بسم الله الرحمن الرحيم
تعد المساجد من أهم معالم مدينة صنعاء القديمة، وقد ذكر الرازي في كتابه عن صنعاء أن عددها (106)، ولم يبق منها مفتوحاً سوى أربعين مسجداً، عامرة بالجماعات في الفروض الخمسة، وقد أضيف لكل مسجد منها حنفيات للوضوء، واختفت في بعض المساجد "المطاهير" مثل الجامع الكبير، أما المساجد التي بنيت بعد قيام الثورة والجمهورية، وإعادة توحيد اليمنº فقد تجاوزت المئتين - للجمعة والجماعة - وفيها أجنحة للنساء، وتحتوي على الحمامات للنساء، وتحتوي على الحمامات الحديثة، وليس فيها مطاهير للوضوء، وفرشت بالسجاد الجميل.
ومنذ ظهور الإسلام، واعتناق الناس الإسلام - ومنهم اليمنيون -º بدأ اهتمام الناس ببناء المساجد المتواضعة البسيطة الملائمة للبيئة آنذاك، وخلال فترة ازدهار الدولة الإسلامية تطورت المفاهيم، واتسعت المدارك، وارتفع الوعي برفع مكانة وشأن المسجد، وأصبح المسلمون يتنافسون في بناء المساجد، واهتموا بطرق بنائها، وتخطيطها، وزخرفتها باعتبارها بيوت الله، كما أن المساجد قديماً كانت تستخدم في شتى الأغراض الدينية والدنيوية مثل: إقامة حلقات التدريس والموعظة، فيدرسون الفقه والتفسير والحديث وغيره من العلوم.
ومن المميزات العامة التي يتميز بها الفن العربي الإسلامي في مجال العمارة والزخرفة التنويع في الزخرفة وشموليتها، وتغطيتها للفراغات.
إن مثل هذه المميزات جعلت من الفن العربي الإسلامي شخصيته المميزة، وكونت له طابعاً عاماً، ووحدة فنية تستطيع التعرف عليه أينما وجد بيسر، سواء أكان في مصر، أو في اليمن، أو في سوريا، أو في الجزائر، سواء من القرن الثامن أو القرن السادس عشر الميلادي، ومرد ذلك بالطبع إلى وحدة العقيدة، والحضارة، والثقافة.
وتعتبر عمارة المساجد أحد فنون العمارة العربية الإسلامية في اليمن، ولكي نتمكن من تسليط الضوء على الفن المعماري في تصاميم المساجد القديمة اخترنا نموذجين من المساجد القديمة في صنعاء: الجامع الكبير، وقبة البكيرية، لاختلاف حقبة نشأة كل منهما، وقمنا بزيارتهما، ورجعنا إلى عدد من المراجع لإجراء تحقيقات عنهما.
الجامع الكبير:
الجامع الكبير بصنعاء من أقدم المساجد الإسلامية، وهو أول مسجد بني في اليمن، ويعتبر من المساجد العتيقة التي بنيت في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، حيث أجمعت المصادر التاريخية على أنه بني في السنة السادسة للهجرة، حين بعث الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الصحابي الجليل و بر بن يحنس الأنصاري والياً على صنعاء، وأمره ببناء المسجد، فبناه ما بين الصخرة الململمة وقصر غمدان، وكان أول بنائه بسيطاً وصغيراً جداً يتماشى مع عمارة المساجد الأولى، فكان مربع الشكل طول ضلعه (12) متراً، له باب واحد من الناحية الجنوبية، وبه (12) عموداً أشهرها المنقورة، وهو العمود السادس من ناحية الجوار الشرقي الحالي، والمسمورة، وهو العمود التاسع من ناحية الجوار الشرقي - أيضاً -، ومقسم من الداخل إلى ثلاثة أروقة، وكان يوجد بالرواق الشمالي المحراب الأصلي، فقد تعرض الجامع خلال العصور الإسلامية المتتابعة إلى تجديدات وتوسيعات عديدة، وكان من أوائل هذه التوسيعات ما قام به الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك (86 - 96هـ) - (705 - 715م) في ولاية أيوب بن يحيى الثقفي، شمل التوسع في الاتجاه الشمالي من ناحية القبلة الأولى إلى موضع القبلة الحالية، وفي فترة أول والي لبني العباس في صنعاء الأمير عمر بن عبدالمجيد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب، نقلت أحجار أبواب الجامع من قصر غمدان، ومنها المدخل الذي يقع على يمين المحراب، وبه صفائح من الفولاذ متقنة الصنع، من ضمنها لوحان مكتوبان بخط المسند.. وفي عام 136هـ - 754م أجري توسيع على يد الأمير علي بن الربيع بأمر من الخليفة المهدي العباسي، وفقاً للوحة المكتوبة في صحن المسجد، وفي عام 265هـ أجري على يد الأمير محمد بن يعفر الحميري توسيع كان من ضمنه السقوف الخشبية المصنوعة من خشب الساج، خاصة في عمارة الرواق الشرقي والذي يتكون من مصندقات خشبية غاية في الدقة والإبداع، إلاَّ أن بعض المؤرخين اليمنيين ينسبون عمارة الرواق الشرقي في الجامع إلى الملكة أروى بنت أحمد الصليحي في عام 525هـ - (1130 - 1131م)، ويعود تجديد المأذنتين الحاليتين إلى عام 603هـ - 1206م، حيث قام بتجديدهما ورد بن سامي بعد أن تهدمتا وسقطتا، وفي عام 1012هـ قام الوالي العثماني سنان باشا ببناء الصرح المعروف اليوم بالشماسي برصفه بالحجارة، كما بنى القبة الكائنة في الفناء، وقام الحاج محمد بن علي صبرة بإصلاح المنارة الشرقية في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، وفي عام 1355هـ - 1936م بنى الإمام يحيى بن محمد بن حميد الدين المكتبة التي تقع غرب المنارة الشرقية، وكذلك السقف الأوسط في الجناحين، كما حفر البئر الغربية للجامع، وأصلح سواقيها إلى المطاهير، وقد وسعت المكتبة في عهد الإمام أحمد بن يحيى بن حميد الدين في عام 1374هـ.
والجامع بأبعاده الحالية ينطبق تقريباً على شكل الجامع الذي أمر بإنشائه الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك سنة (86 - 96هـ) - (705 - 715)، فالجامع مستطيل الشكل، تبلغ مساحته حوالي (68 X 65) بنيت جدرانه الخارجية بحجر الحبش الأسود، والشرفات العليا بالطابوق والجص، ويحتوي على (12) باباًº ثلاثة في جدار القبلة منها باب يعود تاريخه إلى فترة التاريخ القديم، نقل من أبواب قصر غمدان وهو على يمين المحراب، وفي الجدار الجنوبي مدخل واحد يعرف بالباب العدني تتقدمه قبة صغيرة، وفي الجدار الشرقي خمسة مداخل، وفي الجدار الغربي ثلاثة مداخل يتوسط مساحة الجامع فناء مكشوف مساحته حوالي (38.90 x 38.20) متراً، تتوسطه كتلة معمارية مربعة الشكل طول ضلعه ستة مترات، تغطيها قبة محفوظة فيها وقفيات الجامع، ومصاحفه، ومخطوطاته، يحيط بصحن الجامع أربعة أروقة، الرواق القبلي (61 x 18.50) متراً عمقاً، والرواق الجنوبي (60.40 x 15.10) متراً، والرواق الغربي (39.75 x 11) متراً، ويوجد ضريح في الناحية الجنوبية من الرواق الغربي يطلق عليه ضريح حنظلة بن صفوان، ويبلغ عدد الأعمدة في الجامع (183) عموداً، منها (60) عموداً قبلية، و(30) عموداً غربية، و(54) عموداً في المؤخرة، و(39) عموداً شرقية، ويعود تاريخ هذه الأعمدة إلى القرن الرابع حتى القرن السادس الميلادي، أما السقوف المصندقة ذات الزركشات الفنية المرسومة بطريقة الحفر الملونة فهي فريدة في العالم الإسلامي، ويحدد تاريخ السقف المصندق للرواق الشرقي بالقرن الثالث الهجري استناداً إلى طرازه، بينما يعود تاريخ سقوف الرواق الغربي وبعض أجزائه إلى العصر الأموي، أو إلى أوائل العصر العباسي، وللجامع مئذنتان، في الناحية الجنوبية واحدة، والثانية في الناحية الغربية منه، وتعتبر من أقدم المآذن الباقية باليمن، فالمئذنة الشرقية جددت بداية القرن السابع الهجري، وأعيد تجديدها في أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وتتكون هذه المئذنة من قاعدة حجرية مربعة الشكل بها مدخلان أحدهما في الناحية الشمالية والآخر في الناحية الشرقية يقوم عليها بدن مستدير تعلوه شرفة مزدانة بصوف في المقرنصات، ويعلو البدن بدن آخر سداسي الشكل بكل ضلع فتحة نافذة معقودة، ويتوج هذا البدن بقبة صغيرة، وقد وصفها الرازي بأنها لم يعمل مثلها إلاَّ في دمشق، أو في منارة الأسكندرية، أما المئذنة الغربية فهي تشبه المئذنة الشرقية إلى حد كبير مبنية على قاعدة مربعة (4.25) متراً، يبلغ ارتفاع هذه القاعدة حوالي خمسة مترات، ويوجد غرب المنارة الغربية مكتبة مملوءة بذخائر التراث العلمي والثقافي اليمني في كافة المجالات، وفيها المخطوطات النادرة - ومنها نسخ من القرآن الكريم الذي نسخ في عهد الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كما يوجد قبران في فناء الجامع تحت المنارة الشرقية.
قبة البكيرية:
و تعتبر قبة البكيرية من أجمل مساجد أمانة العاصمة، وتقع في ميدان قصر صنعاء - قصر السلاح -، وقد تعدد اسمها فأطلق عليها اسم المدرسة الوزيرية نسبة إلى الوزير حسن باشا، واسم الجامع، واسم القبة لتغليب عنصر القبة على البناء، كما أطلق عليها اسم القبة المرادية نسبة إلى الوزير مراد باشا، وأما تسميتها بالبكيرية نسبة إلى بكير بك مولى الوزير حسن باشا، وكان الوزير يحب مولاه حباً جماً، فخرج في بعض الأيام يلعب مع الخيالة فكبا به الفرس فمات لوقته، فجزع عليه الوزير وقبره شرقي هذه القبة، ثم بنى القبة للصلاة وسماها باسم مولاه، وفي عام (1298هـ - 1881م) أمر السلطان عبدالحميد بتجديد البناء، وقد شمل هذا التجديد ناحيتين الأول، تخص عمارة القبة، وفرشت بالمفارش الفارسية، وأحضر لها منبراً من الرخام، وحسنت مرافقها، والثانية وهي تخص زخارف القبة، والتي تنوعت وشملت الرسوم المعمارية، والزخارف النباتية، والهندسية، والكتابية.
تتكون قبة البكيرية من قسمين أساسيين أحدهما مكشوف ويسمى "الحرم" أو "الصرح" أو "الصحن"، والآخر مغطى ويعرف باسم بيت الصلاة.
ويقع الفناء إلى الجنوب من بيت الصلاة، وتبلغ أبعاده (27.5) متراً طولاً، و(21) متراً عرضاً، بلطت أرضه بأحجار الحبش، ويوجد المدخل عند منتصف الجدار الغربي لهذا الفناء وهو مدخل بارز شيد من الحجر، يرتفع عن مستوى الشارع قليلاً، ويتكون من كتلة مربعة ترتكز على أربعة أكتاف قصيرة تحمل عقوداً مخموسة، تعلوها قبة مقامة على مثلثات، ونلاحظ أن الجدار الغربي يقسم المدخل إلى قسمين وكذا القبة التي تعلوه، ويوجد في الجهة الشمالية عقدان مدببان أحدهما من داخل المسجد والآخر خارجه، ويتوج مربع القبة من الخارج صف من الشرفات التي تأخذ شكل الورقة النباتية الثلاثية، بينما زينت أوجه العقود بالحجر الأبيض والأسود، ويوجد خارج الجدار الغربي للفناء مدفنان أحدهما يقع في الجهة الشمالية الغربية، والآخر يقع في الجهة الجنوبية الغربية، يغطي كل منهما قبة، أما الضلع الشرقي للفناء فيشتمل على ممر طويل ذو سقف مسطح يؤدي من بيت الصلاة إلى المطاهير التي تقع في الضلع الجنوبي للفناء وعلى امتداده وعددها (12)، ويؤدي إليها مدخلان أحدهما يقع في الغرب، والآخر يقع في الشرق، وتغطي المطاهير أربع قباب محمولة على مثلثات.
وفي بيت الصلاة: توجد سقيفة مستطيلة الشكل ممتدة من الشرق إلى الغرب، أبعادها (20.5 X 6.45) متراً في مقدمة بيت الصلاة تفتح على الفناء بثلاثة عقود مدببة واسعة، وتعتبر هذه السقيفة وحدة فنية زخرفية تعبر عن طابع الزخارف المحلية في اليمن خاصة، فضلاً عن أنها تعود في تاريخها إلى تاريخ العصر العثماني ضمن التجديدات التي قام بها السلطان عبدالحميد عام 1289هـ، هذه الكتابات والزخارف في معظمها آيات من القرآن الكريم، أما العناصر النباتية والزخرفية التي تزين هذه السقيفة فهي من الجص.
والقبة شاهقة الارتفاع نصف كروية الشكل، مزدانة بالزخارف الجصية معظمها ملون ومذهب، وتغطي مساحة بيت الصلاة (17.30) متراً، ويضم بيت الصلاة ثلاثة محتويات أخرى هي:
المحراب: ويتوسط المحراب جدار القبة بعمق تجويفي (80) سنتيمتراً، محمول على عمودين رشيقين يزخرفه عقد متدرج ومزخرف بأشكال المقرنصات والدلايات الزخرفية.
المنبر: ويقع إلى الشرق من المحراب، ويعتبر من ضمن التجديدات التي قام بها السلطان عبدالحميد في القبة، مصنوع من مادة الرخام الجيد، ومزدان بالزخارف الهندسية المفرغة.
وتشغل دكة المبلغ الحيز المكاني الفاصل بين المدخلين في القبة، وتطل على القبة بثلاثة عقود محمولة على ثلاثة أعمدة رشيقة، ويتم الصعود إليها من خلال درجات من السلالم، ويغطيها سقف خشبي مسطح، ويحيط بها من أسفل درابزين قصير.
المئذنة: تمتاز مئذنة القبة بدقتها وروعتها، خاصة أنها تنتمي إلى الطراز المحلي اليمني رغم أن بناءها يعود إلى فترة العصر العثماني، تقع قرب نهاية الضلع الشرقي في الناحية الشمالية بالنسبة لفناء المدرسة، ويتم الوصول إليها من الدهليز الشرقي، وتتكون من قاعدة حجرية نصفها الأعلى من مادة الآجر - الطابوق - ونصفها الأسفل من حجر الحبش، وتزخرف واجهات القاعدة زخارف جصية معقودة بداخلها كتابات، يعلوها بدن قصير مثمن مزين بالزخارف الجصية الهندسية، ويعلو هذا الطابق بدن مرتفع مستدير الشكل، ومقسم إلى مناطق رأسية مزخرفة بالجص، ويتميز أعلى هذا البدن بوجود زخارف هندسية، يعلو هذا الطابق من المئذنة مشرفة مزخرفة من الخارج، بتجاويف معقودة بداخلها مناطق زخرفية هندسية الشكل - أيضاً -، ويعلو هذا الحوض طابق آخر مقسم إلى ستة عشر ضلعاً بالجص، وبكل ضلع زخارف هندسية، ويتوج هذه المئذنة من أعلى قبة صغيرة مضلعة الشكل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد