بسم الله الرحمن الرحيم
يقبل الناس في العيد على المصليات يرجون - رحمه الله تعالى - وغفران ذنوبهم، إذ يوفى العامل أجره عند تمام عمله، وقد كان السلف يعملون العمل ثم يسألون الله - تعالى - قبوله ويخافون أن يرد عليهم، وقال علي- رضي الله عنه -: \"كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله - عز وجل - يقول: إنما يتقبل الله من المتقين (27)(المائدة).
وخرج عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - في يوم عيد الفطر فقال في خطبته: أيها الناس، إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً وقمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم.
وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم العيد فيقال له: إنه يوم فرح وسرور، فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا؟ وهذا منه - رحمه الله تعالى - جارٍ, مجرى الشعور المرهف، وإلا فالمشروع في العيد إظهار الفرح والسرور.
وقال ابن مسعود- رضي الله عنه -: من هذا المقبول منا فنهنيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟
وصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر فقال: \"آمين.. آمين.. آمين\". قيل: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين؟ فقال: \"إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. ومن ذكِرتَ عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين\".
وقال أحد السلف: إنما كان يوم الفطر من رمضان عيداً لجميع الأمةº لأنه تعتق فيه رقاب أهل الكبائر من الصائمين من النار فيلتحق فيه المذنبون بالأبرار.
ليس عيد المحب قصد المصلَّى * * * وانتظار الأمير والسلطان
إنما العيد أن تكون لدى الله * * * كريماً مقرباً في أمان
وقال ابن رجب: لما كانت المغفرة والعتق كل منهما مرتباً على صيام رمضان وقيامه أمر الله - سبحانه وتعالى - عند إكمال العدة بتكبيره وشكره فقال: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون 185(البقرة)، فشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام وإعانتهم عليه ومغفرته لهم به وعتقهم من النار أن يذكروه ويشكروه ويتقوه حق تقاته.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، فإن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، والاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث، ولهذا قال بعض العلماء المتقدمين: إن صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة. انتهى كلامه - رحمه الله تعالى -.
والمرء يحزن لفراق رمضان والصيام والقيام والقرآن.
تذكرت أياماً مضت وليالياً * * * خلت فجرت من ذكرهن دموع
ألا هل لها يوماً من الدهر عودة؟ * * * وهل لي إلى يوم الوصال رجوع؟
والإسلام دين عظيم شامل لكل شؤون الحياة وما ترك الشارع الحكيم شاردة ولا واردة إلا تناولها تناولاً يليق بها. وهذا لأن هذا الدين العظيم هو خاتمة الأديان وهو الباقي إلى نهاية الزمان، فكان لا بد أن يكون ديناً شاملاً صالحاً لكل زمان ومكان، ومن الشؤون المهمة التي اعتنى بها الشرع الترويح عن النفوس، وإجمامها، والتنفيس عنها الشيء بعد الشيء، وهذا جلي واضح في مناشط ترويحية أباحها الشارع الحكيم، بل سنَّ بعضها، وأكَّد عليها تأكيداً، ونحن نعيش الأيام الأخيرة من رمضان فرحين بما منّ الله - تعالى -علينا به من تيسير الصيام والقيام، وأن بلّغنا رمضان ومتّعنا به، وهذه العبادة الجادة ختمها الله - تعالى -بعيد تحتفل به الأمة كلها، فكان أشبه ما يكون بالجائرة والمكافأة على صيام وقيام طويلين، وشرع لنا فيه الفرح وإظهار السرور والتوسعة على الأهل والأولاد.
والعيد من الأمور التي تدل على أن ديننا فيه سعة ولله الحمد، فليس هو بدين جامد كدين اليهود، ولا بدين فيه تفلٌّت كدين النصارى المبدّل المغيّر، بل هو دين وسط في الأديان ليس له نظير، والحمد لله.
وينبغي على كل مسلم حضره العيد أن يفعل ما يلي:
يشكر الله على هذه النعمة الجليلةº نعمة إتمام رمضان والتزود من الصيام والقيام.
يشارك المسلمين في هذه الفرحة، بأن يصلي معهم العيد، ويخرج بأبنائه وبناته ونسائه إلى المصلى ليشهدوا جميعاً مظاهر الفرح ودعوة الخير، وليحرص على الاستماع للخطبة والمكث حتى يفرغ الإمام، ولا يعجل بالذهاب بعد الصلاة، ويسن للمرء أن يأكل شيئاً قبل ذهابه للمصلَّى، وأن يذهب من طريق ويعود من آخر
أن يتذكر إخوانه ممن لا عيد لهم، من الفقراء المعدمين، أو ممن هم في خنادق الجهاد مشغولين، فيحسن إليهم بالدعاء أو بما يستطيع من مال، حتى لا يكون العيد في حلوقهم غصّة، وليتذكر أن الله منّ عليه فعافاه وابتلى إخوانه، فكان يمكن للعكس أن يكون.
أن يخص المرء العيد بمزيد من التواصل بين الأرحام والأهل والأصحاب، حيث إن بعض الناس لا يتيسر له طول السنة هذا الصنيع، بسبب الانشغال بشؤون الدنيا وتعلقاتها، وصلة الأرحام من الأمور المهمة التي أكد عليها الشارع أيّما تأكيد، فزيارتهم في العيد قربة مشروعة مؤكدة، إضافة إلى ما تؤديه من إدخال السرور عليهم في أيام الفرح والسرور، وإدخال السرور على المؤمنين بنية صالحة عبادة وقربة لا شك فيها ولا ريب.
ألا يقرب شيئاً من المعاصي بدعوى الفرح والسرور، فإن كمال السرور بطاعة الله - تعالى -، وكل سرور مدنس بالمعاصي ليس بسرور على الحقيقة، بل هو من كيد الشيطان وتلعُبِه، وسينقلب ترحاً وحزناً في الدنيا والآخرة ما لم يتدارك الله - تعالى -صاحبه بالتوبة والمغفرة.
بارك الله لنا في أعيادنا، وأعادها على الأمة الإسلامية بالفرح والسرور والرحمة إنه على كل شيء قدير..والله الموفق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد