بسم الله الرحمن الرحيم
سيكون شهر نوفمبر تاريخياً ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، لأن هناك رئيساً جديداً لها قد خلف نفسه مرة ثانية في ظروف دولية وداخلية متأزمة، ليلعب لعبته المفضلة، ويكون له الأدوار الأولى لصياغة العالم وفق قالب "إمبراطورية أمريكا العظمى"، وهو صاحب نظرية الحرب الاستباقية على محور "الدول المارقة"، والرائد في محاربة ما يسمى بـ" الإرهاب الدولي".
الخيارات معروفة وواضحة، إما أن يعاد انتخاب الرئيس الحالي جورج بوش "الجمهوري"، وإما سيصل منافسه الديمقراطي جون كيري إلى البيت الأبيض، وكان من الطبيعي أن ترصد المخابر السياسية واستطلاعات الرأي الأمريكية والأوروبية ولأول مرة العربية - وبشكل كامل وتام - حظوظ هذا أو ذاك منهما وفق التقاليد الديمقراطية الأمريكية العريقة، وأن يتابع العالم مراحل التحضير للانتخابات وإجرائها ساعة بساعة، مع التضارب الكبير الذي حدث في بعض الولايات المتأرجحة حول اسم الفائز بكرسي البيت الأبيض في مناخ التوقعات والتمنيات والتوسلات, فالرئيس المرتقب بعد الثاني من نوفمبر 2004 م هو رئيس أميركا، أكبر وأقوى دولة في العالم بعد زوال كل المنافسين المحتملين, كالاتحاد الأوروبي القوة الأوروبية المتنامية اقتصادياً وتجارياً، والصين واليابان اللتان تبحثان عن مكان لهما تحت الشمس، بل يمكن القول - دون حرج - وحتى إشعار آخر هو رئيس القرار العالمي!!
وحدها النتائج بإمكانها أن تقدم الخبر اليقين لأميركا وللعالم أجمع الذي حبس أنفاسه بانتظار الفائز الذي سيتخطى بفوزه مفاعيله الأرض الأمريكية ليصل إلى كل ركن من أركان الأرض.
من الطبيعي بل من الواجب وفي هذه المرحلة الحاسمة بالذات أن يواكب العرب هذا الحدث الهام، وأن يرصد اتجاهاته ليحدد كيف سيتعامل معه ومع نتائجه والخيارات التي يملكها، هل ثمة مصلحة لنا قريبة أو بعيدة مع جورج بوش الابن مرة أخرى بعد أن خبر العرب حكاماً وشعوباً إدارته، وسياساته، ونواياه، وأهدافه الرامية للسيطرة على المقدرات العربية، والسياسية، والاقتصادية من خلال فريقه المنتمي إلى اليمين المسيحي - المتصهين الذي لا يرى في المنطقة إلا مصلحة إسرائيل وبقائها؟ ألا يعني نجاحه مجدداً تشدداً أكثر في الولاية المقبلة، حيث سيأتي مستقوياً بإرادة الشعب الأمريكي الذي انتخبه ليكمل "رسالته الإلهية " المؤمن بها؟ وهل سيكون ممتناً للإسرائيليين ومؤسساتهم، ويبقى مديناً لهم، ومنحازاً إلى مصالحهم؟ أم أنه سيصبح أكثر تحرراً في الولاية الثانية، وسيحاول تحقيق شيء يذكر به في المنطقة على صعيد السلام كما يراهن أيضاً ويحلل بعض العرب؟ مع العلم أنه قيّد نفسه، وقيّد المنطقة بسلسلة من القرارات والوعود لاسيما "وعد بوش" الذي أقره مجلس النواب الأميركي بالغالبية والذي يلغي حق العودة للفلسطينيين، ويعدل حدود 1967، وبالتالي أصبح قراراً يلزم كل الإدارات الأمريكية المقبلة.
وإذا كانت نسبة الكراهية لأمريكا قد زادت في العالمين العربي والإسلامي بسبب سياسة بوش وفريقه، وإذا كانت هذه السياسة قد جرَّت علينا الخراب والدمارº وبالتالي فإن لنا مصلحة في التخلص منها ومن أصحابها، فهل يشكل عودة بوش الابن بالنسبة إلى العرب فرصة أو نكبة؟ وربما لن يجدوا مصلحة فيه بعد حين لأن أوراقه كلها محروقة؟
* ماذا لو أحدث كيري المفاجأة وفاز؟
ترقب العالم قبل الشعب الأمريكي نفسه فوز المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة السناتور جون كيري، وبشكل يشير إلى التداخل بين المصالح الدولية والمصالح الأمريكية بعد تجربة مريرة قادها الرئيس الحالي "بوش الابن" في أفغانستان والعراق من خلال حربه الاستباقية ضد الإرهاب الدولي, ولاعتقادهم بأنه - أي كيري - سيكون المرشح الأقدر على هزيمة الرئيس.
التحاليل السياسية وتنبؤات الخبراء الأكثر تفتحاً ذهبت إلى أنه لو فاز جون كيري بانتخابات الرئاسة لكان أحدثت سياسته تغييرات أساسية في كل من قضايا السياسة الخارجية (مكافحة الإرهاب، واحتلال العراق)، والحقوق المدنية ( إلغاء قانون مكافحة الإرهاب المعروف اختصاراً باسم " باتريوت آكت " (PATRIOT ACT ).
كما أن جون كيري لم يكن ليشن حروباً استباقية من جانب واحد بل بالتشاور والتعاون مع حلفائه، خلاف سياسة بوش الابن واليمين المحافظ الحاكم, كما كان ليحرص على بذل جهود مضاعفة للقضاء على " الإرهاب الدولي"، وإلقاء القبض على عناصره المسئولة، ومحاكمتهم وعلى رأسهم أسامة بن لادن, وإرساء خطة جديدة - قد تكون البديلة - لمحرقة العراق بعد احتلاله، وبروز المقاومة الباسلة التي أقضت مضاجع المسئولين العسكريين, والسعي لبناء علاقات متينة مع العالم العربي والإسلامي.
وتبقى المشكلة الوحيدة والرئيسية معه هي مساندته المطلقة والعمياء لإسرائيل الغاصبة، وتكراره المستمر لانتقاد المملكة العربية السعودية على اتباعها المذهب "الوهابي" ومساندتها للإرهاب.
لو نجح كيري لابتعد بالسياسة الخارجية عن التوجه العقائدي المتطرف الحالي لإدارة الرئيس بوش، وسيجعل ما يقوله الساسة الأمريكيون متناسقاً إلى حد كبير مع ما تفعله الحكومة من احترام للدستور، وتطبيق القوانين، وحماية الأقليات.
* هل الأمن كان مفتاح نجاح بوش الابن؟
نافست مسألة الأمن في هذه الانتخابات المسائل الحيوية الأخرى في حياة الأمريكيين وعلى رأسها الاقتصاد، والرعاية الصحية، والبطالة وغيرها من المسائل التي تتحكم بقرار الناخبين تاريخياً.
أدى هذا التنافس الذي فرض نفسه على هذه الانتخابات إلى دفع شرائح واسعة من الناخبين إلى خيارات غير نابعة من قناعتهم بأحد المرشحين, يدفعهم إليها الشعور بالخوف على حساب أي آراء أخرى، وصور أحداث سبتمبر 2001 م مازالت ماثلة أمام أعينهم، وساهم في تكوين هذه الخيارات وسائل إعلام ودعاية لا تنفك عن تذكيرهم بالمخاطر التي تتهدد الأمن الأمريكي، واستطلاعات للرأي تدرج في لائحة أسئلتها - للمستطلعين -، أسئلة تدور محاورها كلها حول المواضيع الأمنية، ومكافحة الإرهاب.
جورج بوش الابن بدا واضحاً في تقييم المحللين والخبراء أنه تمتع بحظوظ أوفر للفوز في هذه الانتخابات، وتجديد ولايته مقارنة بالانتخابات السابقة التي كان فوزه فيها مشكوكاً, وذلك للأسباب التالية:
أولاً: إن الشعب الأمريكي بغالبيته يرى في الرئيس بوش قائداً بارعاً وملهماً، عرف كيف يحمي أمريكا من الإرهاب، وينتقم منها بعد أحداث سبتمبر.
ثانياً: إن الشعب الأمريكي بغالبيته مقتنع بأن قرار إسقاط نظام صدام حسين أمر جيد فيه مصلحة لأمريكا، واستقرار للمنطقة بغض النظر عما إذا كان العراق يملك فعلاً قبل الحرب أسلحة دمار شامل أم لا؟ أو له علاقات مزعومة مع " القاعدة"؟
ثالثاً: إن الأولوية بالنسبة للأمريكي - بعد ضمان أمنه - هي تحسين ظروفه المعيشية والحياتية، وتقوية مدخوله.
رابعاً: إن بوش الابن يستطيع بعد أن أعيد انتخابه إبلاغ الأمريكيين بمجموعة "أخبار جيدة" قريباً، سواء ما يتعلق منها بتقليص عدد القتلى المتزايد للأمريكيين في العراق، أو ما يتعلق بتحديد مصير أسامة بن لادن الذي فعلت خرجته الأخيرة فعلتها من تزايد خوف الأمريكيين، أو ما يتعلق بإحباط عمليات إرهابية كبيرة تستهدف المصالح الأمريكية.
* بوش وكيري.. ومستقبل العراق المثقل بالجراح:
أصاب الأسى والحزن الكثير من الناخبين الذين شاهدوا تقلص أمالهم في فوز مرشحهم جون كيري، وفوز بوش الابن لرئاسة ثانية، لسبب بسيط أنهم لم يستسيغوا بعد الفوضى والتخبط الذي أحدثته إدارة بوش في احتلالها للعراق، لكن في نفس الوقت تجدهم غير متأكدين مما يمكن أن يؤديه كيري - إن انتخب - بشكل أفضل من بوش ليخلصهم وينقذهم من كارثة العراق بدون وقوع ضحايا أو مشاكل كبرى, وما إذا كان كيري أهلاً للتحدي، وأمريكا تعيش ظروفاً لا تحسد عليها.
رسالة بوش كانت واضحة من خلال تدخلاته المختلفة في التجمعات الانتخابية والتلفزيونية، تقول: "إن السبيل للفوز في العراق - على حد قوله - هو إرسال رسائل متماسكة وليست رسائل متضاربة مثل رسائل كيري"، وقال: "بالصمود والاستمرار في الهجوم على الإرهاب، ونشر الحرية باستمرار"، وأن "المرء لا يفترض أن ينتقد ما يجري في الحرب على العراق لأن ذلك سيرسل برسالة خاطئة إلى الإرهابيين".
أما رسالة كيري فإنها عابت على بوش "سياسته من العراق التي كانت ضالة السبيل، وموجهة بشكل خاطئ إلى حد كبيرº بحيث إنه بات من المستحيل الثقة في أولئك الذين رسموا السياسة وخططوها في أن يؤدوا أداء أفضل، لاسيما عندما يرفضون الاعتراف بأنهم ارتكبوا أي أخطاء"، "ولذا فإن تلك الأخطاء ينبغي الإشارة إليها وتوضيحها في المعركة الانتخابية، كما ينبغي تحدى الرئيس ليشرح ويفسر تلك الأخطاء إلى الشعب الأمريكي".
لكن مما لا يخفى على الرأي العام الأمريكي أن السناتور جون كيري يشبه بوش الابن من حيث اقتناعه بأن أمريكا تحتاج إلى قائد صلب مستعد للحربº وليس إلى سياسي مرن ومناور, وبهذا الوصف فإنه لا يختلف كثيراً عن منافسه الجمهوري الذي أحسن استثمار هذه المواقف "المتناقضة" لجون كيري - وكانت ورقته الرابحة - كونه من مؤيدي استخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين، وضد الدول التي تهدد أمريكا ومصلحتهاº إذ إنه أيد قرار الحرب ضد العراق، كما أنه أيد استخدام القوة العسكرية في جرنيادا عام 1983م، وفي بنما عام 1989م، وفي الصومال عام 1992م، وفي كوسوفو عام 1999م، وفي أفغانستان عام 2001م بعد عملية 11 سبتمبر 2001م.
وكيري ليس من دعاة الانسحاب الأمريكي من العراق بل إنه يدعم المهمة الأمريكية في هذا البلد، ويريد تحسينها وتخفيف الأعباء الأمريكية العسكرية المثقلة بالقتلى ( أكثر من 1050 جندي)، من خلال إشراك دول أخرى صديقة وحليفة - من بينها دول عربية وإسلامية - في تحمل المسؤوليات العسكرية والأمنية، وإعطاء الأمم المتحدة دوراً سياسياً أكبر في الإشراف على عملية إعادة بناء العراق، وتزويده بالمؤسسات الشرعية اللازمة.
فما الذي يمكن أن يؤديه جون كيرى بشكل أفضل من بوش الابن؟ فإصرار كيري المتواصل على أن الحلفاء سيأتون لمساعدة أمريكا في العراق - ربما بالجنود والمال - يبدو وهماً كبيراً، وسذاجة سياسية.
كيري يعلم جيداً بواقعيته البراغماتية في مواجهته لمستقبل العراق أن خياراته فيها سيعوقها الخطوات الخاطئة التي خطاها الرئيس بوش الابن، وقد أوضح كيري في المناظرة أنه لا يرى توقعات أو احتمالات للانسحاب من العراق إلا بعد إجراء الانتخابات العراقية، واستقرار العراق أمنياً وسياسياً.
وهذه السياسة مشابهة تماماً لسياسة الرئيس بوش الابن في العراق بعد استفادته من أخطائه المرتكبة هناك كان أخطرها من الناحية الإستراتيجية حل الجيش العراقي النظاميº مما أدى إلى حدوث فراغ أمني خطير مازالت إدارة بوش تعاني منه إلى يومنا هذا (بالرغم من أن بوش لا يعترف بذلك)، مع وجود فارق مهم في القضية هو أن كيري - الذي اقتنع أن العراق ليس متجهاً في المدى القريب إلى الاستقرار والأمن كما تزعم الإدارة الأمريكية، ورئيسها بوش الابن، وأنه سيحاول إصلاح الضرر، وإصلاح التحالفات أيضاً قدر المستطاع، ويقول أحد المعلقين الأمريكيين معلقاً على الرؤية السياسية لكيري: "إن كيري يطمئن الأمريكيين بتاريخه وتوجهاته، لكنه ليس زعيماً يلهب مشاعرهم، ويثير حماستهم".
* القاعدة تدخل لعبة الانتخابات الأمريكية:
لماذا تفضل القاعدة العدو اللدود رقم واحد لأمريكا بوش الابن على كيري؟ أليس شعار بوش المفضل "معنا أو علينا" الذي يبدو أن القاعدة نفسها مغرمة به لأنه بمثابة شريان الحياة لتجنيد الناقمين على السياسة الأمريكية في المنطقة.
إن صرامة الرئيس بوش الابن، وافتقاره للبراعة والحنكة السياسية في إدارة السياسة الخارجية للقوة العظمى الوحيدة في العالم يجعلان من الأسهل كثيراً على التنظيمات "الإرهابية" حسب التصنيف الأمريكيº من إمكانية جمع المال، وتجنيد الأتباع الجدد، وربح المواقع، والانتشار السريع، وفي المقابل فإن تعهد كيري العلني بتبني نهج أكثر مقاربة مع الشرعية الدولية، وبمساهمة من الأمم المتحدة والدول الصديقة في الحرب على الإرهاب من شأنه أن يسكت بعض مظاهر الدعاية الذكية المستخدمة لتجنيد" الإرهابيين" المعادين لكل ما هو أمريكي.
فبعد أربعة أيام من تفجيرات مدريد الربيع الماضي - التي قيل أنها كانت تهدف إلى توجيه الانتخابات الأسبانية لاختيار رئيس وزراء جديد يخلف رئيس الوزراء السابق "خوسيه آثنار" الحليف المقرب لبوش الابن، لسحب القوات الاسبانية من العراق - بعثت مجموعة إسلامية تدعى كتائب أبو حفص المصري برسالة إلى صحيفة "القدس العربي" اللندنية تدعي فيها المسئولية عن تفجيرات مدريد ( 202 ضحية)، وتعلق على آمال الجماعة فيما يخص الانتخابات الأمريكية قائلة: "نحن تواقون جداً بأن لا يخسر بوش الانتخابات المقبلة، فحماقته وتطرفه الديني مفيدان من حيث أنهما يحرضان العالم الإسلامي للتحرك" - وتحقق الأمل -.
إن التركيبة الذهنية "للقاعدة" تكمن في أنه هل يرى قادتها مهمتهم أسهل مع أي من الرئيس بوش أو جون كيري في البيت الأبيض؟ أم أنه من منظورها هي أنه لا يوجد اختلاف بين الرجلين؟ وإذا كانت" القاعدة" تفضل مرشح الجمهوريين على مرشح الديمقراطيين فهل تعتقد أنها تستطيع التأثير على النتائج لتتناسب مع أهدافها؟
هل "القاعدة" تعتقد بأنه من الأفضل لمصالحها تجميد أي محاولات لها داخل الولايات المتحدة قبل يوم الانتخابات لأن الهجوم يمكن أن يفيد كيري الذي سيستغل هذا الظهور لأسامة بن لادن على شاشات التلفزيون للطعن في السياسات الأمنية المنتهجة من طرف الرئيس؟ وقد كان الشريط الأخير الذي ظهر فيه أسامة بن لادن بعد أكثر من عامين من الغياب يصب - حسب الكثير من المحللين الغربيين - في ترجيح كفة الرئيس بوش الابن على حساب جون كيري، لأن السياسة المتبعة من طرف اليمين المسيحي - الصهيوني بقيادة بوش - تشيني - وولفيتزº سياسة يرى من خلالها عداء لا يوصف ضد الإسلام، وتهجم على المسلمين، وهذا يخدم قناعات "القاعدة" التي أشهرت سيف الحرب على الأمريكان واليهود.
على أي حال فان الفرضية المستمرة هي أنه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001م فإن القاعدة تخطط لهجمات أخرى قد يأتي وقتها في حينه، والإيحاء بأن "القاعدة" قد تفضل بقاء بوش الابن في المكتب البيضاوي بالتأكيد يثير استغراب البعض وضحك البعض الآخر, وان كانت التحليلات المنطقية تدعم هذه الرؤية.
* العرب والمسلمين لا في العير، ولا في النفير!!
قد يجادل بعض العرب والمسلمين الأمريكيين الذين دعوا لحشد الدعم للمرشح الديمقراطي جون كيري - المنهزم - بأن الأخير يجب أن يمنح فرصة لولاية جديدة لإصلاح ما أفسدته سياسات الرئيس بوش الابن فيما يخص القضايا العربية الأمريكية سواء على المستوى الداخلي الأميركي أم فيما يتعلق بأزمة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إلا أن هذا الرأي يعوزه الكثير من المنطق، ويجافي مجموعة الحقائق التي كرستها إدارة الرئيس الحالي - الفائز - في مجال السياسة الخارجية، والتي تقوم على رضوخ العرب للرؤية الإسرائيلية الشارونية للحل، وهي السياسة التي يتقاسمها الحزبين الأمريكيين، والدخول في عملية تصفية القضية الفلسطينية في أحد أكثر وجوهها تعقيداً وهو حق العودة وتقرير المصير، وإقامة دولة مستقلة على جزء بسيط من فلسطين التاريخية، بالترافق مع السياسة الاستعمارية الجديدة التي افتتحتها الإدارة الجمهورية الحالية باحتلال العراق، وتهديد دول عربية أخرى إذا رفضت الدخول في الشراكة الأمريكية الإسرائيلية للشرق الأوسط الكبير.
ويبقى أخيراً القول: هل هناك ما يمكن أن يقدمه بوش الابن لـ "إسرائيل" أكثر مما أعطاها إياها في حال فوزه بالرئاسة مجدداً؟
الحقيقة هنا هي أن الصورة تبدو ضبابية بالنسبة للحقوق العربية المنتهكة، فالمرشحان الجمهوري والديمقراطي قدما أفضل ما عندهما، فبوش لم يعد في حسبانه الاهتمام بمصداقية واشنطن بشكل أو بآخر، وهو ما وصفه الكاتب الأمريكي ستفان زينيس بقوله: إنه إجمالاً لم يسبق أن قام رئيس أمريكي بخطوة مماثلة، فموافقة بوش على ضم مستوطنات الضفة إلى "إسرائيل" تتيح لشارون تقسيم الضفة الغربية بطريقة تجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية قادرة على البقاء، وموافقة بوش لم تنسف خطة الطريق للسلام فقط، بل إنها تمثل المرة الأولى في تاريخ عملية السلام التي تجهض فيها الإدارة الأمريكية مفاوضات بإعلان تأييدها لمبادرة من جانب واحد.
أما كيري فإلى جانب كل ما تقدمº فإنه يرى أن على أمريكا أن تتمسك بعدم التفاوض مع السلطة الوطنية الفلسطينية والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأن تتشدد في رؤيتها بأن عودة اللاجئين أمر يهدد دولة "إسرائيل" وبقاءها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد