بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لقد جاء في تحديد المدينة حديثان صحيحان وهما:
-ما رواه علي - رضي الله عنه - مرفوعاً: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاº فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفٌ ولا عدلٌ "متفق عليه. البخاري برقم (6755)، ومسلم برقم (1370).
- ما رواه أنس بن مالك مرفوعاً وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى المدينة فقال: " اللهم إني أحرم ما بين لابتيها بمثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدّهم وصاعهم ". رواه البخاري برقم (2893)، ومسلم برقم (1365).
وبناءً على ذلكº فإن هذين الحديثين يبينان الجهات الأربع للمدينة، فمن جهة الشمال جبل ثور - وهو جبل صغير شمالي أحد - ومن جهة الجنوب جبل عير - وهو ممتد في الشرق إلى الغرب ويشرف طرفه الغربي على ذي الحليفة، وطرفه الشرقي على المنطقة المتصلة بمنطقة قباء من جهة الجنوب الغربي، ومن جهة الشرق الحرة الشرقية - وهي إحدى اللابتين حيث إن المراد باللابة الحرة، وهي الأرض التي قد ألبستها حجارة سود، ومن الغرب الحرة الغربية - وهي اللابة الأخرى.
وقد صرح النووي - رحمه الله - وغيره بدخول الحرتين في حرم المدينة.
(شرح صحيح مسلم للنووي9/136).
ويتعلق بهذا التحديد أمور:
1- حمايتها من الدجال
كما جاء في حديث أنس بن مالك مرفوعاً: " ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق ".
رواه البخاري برقم (1881)، ومسلم برقم (2943).
2- حمايتها من الطاعون:
كما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ". رواه البخاري برقم (1880)، ومسلم برقم (5731).
3- حب النبي - صلى الله عليه وسلم - لها، وتمكن حبها من قلوب المؤمنين:
حيث دعا بذلك رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه: ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد…" الحديث.
رواه البخاري برقم (1888)، ومسلم برقم (1376).
4- تحريم صيدها وقطع أشجارها:
كما جاء ذلك عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لا بتيها، لا يقطع عِضَاهُها، ولا يصاد صيدها "
أخرجه مسلم في الصحيح برقم (1362). وكذلك روى مسلم - رحمه الله - في الصحيح مثله عن سعد بن أبي وقاص برقم (1363).
5- تحريم لقطتها إلا لمن يريد تعريفها:
كما جاء ذلك من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لكل نبي حرم وحرمي المدينة، اللهم إني أحرمها بحُرَمِك أن يُؤوى فيها محدث ولا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ولا تؤخذ لقطتها إلا لمنشد "
رواه الإمام أحمد في المسند (1/318)، وصححه الشيخ أحمد شاكر وحسنة المناوي والهيثمي والسيوطي وصاحب كتاب فضائل المدينة د. صالح الرفاعي.
6- دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهلها بالبركة في مدهم وصاعهم:
كما أخرجه البخاري برقم (2893)، ومسلم (1365) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى المدينة فقال: " اللهم إني أحرم ما بين لابتيها بمثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم "، وأخرج مسلم في الصحيح برقم (1373) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا أخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعا لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه ".
7- خيرية المدينة المطلقة وشفاعته - صلى الله عليه وسلم - لمن سكنها وثبت فيها وصبر على شدتها:
كما ثبت ذلك من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - مرفوعاً: " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة " رواه مسلم برقم (1363).
8- أنها تنفي خبثها وتَنصَع طَيِّبَهَا:
كما أخرج ذلك البخاري برقم (7211)، ومسلم برقم (1383) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها " أي تميزه ويستقر فيها.
والذي يظهر أن تأويل هذا الحديث ما جاء موضحاً فيما رواه الطبراني في الأوسط برقم (2186) بسند لا بأس به من حديث جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا أهل المدينة اذكروا يوم الخلاص " قالوا: وما يوم الخلاص؟ قال: " يقبل الدجال حتى ينزل بذباب، فلا يبقى بالمدينة مشرك ولا مشركة ولا كافر ولا كافرة ولا منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه، ويخلص المؤمنون، فذلك يوم الخلاص ".
9- الترهيب الشديد من إحداث الحدث بالمدينة
كما جاء في حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " المدينة حرم من عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرف ولا عدل "رواه البخاري ومسلم.
10- الترهيب الشديد من إرادة أهلها بسوء:
كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء "رواه البخاري.
11- أُروز الإيمان إلى المدينة:
كما أخرج البخاري برقم (1876)، ومسلم برقم (147) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها ".
12- فضل الموت بالمدينة حرسها الله:
كما في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن مات بها "رواه الإمام أحمد (2/47)، والترمذي برقم (3917)، وابن ماجة برقم (3112) وهو حديث صحيح.
13- فضل التصبح بتمرها ووقايته بإذن الله - تعالى -من السمّ والسحر:
كما أخرج مسلم في صحيحه برقم (2047) من حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي ". وفي لفظ " من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر " وأخرج برقم (2048) عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن في عجوة العالية شفاءً، أو إنها ترياق أول البُكرة ".
وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد