بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجّلين، نبي الهدى والملحمة والرحمة، المبعوث بالكتاب والسيف والحكمة، ثم أمّا بعد:
فإنّ الحرب التي يشنها دعاة الباطل على دعاة الحق قديمة، ولها صورٌ شتى، ومن أخطرها حرب الكلمة التي يسعون من خلالها إلى زعزعة المفاهيم في الأذهان، وقلب الموازين في العقول، وأي فرق بين ميتٍ, وبين من سُلب روح الوحي؟!
يا رُبَّ حيٍّ, رخام القبر مسكنه وربَّ ميتٍ, على أقدامه انتصبا
أيّ حياة فيمن سُلِب قلبه الحياة؟! فأصبح لا يعرف معروفاً ولاينكر منكراً، اغتيل من حيث لا يحتسب! اغتالته الكلمة؟!
إنّ الحروب الإعلامية الكلامية حروب طاحنة فاتكةº ولذا تولّى كِبرها أكابر المجرمين جيلاً بعد جيل، وقديماً قال فرعون: ((ذروني أقتل موسى وليدعُ ربه إني أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد))!![سورة غافر: 36]
"أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح؟ أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح عن وجه الحق الجميل؟ أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادئ؟ إنه منطق واحد يتكرر كلما التقى الحق والباطل، والإيمان والكفر، والصلاح والطغيان، على توالي الزمان واختلاف المكانº والقصة قديمة مكررة تعرِض بين الحين والحين" [في ظلال القرآن لسيد قطب - رحمه الله -: 5/3078]. تارة رمي بتبديل الدين، والخروج عن إسلام المعتدلين! وتارة رمي بالإفساد والإرهاب، أو الأصولية والوصولية والتطرف ((كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذباً)) [سورة الكهف: 5].
وإن تعجب فعجبٌ من يهود! أخذوا قول فرعون فألقوه على أشـباه موسى!((يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتـمّ نوره ولو كره الكافرون)) [سورة التوبة: 32] وهذا دأب اليهود في الماضي والحاضر.
فإذا أمعنت النظر في الحرب الإعلامية على القيم والمفاهيم الإسلامية، وجدت أن اليهود هم الذين يقودونها، وإليك هذه الإحصائيات:
- شركة CNN الإخبارية التي تملكها شركة( Time Warner ) يرأسها (جيرالد ليفن) اليهودي.
- شركة ABC جزء من شركة( Eisner's Disney Company ) كل مدراء الإنتاج فيها يهود ومنهم (بوب ريتشبلوم)، (فيكتور س نيوفلد)، (ريك كابن).
- شركة CBS الإخبارية جزء من شركة ( Westinghouse Electric Corporation )، الرئيس التنفيذي لها: (إريك أوبر)، وقد اشترت شركة CBS شركة VIACOM التي يرأسها اليهودي (سومنر ريدستون).
- شركة MBC الإخبارية تملكها شركة( General Electric ) ورئيس MBC هو اليهودي (أندرو لاك).
- شركة The Newhouse التي تمتلك ستاً وعشرين جريدة، وثنتي عشرة محطة تلفزة، وسبعاً وثمانين محطة للكابلات، وأربعاً وعشرين مجلة يملكها الأخوان اليهوديان (صمويل) و(دونالد نيوهاوس).
- شركة Newyork Times التي تمتلك ثنتي عشرة مجلة، وسبعَ إذاعات ومحطات تلفزة، ومحطات للكابلات، وثلاث دور نشر، يملكها اليهودي (آرثر أوتش).
- جريدة ( The Washington post ) يملكها اليهودي (دونالد جراهام).
- جريدة ( The Wall Street Journal ) مملوكة لشركة Daw Jones & Company التي يرأسها اليهودي (بيتر آر. كان)[عن موقع مجلة العصر الإلكترونية http: //www. alasr. ws]، وغيرها كثير.
والواجب علينا إزاء هذه الحرب الإعلامية التي يشنها اليهود أن نكون حذرين، فلا نأخذ عنهم ما يزخرفون من قيم ومفاهيم، ونتفطّن إلى ما يشوّهون منها، فلا ننبذ كل ما ينبذون، وللأسف فإن وسائل الإعلام العربية تَعِلٌّ من القوم وتنهَل، وتلقي الكلام على عواهنه، تحسبه هيناً وهو عند الله عظيم، لا تفكر في مدلوله، وفي من وضعه، وفي مغزاه عند من وضعه، فتكون عاقبة هذا النقل الببغاوي:
[1] تثبيت مفاهيم دخيلة.
[2] وزعزعة مفاهيم أصيلة.
مثال الأول، دعوى المساواة التي صُور للناس أن الدين قائم عليها، ثم نادى أدعياؤها بالتسوية بين الذكر والأنثى، والبر والفاجر، والعالم والجاهل، تحت دعوى دعوة الإسلام للمساواة!
"وأخطأ على الإسلام من قال: إن الدين الإسلامي دين المساواة؟ بل دين الإسلام دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين، والتفريق بين المتفرقين، ومن أراد بالمساواة العدل فقد أصاب في المعنى وأخطأ في اللفظ، ولهذا كان أكثر ما جاء في القرآن نفي المساواة ((قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون))[سورة الزمر: 9]، ((هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور))[سورة الرعد: 16]، ((لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا))[سورة الحديد: 10]، ((لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله))[سورة النساء: 95]، ولم يأتِ حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً، إنما يأمر بالعدل" [شرح العقيدة الواسطية للعلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: 189 بتصرّف يسير];.
ومثل دعوى المساواة، دعوى الديمقراطية، ودعوى الوحدة الوطنية، والدعاوى القومية، ومزاعم الحريات الفردية، والحقوق الإنسانية:
ممـا يزهِّـدني في أرض أندلسٍ, *** أسماء معتصم فيهـا ومعتضـدِ
ألقاب مملـكةٍ, في غير موضعها *** كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ
[البيتين نسبهما ابن خلدون في مقدمته لابن شرف هكذا، انظر المقدمة: 113، ولهما روايات أخرى]
والمثال الثاني: الإرهاب، وهو مادة هذا البحث.
الإرهـاب لغـةً:
الإرهاب: مصدر أرهب، يُرهِبُ، إرهاباً، جذره رهب، قال في القاموس: "رَهِبَ كعلِم رَهبَة ورُهباً بالضم وبالفتح وبالتحريك، ورُهباناً بالضم ويحرك: خاف، وأرهبه واسترهبه: أخافه" [القاموس المحيط للفيروزآبادي: 118، انظر مختار الصحاح للجوهري: 109، ومعجم العين للخليل: 4/47، والمغرب: 354، والمصباح المنير: 241]، "والراهب: اسم فاعل من رهب إذا خاف، وهو مختص بالنصارى" [المطلع على أبواب المقنع: 1/211]; وبذلك يبدو أن هذه المادة يدور معناها على: الخوف.
قال عنترة:
لولا الذي ترهب الأملاك قدرته *** جعلت متن جوادي قبة الفلكِ
والمعنى تخاف.
وللأعشى:
وبلـدة يرهب الجـوّاب دلجتها *** حتى تراه عليها يبتغي الشِيعـا
أي يخاف.
ولطرَفة بن العبد:
لا كبير دالف مـن هـرم *** أرهب الليل ولا كل الظفــر
أي أخاف الليل.
أمّا المصدر إرهاب، فقد جاء عندهم في نحو كلمة ابن حيّوس محمد بن سلطان ابن محمد الغنوي، في قصيدته:
هـل للخليط المسـتقل إياب؟ *** أم هل لأيـام مضت أعقـاب؟
قال:
فمضت لطيَّتهـا قبـائل طيّءٍ, *** فرقاً وحشـو صدورهم إرهـاب
غير أن هذا لا يعني أن رهب مرادف لخاف، فاختلاف مباني الألفاظ عند العرب دليل اختلاف بين معانيها ولو كان يسيراً، قال الطوفي: "إن العلماء كثيراً ما يفرقون بين المعاني والدلالات باختلاف الحروف، كقولهم البيض كله بالضاد إلاّ بيظ النمل فإنه بالظاء"[شرح مختصر الروضة: 1/14];، قال ابن قتيبة: "وقد يفرقون بين المعنيين المتقاربين بتغيير حرف في الكلمة حتى يكون تقارب ما بين اللفظين كتقارب ما بين المعنيين، كقولهم للماء الملح الذي لا يشرب إلاّ عند الضرورة: شروب، ولما كان دونه مما يتجوز فيه: شريب، وكقولهم لما ارفضّ على الثوب من البول إذا كان مثل رؤوس الإبر: نضح.. فإن زاد على ذلك قيل له نضخ..، وكقولهم للقبض بأطراف الأصابع: قبص، وبالكف: قبض.. " [تأويل مشكل القرآن: 53-54 باختصار];، إلى آخر ما ذكر من أمثلة.
والشاهد أن اختلاف مباني الألفاظ يدل على اختلاف معانيها، ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله -: "الوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة، قال أبو القاسم الجنيد: الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس، وقيل الخوف: اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف، وقيل الخوف: قوة العلم بمجاري الأحكام، وهذا سبب الخوف لا أنه نفسه، وقيل الخوف: هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره، والخشية أخص من الخوف، فإن الخشية من العلماء بالله، قال الله - تعالى -: ((إنما يخشى الله من عباده العلماء)) [سورة فاطر: 28]فهي خوف مقرون بمعرفة، فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض وسكون، فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان:
إحداهما: حركة للهروب منه وهي حالة الخوف.
والثانية: سكونه وقراره في مكانه لا يصل إليه فيه، وهي الخشية، ومنه: انخش الشيء، والمضاعف والمعتل أخوان، كتقضى البازي وتقضض.
وأما الرهبة: فهي الإمعان في الهرب من المكروه، وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه، وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى، يجمعهما اشتقاق الأوسط الذي هو عقد تقاليب الكلمة على معنى جامع، وأما الوجل: فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته، وأما الهيبة: فخوف مقارن للتعظيم والإجلال وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة، والإجلال تعظيم مقرون بالحب" [مدارج السالكين لابن القيم: 549-550].
قال ابن منظور: ".. وفي الحديث: السلطان ظل الله ورمحه، استوعب بهاتين الكلمتين ما على الوالي للرعية: أحدهما الانتصاف من الظالم، والإعانة، لأن الظل يُلجأ إليه من الحرارة والشدة، والآخر إرهاب العدو"، ثم علل فقال: "ليرتدع عن قصد الرعية وأذاهم فيأمنوا بمكانه من الشر"[لسان العرب، مادة رمح: 2/452].
وتبيّن من ذلك أن الإرهاب تخويفٌ يبعث على الإمعانٍ, في الهرب من المكروهº والإمعان في الهرب من المكروه قد يكون بكفٍّ, وانحباسٍ, عن فعل، ويكون بابتغاء الأسباب التي تجنّب المكروه ويكون بها الهروب منه، ولذا سُمِّي قدع الإبل عن الحوض وصرفها عنه إرهاباً [القاموس: 118، وانظر أيضاً معجم مقاييس اللغة لابن فارس: 2/447].
الإرهـاب شرعـاً:
جاءت مادة (رهب) في نصوص الشريعة متعلقةً بأمور أربعة:
الأول: عبادة المؤمنين لله رب العالمين، في معرض الطلب والخبر.
الثاني: معاملة المؤمنين لأعداء الله من الكفار والمنافقين، جاءت في معرض الأمر والخبر.
الثالث: حمل الناس على أمر نهى عنه الشرع، جاءت في معرض النهي والذم.
الرابع: القيام بأفعالٍ, معينة إمعاناً في الهرب ممن لا يوصف بأحكام المكلفين.
أما الأول: فالخبر في نحو حكاية الله عن كوكبةٍ, من أنبيائه: (( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ))[سورة الأنبياء: 90].
والمعنى أنهم "يتعوّذون بنا من الأمور المرهوب منها من مضارّ الدارين" [تيسير الكريم الرحمن للعلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: 530]، أو يكون المعنى أنهم يسارعون في الخيرات رغباً فيما عند الله، ورهباً مما عنده [ونحواً من هذا نقله ابن كثير عن الثوري في التفسير: 3/193].
وعلى كلا المعنيين لا يخرج مفهوم المادة عن المعنى اللغوي، الذي هو خوف يقودهم إلى تعوذ من مخوف إمعاناً في الهرب، أو هو خوف يقودهم إلى المسارعة في الخيرات إمعاناً في الهروب من المكروه.
وأمّا الطلب: ففي نحو قوله - تعالى -: ((وإيّاي فارهبون)) [سورة البقرة: 40] بعد أن أمرهم بالوفاء بالعهد "أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهدهم وهو الرهبة منه - تعالى -" [تيسير الكريم الرحمن: 50] الرهبة من أن ينزل بهم ما أنزل بمن كان من قبلهم من آبائهم من النقمات التي عرفوا من مسخ وغيره [وهذا قول ابن عباس، انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 1/83].
وعلى هذا يكون مفهوم المادة متعلقاً بمعناها اللغوي، فالرهبة: خوف من الله يبعث على فعل أمره، واجتناب نهيه، طلباً للسلامة من عقابه.
ويتبين من الخبر والطلب أن رهبة المؤمنين لله رب العالمين عبادة يجب أن تقوم في نفوسهم، بل يجب أن يفردوا الله بها، فإن قوله - تعالى -: ((وإياي فارهبون)) "هو من قولك زيدٌ رهبته، وهو أوكد في إفادة الاختصاص من إياك نعبد" [الكشاف للزمخشري - رحمه الله -: 1/276].
تنبيه: ذكر بعض الفقهاء المصدر المتعدي (إرهاب) عند ذكر التغليظ في القسم، كالتحليف على المصحف، أو الأمر بالقيام عند القسم واستقبال القبلة، قال في الشرح الكبير: (لا باستقبال القبلة إلاّ أن يكون فيه إرهاب..)[انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/228]، ولا يخرج هذا عن ذكر المادة في معرض عبادة المؤمنين لله رب العالمين، إذ المعنى إلاّ أن يكون فيه استدعاء للرهبة من الله عند الحالف.
وأما الثاني: وهو ذكر مادة رهب متعلقة بمعاملة المؤمنين لأعداء الله من الكفار والمنافقين: فالخبر فيه من نحو قول الله - تعالى -: ((لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون))[سورة الحشر: 13]، "رهبة: مصدر رهب المبني للمفعول، كأنه قيل أشد مرهوبية"[الكشاف: 4/85]، "أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله"[تفسير القرآن العظيم: 4/340]، "وهذا يكشف عن حقيقة القوم الواقعة، ويقرّر في الوقت ذاته الحقيقة المجردة، ويمضي يقرّر حالة قائمة في نفوس المنافقين الذين كفروا من أهل الكتاب تنشأ من حقيقتهم السابقة، ورهبتهم للمؤمنين أشد من رهبتهم لله، ((لا يقاتلونكم جميعاً إلاّ في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون))، وما تزال الأيام تكشف حقيقة الإعجاز في تشخيص حالة المنافقين وأهل الكتاب حيثما التقى المؤمنون بهم في أي زمان، وفي أي مكان بشكل واضح للعيان، ولقد شهدت الاشتباكات الأخيرة في الأرض المقدسة بين المؤمنين الفدائيين وبي
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد