بسم الله الرحمن الرحيم
أنا لا أقبل هذا الوضع أبدًا، إنه ظلم بيّن.
كمبو
ما بك يا صديقي؟ أنت هكذا دائمًا معترض!
مونبو
أليست هذه حالاً تستحق الاعتراض؟
كمبو
لا تقل هذا، إنها سنة الله في خلقه.
مونبو
أتريد أن تجعلني أرضى بأن أكون شمعة تحترق من أجل الآخرين؟!
كمبو
لله في خلقه شئون.
مونبو
ماذا تعني؟!
كمبو
جميع الكائنات خلقت لكي يتكامل بعضها مع بعض، لا يوجد كائن على وجه الأرض خلقه الله تعالى- لكي يعيش لنفسه فقط، إنما نحن نتكامل لكي تكون الحياة.
مونبو
وما لي أنا وما لبقية الخلق، أنا أريد أن أعيش فقط في حالي!
كمبو
يا صديقي، الذي يعيش لنفسه لا يستحق الحياة، ألم تسمع بقصة الشجرة التي أبت أن تظل الناس بظلها، وأن تحبس على نفسها عوارفها، ولما استحكمت برأيها اجتثها الفلاح من فوق الأرض.
مونبو
مرة أخرى أقول لك ما لي أنا وما للشجرة تلك أو غيرها؟! منذ أن ولدت وأنا أعيش في حالي وسط أخوتي أمرح وألعب، آكل وأشرب، وفجأة..يتبدّل الحال، وأجد نفسي مضطرًا للتضحية، هل لا بد أن أشقى لكي يسعد الباقون؟!
كمبو
ولماذا لم تسأل نفسك: كيف كنت تأكل وتشرب طول حياتك؟ ألم يكن هناك فلاح يخرج من بيته في الصباح أيام الحرّ وفي عز البرد لكي يزرع تلك الأرض التي تمرح أنت فيها وتأكل من خيرها.
مونبو
لا أفهم ماذا تعني؟
كمبو
ببساطة.. لو فكر الفلاح بنفس تفكيرك لاكتفى بزراعة جزء صغير من الأرض يكفيه هو وأسرته فقط، ولو فعل ذلك لما وجدت أنت طعامك، وربما ما كنت على ظهر الدنيا أساسًا، وليس هذا فحسب..
مونبو
وماذا أيضًا يا فيلسوف؟
كمبو
لو بخلت الأرض على النبات بما في جوفها من أملاح ومعادن لمات النبات قبل أن ينمو ولو بخل النبات على الإنسان بثماره وحصاده لما كان الإنسان، وهكذا حكمة الله في خلقه بتكامل الكائنات، نحيا ونموت وتكون الحياة.
مونبو
لا.. لا.. أنا لا أريد تلك الفلسفة، ولن أكون فيلسوفًا مثلك، لن أفعل ما تنوي أنت فعله، لن أضحي من أجل أحد، لن أكون شمعة محترقة أبدًا.
كمبو
هل يمكن أن تكون هناك شمعة دون أن تحترق؟؟!!
مونبو
ها أنت عدت إلى الفلسفة مرة أخرى، ماذا تقصد؟
كمبو
أعني أن لكل شيء دوره في الحياة، فإذا لم يؤدِّ هذا الدور فما معنى وجوده؟!
مونبو
اتركني لحالي، لن أقتنع بما تقول مهما كان.
كمبو
أنا نصحتك وأنت حر، أما أنا إذا جاءني من يطلبني فسوف أذهب معه لكي أؤدي دوري في الحياة سعيدًا راضيًا.
مونبو
وعند ذلك سمع الاثنان صوت الأذان يعلو ويتردد من جميع المآذن ثم يتلوه صوت المصلين وهم يكبرون بتكبيرات العيد (الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. ولله الحمد).
نظر مونبمو نظرة شفقة على صديقه وقال له في هدوء: لقد آن الأوان. وما هي إلا دقائق، وكانت جموع الناس تطل من بعيد تخطو نحو الاثنين، وإذا بالطالب يطلب كمبو وليس مونبو.
لحظتها فقط تأكَّد كمبو أنها حقًا سنة الله في خلقه فمضى مع من طلبه في خطى ثابتة واثقة مطمئنة، وحين جاءت اللحظة الحاسمة نظر حوله لآخر مرة قبل أن يضحي بنفسه فوجد الأطفال يلتفون من حوله ينظرون إليه ويراقبونه، فأغمض عينيه محدثًا نفسه بآخر الكلمات: فهمت الآن قصدك يا صديقي، إنها إرادة الله.
وكل عام أنتم بخير.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد