الإسلام الديمقراطي المدني (الشركاء، المصادر، الاستراتيجيات)


بسم الله الرحمن الرحيم

مما لاشك فيه أن العالم الإسلامي يعيش حالة من الصراع الداخلي و الخارجي في سبيل مبادئه و قيمه ومكانته في العالم. الكل في هذا الصراع يتنافس للوصول للسلطة الدينية و السياسية. ومن المسلّم به أن لهذا الصراع آثاره الخطيرة على العالم كله سواء كانت اجتماعية، اقتصادية، سياسية، و أمنية. لذلك فالغرب يحاول جاهدا أن يطوع نتائج هذا الصراع لصالحه.

و يبدو واضحا أن الولايات المتحدة والدول الصناعية والمجتمع الدولي يطمحون لأن يصبح العالم الإسلامي منسجما مع النظام الدولي. كذلك يريدون من العالم الإسلامي أن يتحول إلى منظومة ديمقراطية لها نظام اقتصادي و سياسي مستقر ونظام اجتماعي تقدمي وأن يؤمن العالم الإسلامي بضرورة إتباع قواعد و نظم السلوك الدولي. وكذلك فان الولايات المتحدة و العالم المتقدم يسعون لتجنب " صراع الحضارات " بين المسلمين والغرب لاسيما بين الأقليات المسلمة في الغرب و المجتمعات الغربية لما له من دور في تحفيز العمل العسكري في العالم الإسلامي الذي قد ينتج عنه عواقب خطيرة من عدم الاستقرار و انتشار الإرهاب.

و من اجل الوصول لهذه الأهداف فلابد من البحث في مكونات المجتمعات الإسلامية عن عناصر منسجمة مع السلام العالمي والمجتمع الدولي تكون داعمة للديمقراطية و الحداثة. لكن تبقى هذه المهمة صعبة فليس من السهل تحديد العناصر المناسبة للتعاون في سبيل تحقيق أهداف المجتمع الدولي.

 

أن أزمة العالم الإسلامي الحالية تكمن في جانبين:

أولهما الفشل في تحقيق النمو و الازدهار.

و ثانيهما بعد العالم الإسلامي عن التيار العالمي، فطالما وصف العالم الإسلامي بالرجعية والضعف. و كحلول لهذه المشاكل ظهرت القومية و فكرة الوحدة العربية و الاشتراكية العربية و الثورة الإسلامية، ولكن كلها انتهت بالفشل مما أدى إلى حالة من الإحباط و الغضب. و في هذه الإثناء فقد تقهقر العالم الإسلامي بمسافة شاسعة عن التطور الذي تحقق في أجزاء كثيرة من العالم وكان هذا سبب في وضع غير مرضي للعالم الإسلامي و المجتمع الدولي على حد سواء.

وحتى هذه اللحظة مازال العالم الإسلامي منقسم على نفسه حول ما يجب عمله وما يجب أن يكون عليه المجتمع الإسلامي. فالعالم الإسلامي يضم أربعة عناصر لكل رؤيته و أهدافه، وهم:

* الأصوليون

يرفضون كل القيم الديمقراطية و الغربية و ينشدون إقامة دولة إسلامية شمولية تطبق الشريعة الإسلامية و القيم الإسلامية كما لا يمانعون من انتهاج الابتكار و التجديد و التقنية الحديثة لتحقيق أهدافهم.

• المحافظون

يريدون مجتمع محافظ و يتخوفون من الحداثة والابتكار و التغيير.

• الحداثيون

يطمعون إلى أن يكون العالم الإسلامي جزء من الحداثة العالمية كما و أنهم يريدون تحديث و إصلاح الإسلام ليواكب العصر.

• العلمانيون

يهدفون إلى فصل الدين عن الدولة على النسق الغربي وحصر الدين في أطار الأحوال الشخصية فقط.

 

ولكل فئة من هؤلاء رؤيتهم المختلفة فيما يتعلق بأهم قضايا العالم الإسلامي وهي الحريات السياسية و الفردية و التعليم و وضع المرأة و القضاء الجنائي و شرعية الإصلاح و التغيير و الموقف تجاه الغرب.

 

وباستعراض وجهات النظر لمختلف هذه الفئات يتضح ما يلي:

- الأصوليون ذوي توجهات عدائية نحو الغرب والولايات المتحدة تحديدا و يهدفون بدرجات مختلفة إلى الإضرار بالديمقراطية الحديثة و تدميرها. لذا فان دعمهم لا يمكن أن يكون خيارا و إنما تكتيك وقتي.

- المحافظون المتبنيين وجهات نظر معتدلة نوعا ما ينقسمون إلى مجموعات مختلفة بعضا منها على علاقة قوية بالأصوليين، كما أنهم لا يقبلون الديمقراطية الحديثة و لا ثقافة الحداثة وقيمها و في أحسن الأحوال يمكن أقامة سلام صعب معهم.

- يبقى هنا الحداثيون و العلمانيون الأقرب للغرب فيما يتعلق بقيمهم و سياستهم لكنهم الأضعف مكانا بين باقي الفئات ويفتقرون للدعم و الموارد الاقتصادية و البنى التحتية الفاعلة و القاعدة الجماهيرية. و بالنظر للعلمانيين يرى أنهم حلفاء غير مقبولين لتبنيهم إيديولوجية متحررة بعيدة عن أفكار العالم الإسلامي فيصعب عليهم التأثير في الجماهير الإسلامية المحافظة.

 

أن الإسلام السني يمتلك عناصر ديمقراطية يمكن استغلالها لمواجهة الإسلام الشمولي الذي يتبناه الأصوليون وهذا هو الدور الذي يجب أن يضطلع به الحداثيون لخلق الإسلام الديمقراطي، إلا أن تأثير هؤلاء مازال ضعيفا بسبب عدد من المعوقات و هو ما سيستعرضه التقرير.

و لتحقيق ما تصبو إليه الولايات المتحدة والغرب من إحداث تغيير ايجابي في العالم الإسلامي نحو الديمقراطية و الحداثة و التوافق مع النظام العالمي الحالي فانه لابد من التفكير مليا في أيا من التيارات و القوى في العالم الإسلامي يجب تقويتها ودعمها لتحقق هذه الأهداف. كذلك يجب فهم حقيقة الأهداف و القيم لمختلف القوى المتحالف معها و نتائج دعمها. وهذا يمكن الوصول إليه من خلال مسارات متعددة و أكثرها فاعلية ما يلي:

1- أولوية دعم الحداثيين

- نشر و توزيع كتبهم بأسعار مناسبة

- حملهم على تقديم كتابات تخاطب الشباب و عامة الناس

- إدراج أفكارهم ورؤاهم ضمن المناهج الدراسية

- إنشاء قاعدة جماهيرية مؤيده لهم.

- نشر أفكارهم حول أصول المعتقدات الإسلامية لعامة الجمهور لتنافس الرؤية الدينية للمحافظين و الأصوليين الذين يمتلكون مواقع الكترونية و دور نشر و مدارس و معاهد و العديد من الوسائل لنشر أفكارهم.

- تقديم العلمانية و الحداثة " كخيار ثقافي بديل " للشباب المسلم الساخط على أوضاعه.

- التركيز الإعلامي على تاريخ الشعوب المسلمة قبل الإسلام و إعطاءها مساحة كبيرة من المناهج الدراسية.

- دعم مؤسسات المجتمع المدني المستقلة لتطوير الثقافة المدنية و إعطاء مساحة حرية للمواطن العادي للتعبير عن رأيه و الاطلاع بنفسه على مجريات العملية السياسية.

 

2- دعم المحافظين ضد الأصوليين

- أعطاء مساحة في الإعلام للمحافظين لانتقاد عنف الأصوليين و المتطرفين وتوسيع الهوة بين المحافظين و الأصوليين.

- منع أي تحالف بين المحافظين و الأصوليين

- تشجيع التعاون بين الحداثيين و المحافظين الأكثر قربا من الحداثيين في أفكارهم.

- تثقيف المحافظين ليكونوا قادرين على إدارة النقاشات مع الأصوليين المتفوقين بلاغيا مقارنة بالمحافظين الذين يمارسون "الإسلام السياسي الشعبي ". ففي مناطق من أسيا الوسطى يحتاج المحافظين لتثقيفهم بالإسلام لكي يقفوا على أرض صلبة

- دعم حضور الحداثيين في مؤسسات تابعة للمحافظين

- التفريق بين مختلف المذاهب المحافظة و دعم المذاهب الأقرب لرؤى الحداثيين كالمذهب الحنفي و نشر أفكار أتباع مثل هذه المذاهب إعلاميا لإضعاف هيمنة الأفكار الوهابية الرجعية. ويعزى هيمنة هذه الأفكار لدعم الوهابيين المالي للمدارس المتحفظة كالمذهب الحنبلي كما أن الكثير من المسلمين الرجعيين لا يؤمنون بالتفسير العصري للشريعة الإسلامية.

- تعزيز شعبية الصوفية وتجميل صورتها لتكون أكثر قبولا.

 

3- خلق جبهة معادية للأصوليين:

- مواجهة الرؤية الأصولية للإسلام واثبات عدم صحتها.

- كشف صلاتهم بالجماعات و الأنشطة الخارجة عن القانون.

- تركيز وسائل الأعلام على العواقب الخطيرة لأنشطة الأصوليين العنيفة.

- إظهار عدم قدرتهم على حكم البلاد و عجزهم عن تحقيق أي تقدم لأوطانهم و مجتمعاتهم و إقناع الشباب و الموالين لهم من المحافظين و الأقليات المسلمة في الغرب و كذلك المرأة بعواقب أنشطة الأصوليين والخطر الذي سيلحق بهم أن وصل الأصوليين للسلطة.

- منع إبداء أي شعور بالاحترام أو الإعجاب إزاء أعمال الإرهابيين البطولية ووصفها بالعبثية و الجبانة.

- تشجيع التحقيقات الصحفية التي تفضح فساد الأصوليين و الخلايا الإرهابية وترفع النقاب عن جرائمهم الأخلاقية.

- تعميق أسباب الفرقة بين الجماعات الأصولية.

 

4- دعم العلمانيين ضمن نطاق محدود:

- تأكيد المبدأ القائم لدى العلمانيين بعدائية الأصوليين و النظر إليهم كعدو مشترك للعلمانيين و الغرب و الحيلولة دون إقامة أي تحالفات مع القوى المناوئة للولايات المتحدة كالقوميين و اليساريين.

- تعزيز فكرة فصل الدين عن الدولة في الإسلام كمنهج غير مهدد للأيمان بل مساعد على تعميق الإيمان.

و أخيرا فان أي مسار يرتئيه صانع القرار الأمريكي لا بد من أن يضع في الاعتبار عدد من القضايا هي:

- عواقب هذه السياسات على القوى المنفذة لها في العالم الإسلامي وتجنيبهم أي خطر محتمل أو تشويه لسمعتهم.

- التفكير مليا في كلفة هذه السياسات والنتائج غير المتوقعة التي قد تحدث خلال وقت قصير.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply