هو كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فخذ الحسن ودع القبيح، كما قالت عائشة، وقد اهتم العلماء، والأدباء، والبلغاء بهذه الوسيلة الإعلامية المتميزة، بل كانت هي الوسيلة السريعة الوحيدة لنقل الأخبار، وتخليد المآثر، وذكر المراثي.والشعر غير مذموم لذاته إنما لما يحمله من المعاني الفاسدة والسيئة والسقيمة، ولذا قال الله - تعالى -: { بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر }
{ وما علمناه الشعر وما ينبغي له.... }
{ وما هو بقول شاعر... }
{ والشعراء يتبعهم الغاوون.... }
ويلاحظ المتأمل أن الآيات تبين موقف الذين تصوروا أن القرآن ضرباً من الشعر، ولم يؤمنوا بأنه وحي يوحي به الله - سبحانه - إلى نبيه صلى عليه وسلم، وترد الآيات على هذا الموقف، وتؤكد أن ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام ليس شعراً، وأنه لم يعلّم الشعر، و لا يتيسر له ذلك، والآية الأخيرة تتحدث عن طبيعة الشعراء والموقف منهم.
أما الموقف العام من الشعر فقد جاء في إطار نفي أن يكون محمد عليه الصلاة والسلام شاعراً، ونفي أن يكون ما أتى به شعراً، ومن هنا يقول أبو زيد القرشي: ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف الشعر، و لا يقوله، ولكنه كان يعجبه استماعه ) جمهرة أشعار العرب 1/186
وخلاصة القول أن رسول الله مبلغ وليس شاعراً، وقال رسول الله: ( إن الله لم يبعث نبياً إلا مبلغاً، وإن تشقيق الكلام من الشيطان، وإن من البيان لسحراً ) عون الباري: 6/96.
وفي إطار استخدام الشعر سلاحاً من أسلحة الدعوة فاضل رسول الله بين شعراء الدعوة من وجهة تأثير كل منهم في المشركين، فقد جاء في الأثر: ( أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسان بن ثابت فشفى واشتفى ).
فالهجاء الذي أيده رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الهجاء الموجه للمشركين، الذي يرمي إلى نزع الشرك من النفوس وإزالة هالات التقديس عن آباء وأجداد عاشوا في ظل الوثنية، واكتسبوا أمجادهم بعيداً عن الإسلام، ففي حديث كعب بن مالك قوله: ( قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اهجوا المشركين بالشعر، فإن المؤمن يجاهد بنفسه وماله، والذي نفس محمد بيده كأنما تنضحونهم بالنبل ) عون الباري: 5/22 والفخر الذي يحبه رسول الله هو الفخر بقيم الإسلام والمنافحة عنه، قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله يضع لحسان منبراً في المسجد يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله، أو ينافح عن رسول الله، ويقول رسول الله: إن الله حسان بروح القدس ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله ) سنن الترمذي: 5/138 ــ 140
ويبدو أن النبي عليه الصلاة والسلام وظف الشعر في نصرة الدين وإعلاء شأن الفضيلة والخير ليكون الإنسان وفقاً لمرضاة ربه وأن خير الشعر ما صور حقائق الإسلام والإيمان وعبر عن حسن الاعتقاد و حكمة مفيدة ورأي سديد.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يسمعون الشعر ويحفظونه ويقولونه، كأبي بكر وعمر وعلي، وتذكر الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عائشة رضي الله عنها تُنشد شعر زهير بن جناب:
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه *** يوماً فتدركه عواقب ما جنى
يجزيك أو يُثني عليك فإن من *** أثنى عليك بما فعلت كمن جزى
فقال: ( صدق يا عائشة، لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) العقد الفريد: 5/275.
أما حديث أبي هريرة: ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خيراً له من أن يمتلئ شعراً ).
فهم العلماء منه أنه يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يبعده عن ذ كر الله والعلم والقرآن، ومما يدل عليه أنه لم ينكر عليه السلام على الشعراء أو يأمرهم بالتقليل منه.
فالإنسان إذا مدح الله - عز وجل - وعظمه، أو مدح النبي عليه السلام، أو حث على الخلق الحسن، ولو بالنبطي والعامي، فإنه مأجور على كلامه ومقصده.
أما المحرم فهو شعر السب والهجاء المقذع، ومدح المعاصي والحث على الفواحش أو الأشعار الكفرية أو فيها استغاثة بغير الله، أما أشعار الطرائف والنوادر والنكت فهذه مباحة.
وقد منع بعض العلماء من الشعر في المسجد لحديث نهى عن تناشد الأشعار في المسجد عند أهل السنن، وهذا محمول على التقابل بالهجاء والذم لأن المساجد لم تبنَ لهذا.
وقد رويت عن النبي بعض الأحاديث فيها رخصة في إنشاد الشعر في المسجد، واختلف العلماء في أحسن القصائد والأبيات والشعراء على حسب الأذواق، ولذا قال بعض الأدباء: أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا شرب
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد