كأس العالم في القدس !!

بسم الله الرحمن الرحيم

 ركبنا المركبة العامة المتجهة من محافظة الخرطوم إلى أمدرمان.. بدأت السيارة تشق الطريق و سحب في الأفق تنبىء بأمطار محتملة، الجميع في سكون يترقب الوصول قبل الهطول...

فجأة، شق سكون الجميع حديث أحد الراكبين إلى زميله الذي يجلس في المقعد الموازي من الجانب الآخر متسائلاً:

- هل سمعت باحتكار بث مباريات كأس العالم هذا العام لمجموعة راديو و تلفزيون العرب (إيه آر تي)؟

- و ما الجديد؟ في كل مونديال يفعلون ذلك!!

أسرع الآخر يقول:

- لا، هذه المرة تحتكرها تماماً، و لا تسمح ببث أرضي و لا أخبار إلا عن طريقها هي!! ليس بوسعنا المشاهدة أبدا إلا باشتراك..

بدأ الإحباط يكسو وجه زميله و آخرين في المركبة سرعان ما تفاعلوا مع الموضوع، و بدأ الإستنكار و عبارات التساؤل تتردد عليه في عشوائية و بعض السخط و الإحباط يكسو الوجوه من هنا و هناك..

أكمل صاحبنا حديثه في زهو قائلا: لكن بإمكانكم الإشتراك فترة المباريات بمبلغ سبع مائة ألف جنيه.. بدأ الناس يتناقشون في إمكانية الإشتراك في المبلغ و الحضور عند أحدهم، البعض تفاءل بأنه يمكنه تدبيرها و سيسعى في ذلك بجد فلا زال هناك زمن أمامه للبث، و أضاف آخر أنه سيرشّد صرف الأسرة و سيسهلها ربنا لوقتها!!

كان صامتا ينظر باستغراب، يدير بصره ذات اليمين و ذات الشمال مع انفعالات الركاب، لم ينطق ببنت شفة منذ أن فجر صاحبنا الخبر الجلل، أعني ذلك الشاب الذي كان يجلس في مقعد خلف السائق بجوار النافذة.

و فجأة أدار بصره إلى الركاب و قال: ما رأيكم في استضافة القدس للمونديال القادم بعد سنوات أربع تكون فيها القدس و حرمها حرة من دنس اليهود و تحت إمارة حركة المقاومة الإسلامية حماس؟!! بدأ الناس ينظرون إليه في ذهول و بعضهم يدمدم بعبارات غير مفهومة، و علا صوت ثالث لم يخف استياءه و هو يقول: (الناس في شنو و الحسانية في شنو؟!) ما الذي أدخل حماس و القدس في كأس العالم؟ و قال آخر بازدراء: عارف، ممكن تستضيفه "إسرائيل"!! و العالم كله سيشارك إلا السودان!!

واصل الشاب حديثه في هدوء كأن لم يقطع أحد حديثه: وقتها سيحتكر البث تلفزيون القدس الشريف و لن يقطع البث إلا نقل الصلاة من الحرم القدسي بإذن الله!! و هذا الاحتكار سيستفاد من عائده في بناء مساكن للاجئين العائدين إلى أراضيهم و دعم علاج المرضى و تشييد المساجد و المدارس التي دمرها العدو.

أجاب أحدهم مسرعاً لينهي هذا الحوار و قد بدا من نبرته أنه ضاق ذرعا: إن شاء الله.. نتمنى ذلك، هذا حلم كل مسلم!! و كأن الشاب ينتظر تعبيراً مثل هذا فبادر قائلا: و لكن كيف لحماس أن تحكم وطنها و قد أعلنت عليها الحرب منذ أول ليلة في الحكم و عوقب الشعب جميعاً على اختياره؟ و هم لا يملكون في خزائنهم مرتبات موظفيهم لشهرين مضيا! و الحصار شديد و كل الدول الفائزة بكأس العالم عفواً الدول المانحة أوقفت معوناتها عن هذا الشعب لأنه اختار البقاء و أتى بالمقاومة حاكمة!! ساد الصمت المركبة و كان السائق قد أغلق المذياع و بدأ يستمع إلى الشاب الجالس خلفه،، و أضاف الشاب: ماذا لو كونّا صندوقا شعبيا ً بنصف اشتراك (كأس العالم) لدعم حكومة حماس؟!

بدأت الاعتراضات بعد برهة من الصمت كان معظم الراكبين مشدود الانتباه فيها مع المتحدث لتعلو أصوات متداخلة ضجراً و سخريةً من المقترح الجديد، و استدرك البعض أنه ما كان عليهم الانسجام مع هذا الحديث، و جاءت أصوات من الخلف تقول (نحن ذاتنا أفقر من فلسطين)!! و آخر: (كان زادك ما كفاك حرام على الجيران)!!، و بدأ الحديث عن الغلاء و سوء المعيشة، و تعابير من هنا و هناك: و هل ستصلهم النقود؟! و الله إنهم كذا و كذا، و بدأ في تجريح الهيئات و الأفراد دون دليل و لا سند.. أشاح الشاب بوجهه نحو النافذة و العبرة تغص بحلقه و كأنه توقع هذه النتيجة و لسان حاله يقول: لأجل هذا فلسطين محتلة، و العراق محتل، و دارفور في نزاع و الأفغان في صراع، و كأس العالم حصريا على راديو و تلفزيون العرب!!....