بسم الله الرحمن الرحيم
أراد البعض منا نحن المسلمين أن يحملوا همومهم وأحزانهم بل وفشلهم أحياناً إلى العيد. بل ويصف بعضهم من العامة أو الكُتّاب أو الخطباء لك العيد هذه الأيام كأنه مأتم، أو أنه إعلان للفرح ولكنه داخل سرادقات مظلمة أو مستودعات مكتئبة!.
لا أدري لماذا يستمر هؤلاء الحزانى بكد الذاكرة مع أول يوم من أيام العيد لتصوير المحن والآلام التي نعيشها ويعزف بقيثارة الحزن على مقام \"الصَبا\" ليستدر ما بقي من دموع في المآقي إلى ما بعد ليالي العيد الأولى ولو لبعد ساعات!.
لماذا يريد هؤلاء الحزانى أن نحبس أنفسنا داخل قضبان العادات المحزنة الطويلة، ونترك رسم البسمة وإعلان الفرحة؟
هل فرض علينا الاكتئاب، أو غدت نغمة الحزن على الآلام أحد العبارات المسوّقة في قاموس عيد المسلمين؟
وكأن المسجون لن يخرج، وكأن المريض لن يشفى، وكأن المقهور لن يسعد، وكأن المظلوم لن ينصر، وكأن الدنيا لن تتغير؟
إن الضرب على وتر الحزن والبكاء على الأطلال منذ ساعة العيد الأولى مجازفة في حق الأمة الإسلامية، وفي حق النفس البشرية المستبشرة.
إن من حق أفراد الأمة أن يحتفظوا كل لحظة بجراحات وآلام إخوانهم المسلمين في كل مكان، ولكن من حقهم كذلك أن يفرحوا ويتفاءلوا ويستبشروا في أجمل ساعات عمرهم، بل ويتجاوبوا مع النداء الرباني الأخاذ {ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}.
بل إن الفرح في ليلة العيد فريضة تفاؤلية في حق الأمة الصائمة الطائعة {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}.
من حق التائبين من شباب الإسلام الذين أقبلوا على الله بألوان العبادة، واحتشدوا في الصلوات، وتضرعوا بالدعوات، وعقدوا آمالهم ورجائهم بعفو الله ورحمته أن يفرحوا ويستبشروا (لله أشد فرحاً بتوبة عبده).
من حق الأحرار من رجال ونساء أن يتفاءلوا ويرجوا ما عند الله من قبول الدعاء المرفوع أناء الليل وأطراف النهار، وهم يدعون بالفرج والنصر للأمة، والبلاء والضراء وألوان الداء على القرى الظالمة وأكابر مجرميها.
من حق الإنسان المخلوق في كبد الذي كوته جراح أمته، وأرقته همومه، وصُبّ البلاء عليه صبّاً، وقد صبر لله واحتسب، أن يفرح ولو لساعات يختلسها من عمره اختلاساً.
إن يوم العيد يوم فرح، يوم بشارة، يوم القلوب المتراصة، والأيادي المعطاءة الحانية، يوم التذكر للنعم وشكر المنعم، {وذكرهم بأيام الله}.
إن يوم العيد يوم الجوائز، جوائز من أرى الله من نفسه خيراً، تشهد له بذلك نيته الطيبة، وقلبه الصافي، وحبه لله، ووقوفه في جوف الليل داعياً دامعاً مؤملاً ليلة القدر.
بل من حق الأمة على أبنائها أن يحيوا فيها الأمل، ويظهروا روائع الإسلام وإشراقه النظيف الراقي منذ ساعات الصباح الأولى إلى وقت السحر!
ولئن كانت دموعنا تسيل في قلوبنا على حال أمهاتنا وأخواتنا في العراق وكشمير وأفغانستان والشيشان ودارفور وفلسطين، لكننا نبتسم وجوباً في يوم العيد.
حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يحمل المسلم السلاح في يوم العيد. رواه البخاري.
وما هذا إلا لتكون كل المظاهر المرافقة لساعات العيد الأولى مظاهر فرح وابتهاج وسرور وبشر، يتعبد بها الإنسان لربه، تتجاوب فيها النفس مع كل جواذب الطرب الجميل من سماع للكلمات الطيبة، كما في ابتهاج الجواري بالغناء وضرب الدفوف بجوار خيمة النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم العيد بمنى.
إن مساحة الحلال في الإسلام واسعة وهي كافية لإعلان الفرح، والتفاعل مع الناس بالبهجة والسرور والشكر لله المنعم المتفضل الشكور {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}
كل عام وأنتم بخير، وتقبل الله طاعتكم، وأسعدكم بحبه، ودمتم بخير وعافية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد