ما تركنا الليلَ ممدودَ اليديـــــن *** بل فتحنا بابَــــه للمشــــرقين
وتركنا الشمس تطــــوي ثوبَــه *** وتركنــــاه رهيــــنَ المحبسين
وتركنــــا كــــلَّ مخــــدوعٍ, بــــه *** حائرًا، يسأل: أين الليــلُ، أين؟
لا تَسَل فالليــــلُ لا يبقـــى إذا *** أقبل الفجر عريــــضَ المنكبين
مُشرقَ الوجــــه على بسمـته *** أثر التغـريد بيــــن الشفتيــــن
حينما اهتــــزَّ حــــراءٌ للهــــدى *** وأضاءَ النـــــورُ وجهَ الأخشبين
وارتــــوت مكــــة من زمزمهـــا *** ورأت غـــارَ حــــراءٍ, رأيَ عيــــن
ورأت بطحــــاؤهــــا أن الـــــذي *** ينذر النــاسَ نبــــيٌّ الثقليــــن
وسرى الإيمـانُ في وجدانهــــا *** يشرح الصدر ويجلـــو المقلتين
لا تسلني ما جـرى من بعد ما *** هزَّت الأمجادُ صدرَ الخافقــــين
بعـــــد آلاف البطــــولات التـــي *** كتبتها الشمسُ بيـــن الدَّفتين
لا تسـل عن حالنا من بعــد ما *** رفــــع المجــــد لنـــا لافتتــــين
بعـــد أن سلَّمــــت الــــروم لنا *** وبكى قيصــــرُ بُعدَ الغُوطتَــــين
لا تســــل عن حالنا من بعدها *** حين أصبحنــــا أذلَّ الفرقتيـــن
ورفعنــــا قــــدرَ أعـداءِ الهــــدى *** ومنحناهم خَــــراج الضَّفتَيــــن
باعت الأقصــــى فـلا تنظر إلى *** أمةٍ, ضحَّت بأولــــى القبلتيـــن
أمـــــــةٌ لاهيــــةٌ لا تَعتــــلــــي *** ويحَها إلا بحــــذف النٌّقطَتــــين
لا تســــل عن كثـرة القوم فلم *** تُجــدِنَا كثرتُنــــا يــــوم حُنيــــن
إنمــــا ضيَّعنـــــا مــــن قومنــــا *** مَن إلى الأعداءِ أصغى الأذنين
يا بني قومي! أرى سكــــرتكم *** أنزلتكم عن مقـام الفرقــــدين
كيف يُغريكــم ســــرابٌ كــــاذبٌ *** كيف أحفَيتُم إليـــه القدمين؟!
يا بني قومــــي! أفيقــــوا إنمـا *** يخسر الجـــولةَ أغوى الجانبين
إن أعــــداء الهدى لن يرتـــــووا *** لو سقيناهــــم بمـــاءِ الرَّافدين
أو جعلنــا كـلَّ غــــربيٍّ, علــــى *** بئر نفطٍ, وأضفنــــا حفــــرتيـــن
أيهـــا الســــائل عنــــي، إنني *** أرقب الأحداث مبســـوط اليدين
لم أزل أشعــــر أنــي مسلــــمٌ *** للضحـــايا عنده حــــقٌ ودَيـــن
لا تقــــل قد نام حزنــــي إنــــه *** لم يزل يرمق وجدانــــي بعين
أيها السائــــل! خُذها حكمـــــةً *** واسقِ منها كلَّ غاف شربتين
يغرق الإنســــانُ فـــــي ذلَّتـــهِ *** حين يبقى تائهًا ما بيـــنَ بيـن