بسم الله الرحمن الرحيم
بسبب تصاعد أحداث العنف الذي يستهدف الضحايا السود على وجه الخصوص، عبرت السلطات الألمانية عن قلقها إزاء سعي النازيين الجدد وغيرهم من الجماعات العنصرية، لإلحاق الضرر بالأجواء التي ستجري فيها مباريات كأس العالم لكرة القدم المتوقع انطلاقها الشهر المقبل. ولذلك فقد سارع المسئولون الألمان إلى طمأنة الزوار الأجانب على سلامتهم خلال بقائهم لمدة شهر المباريات، الذي يبدأ في التاسع من يونيو المقبل، ويتوقع للمنافسات أن تستضاف في ملاعب معظم المدن الألمانية.
ولكن كيف السبيل للاعتماد على مثل هذه الوعود المطمئنة، وجرائم العنف العنصري تواصل صعودها، بينما يهدد النازيون الجدد بتنظيم المظاهرات خلال المناسبة؟ ومن الملاحظ أن التفاؤل الحكومي نفسه انحسر بعض الشيء، إثر التقرير الاستخباري الذي نشر يوم الاثنين الماضي، وتأكد فيه ارتفاع جرائم العنف التي ترتكبها الجماعات اليمينية المتطرفة بنسبة 24 في المئة العام الماضي. كما أورد التقرير معلومة أخرى تفيد بارتفاع عضوية منظمة النازيين الجدد من 3، 800 ألف إلى حوالى 4، 100 ألف. وفي يوم الاثنين نفسه صرح "ولفجانج شوابل"، وزير الداخلية وكبير المسؤولين الأمنيين الألمان، للصحفيين قائلاً إن السلطات ستفعل كل ما بوسعها في سبيل الحيلولة دون استغلال الجماعات المتطرفة لمناسبة كأس العالم، لنشر سمومها وأفكارها المعارضة.
لكن في الحادي والعشرين من شهر يونيو المقبل، يتوقع من أنصار الجماعات اليمينية المتطرفة، تسيير موكب في مدينة لايبزيغ، وذلك قبيل مباراة تجرى بين إيران وأنجولا، تعبيراً منهم عن مؤازرتهم للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، لإعلانه عزمه على تدمير إسرائيل ومحوها من الوجود، ولإنكاره حدوث جرائم الهولوكوست والإبادة الجماعية لليهود. ويرعى هذا الموكب "الحزب الديمقراطي الوطني"، وهو حزب يميني موغل في التطرف، وقد أثار جدلاً واسع النطاق خلال الربيع الماضي، بنشره لجدول مباريات كأس العالم، تظهر فيه صورة أحد اللاعبين الألمان، بينما جاء العنوان "اللون الأبيض ليس مجرد لون لجيرسي". وقد عده النقاد إساءة خفية مبطنة للاعبين الألمان من أصول عرقية أخرى.
وفيما يبدو فقد ارتفع ترمومتر القلق لدى المسؤولين الألمان، على رغم محاولتهم طمأنة الضيوف والزوار باستتباب الأمن وضمان سلامتهم طوال مدة بقائهم في ألمانيا خلال مدة المباريات. ومع اقتراب انعقاد المباريات هذه، يتصاعد أكثر فأكثر القلق الحكومي، بينما يستمر المتطرفون والنازيون الجدد في التلويح بتهديداتهم والاستعداد الفعلي لعمل ما من شأنه عرقلة سير المباريات وتهديد جمهور الزوار. ولعل هذا هو ما دعا أحد الناطقين الرسميين سابقاً باسم الحكومة الألمانية، إلى تحذير كافة زوار المباريات من الأجانب من ذوي البشرة والألوان المختلفة غير البيضاء، من زيارة المدن والضواحي والقرى الواقعة خارج العاصمة برلين، أو زيارة المناطق الريفية الواقعة في الجزء الشرقي من ألمانيا. فمن رأي "كارستن هيي" أن بعض هؤلاء ربما لا يغادر ألمانيا حياً إن فعل وحاول التجول دون حذر في المناطق المشار إليها. وكان "كارستن هيي" قد تولى تلك الوظيفة في ظل إدارة المستشار السابق جيرهارد شرويدر، وهو يتولى حالياً رئاسة مجموعة مدافعة عن الحقوق المدنية.
غير أن هناك من مارس ضغوطاً على "كارستن هيي" وطالبه بالكف عن مثل تلك التصريحات وتوخي الحذر في الإساءة إلى ألمانيا الشرقية. ولكن سرعان ما جاء الرد العملي على تلك التحذيرات، عندما تعرض أحد المشرعين الألمان من أصول تركية للاعتداء في إحدى مناطق برلين الشرقية، بعد أن وصفه الشخصان اللذان اعتديا عليه بأنه "أجنبي قذر" على حد إفادة رجال الشرطة الذين دونوا البلاغ عن الحادثة. وفي تلك الأثناء سارع تحالف يضم عدداً من الجاليات الإفريقية المقيمة في ألمانيا، إلى إعداد قائمة بالأماكن التي يحظر الذهاب إليها، ووصفها بأنها "مناطق غير آمنة" للأجانب من زوار الكأس. إلى ذلك قالت "أنيتا كاهاني" رئيسة "منظمة أميدو أنتونيو" وهي مجموعة مدافعة عن حقوق الإنسان في العاصمة برلين، إن الكثير من القادة الحكوميين والمواطنين الألمان، يبدون تخوفاً وتردداً إزاء مواجهة العنصرية ومعاداة السامية. وقالت إن هذه المشكلة قد أطلق لها الحبل على الغارب في ألمانيا الشرقية بالذات. وردت "كاهاني" السبب إلى تساهل الحكومة الاشتراكية الحاكمة وقتئذ، حيال تعيين المسؤولية القانونية والأخلاقية عن جرائم الهولوكوست، ولم تلق لها بالاً ولا اهتماماً بحجم ذلك الذي حظيت به في ألمانيا الغربية.
ومن تركة ذلك النظام الاشتراكي ومسؤوليته التي خلفها في هذا الجانب، أنك لا تزال ترى الأفراد الذين ليست لهم عيون زرقاء وليسوا من ذوي الشعر الأشقر، هم الذين يستهدفون ويتعرضون للاعتداءات العنصرية التي تقع بحقهم في المدن الصغيرة بألمانيا الشرقية، على حد قول "كاهاني". والمشكلة الأكبر أن الكثيرين من الألمان لا يبدون أدنى استعداد أو حماس لمجرد الاستماع إلى مشكلة العنصرية وجرائمها. ويمثل هذا التجاهل لمشكلة كبيرة ولها وجود فعلي ملموس على أرض الواقع، تعقيداً آخر بحد ذاته، لكونه لا يفتح الطريق أصلاً أمام حلها والتصدي لها. وعلى النقيض من ذلك تماماً، فإن الصمت والتجاهل لن يخدم إلا استمرار هذه الجرائم وتفاقمها، في رأي الناشطة المتحدثة أعلاه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد