على إجازة برواية حفصٍ, عن عاصم من الشيخ الذي حفظ عنده القرآن، وذلك حسب قراءة القارئ وتجويده، وحسب ما يراه الشيخ إذا كان الطالب يستحق هذه الإجازة أو لا يستحقها.

(3) يحصل الحافظ للسـنّـة النبوية على إجازة حديثية في كتاب (عمدة الأحكام) أو كتاب (بلوغ المرام).

(4) يحصل المشارك على شهادة حضور مصدقة من الجمعيّة الخيريّة لتحفيظ القرآن الكريم.

(5) إيجاد حلقات خاصة بالقراءات العشر لمن هو حاصل على إجازة برواية حفص عن عاصم.

(6) إيجاد حلقات خاصة لمن لم يجد قراءة القرآن (نظراً) لتحسين التلاوة.

(7) جوائز تشجيعية لجميع المشاركين في الدورة.

(8) توفير وسيلة نقل لمن يبعد عن مقر المسجد.

(9) مسابقات يومية لطلاب الدورة أثناء أيام الدورة وتوزيع جوائز لهذه المسابقة.

 

وهناك جوائز كبرى للدورة ـ لمن هو متقن للقرآن ـ وقد تم ترشيح لجنة لاختبار الطلاب الذين ختموا القرآن خلال 45 يوماً، وذلك للتمييز بين الأوائل حسب إتقانهم وضبطهم للقرآن.

وتتمثل الجوائز الكبرى فيما يلي:

الفائز الأول: سيارة كورولا.

الفائز الثاني: كمبيوتر محمول + أثاث مكتبي.

الفائز الثالث: كمبيوتر محمول.

الفائز الرابع: كمبيوتر مكتبي.

الفائز الخامس: تذكرة سفر عمرة بالطائرة مع الإقامة لمدة ثلاثة أيام.

 

(من نتائج الدورة الأولى عام 1423هـ):

عدد الذين حفظوا القرآن كاملاً أكثر من 200 طالب.

وعدد الذين حصلوا على إجازة برواية حفص عن عاصم أكثر من 80 طالباً.

عدد الطلاب الذين حفظوا عشرين جزءاً أكثر من 120 طالباً.

عدد الطلاب الذين حفظوا عشرة أجزاء أكثر من 220 طالباً.

 

كما كان من نتائج الدورة إصدار شريط كاسيت باسم (التاجان) يحتوي على: مقابلات مفيدة مع مدرسي الدورة، ومقابلات مع الذين حفظوا القرآن كاملاً وحصلوا على إجازات برواية حفص عن عاصم، ويحتوي الشريط كذلك على بعض الخطوات العملية لحفظ كلام رب البريّة - عز وجل -.

 

نتائج عام1424هـ:

إن نتائج مثل هذا المشروع المبارك واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار، ومهما تحدثنا عنه إلا أن اللسان يقف أحياناً عن وصف نتائـجه وثمراته، ويكفي من نتائجه وثمراته ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: \"ألم\" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف \" رواه الترمذي والحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه.

 

وقد ذكر الإمام السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) أن عدد حروف القـرآن مليون وسبعة وعشرون ألف حرف، واسـتدل بحديث عند الإمام الطبراني من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: القرآن ألف ألف حرف، وسبعة وعشرون ألف حرف، فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين \".

 

وإذا تصورنا أن هناك أكثر من ثلاثمائة مشارك يقرؤون ويحفظون بمشيئة الله - تعالى - القرآن كاملاً، فكم من الحسنات التي سيحصل عليها الإنسان الذي بذل وقته وماله لنجاح مثل هذه الدورات النافعة إن شاء الله - تعالى -.

فيا لها من سعادة تنتظر الإنسان، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا مـن ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له\".

 

وتوفيقاً من الله - تعالى - أثبتت الدورة نجاحها بعد أيام قلائل، وكأن الإجابات العملية لتلك التساؤلات النظرية من طلبة العلم والدعاة ظهرت وبدأت \" تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها\".

 

حيث إن كثيراً من طلبة العلم والدعاة تخوفوا عندما سمعوا عن العدد الكبير الذي تقدم لها خشية أن يضمحل ويتلاشى ويتساقط خلال أيامٍ, قلائل، وخاصةً أن من يتقدم لها عنده من الحماس والاندفاع لحفظ هذا القرآن العظيم، ولكن قد يتوقف وينسحب من الدورة خلال أيام معدوداتº لأن هذا المشارك ليس عنده المقدرة على حفظ هذا القرآن في هذه المدة الوجيزة 45 يوماً.

 

وأذكر على سبيل المثال: أنه أتى إليّ رجل كبير متقاعد عمره 60 عاماً تقريباً، خلال الدورة الأولى في العام الماضي ورغب أن يشارك في الدورة في الفرع الثالث بحفظ عشرة أجزاء، فلما سألته عن محفوظاته السابقة فلم يكن معه من القرآن إلا نصف جزء يحفظه تقريباً، فلما بدأت الدورة كانت همته عالية، وكنت أتابعه متابعة خاصة عند الشيخ الذي يسمّع عليه، فاستمر في الدورة تقريباً أربعة أسابيع، وقد حفظ أكثر من ثلاثة أجزاء، فما استطاع أن يكمل وانسحب من الدورة! وهذا على خير عظيم، كونه يحفظ ثلاثة أجزاء خلال أربعة أسابيع ورجل كبير في السن، فالله المستعان!

 

وأحب أن أقول: إن المشاركين في هذه الدورة ليس كلهم حفّاظ، ولكن منهم من هو حافظ للقرآن الكريم كاملاً واستغل وجود مثل هذه الدورات لمراجعة حفظه وضبطه خلال هذه المدة الوجيزة.

ومنهم من كان حافظاً لنصف القرآن أو ثلثه أو ربعه، ومنهم من لم يحفظه مطلقاًً وهم القلة.

 

نتائج الدورة الثانية لهذا العام 1424هـ:

ومن نتائج الدورة الأولى: أن أحد الطلاب الذين التحقوا فيها وأخذوا إجازة برواية حفص عن عاصم، استحق أن يصبح مدرساً في الدورة الثانية، وهذا هدف قد حققناه ولله الحمد، بتوفيق الله - تعالى - أولاً وآخراً.

 

(ميزانية الدورة كاملة):

تطلعات لمثل هذا المشروع المبارك:

ومن تطلعاتنا لمثل هذا المشروع المبارك أن تتبنى إحدى الجهات الخيرية أو الرسمية في هذه البلاد ـ حرسها الله ـ هذا المشروع المبارك النافع بإذن الله - تعالى - خلال الأعوام القادمة ويتم قبول أكثر من 5000 طالب خلال الإجازة الصيفية يتم تخريجهم في مدة 45 يوماً حافظين للقرآن الكريم وكتاب (عمدة الأحكام)، ولو انشغل الإنسان طيلة عمره في تعلّم كتاب الله وتعليمه والعمل به وتأمله وتدبره لكان في هذا الخير العظيم له وللأمّة.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply