بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ النصوص الشرعية ـ لمن لا يُحسن فهمها والتعامل معها ـ أشبه ما تكون بالألغام الأرضية، تكاد تنفجرُ بصاحبها وبمن حوله قبل أن تنفجر بالعدوّ المتربّص.
وكما أنّ الإسلام ليس فيه كهنوت، بحيث يُقصر فهم النصوص على أشخاص معدودين، لا يُتجاوز إلى غيرهم، كذلك ليس في الإسلام فوضى، بحيث تصبحُ النصوص الشرعية كلأً مباحاً لكلّ أحد مهما كان حظّه من العلم الشرعي، وأيّاً كان تخصّصه.
وإذا كان بعض العلماءِ والمتخصّصين في العلوم الشرعية، قد زلّوا في فهم بعض النصوص، فحادوا عن الجادّة، فما بالكم بمن هو بعيد عن العلم الشرعي من العامّة وغير المتخصّصين!!
إنّ النصوص الشرعية كلٌ لا يتجزّأ، وهي مرتبطة برباطٍ, وثيق، قد يخفى على كثيرٍ, من الناس إلا من أوتي حظّاً وافراً من العلم الشرعي، فعرف الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيّد، والمجمل والمبين، وكان له علم باللغة، وإحاطةً بمقاصد الشريعة وكلياتها، وفَقِهَ واقع الناس، فمن لم يكن له علم بذلك كلّه، فلا يحلّ له أن يتكلّم في النصوص الشرعية، أو يفسّرها بذوقه وهواه، أو بعقله المجرّد عمّا سبق.
وخذوا مثالاً على ذلك: نصوص الجهاد: فقد وردت آيات تدعوا إلى كفّ الأيدي، والعفو والصفح عن الكافرين: ((كُفٌّوا أَيدِيَكُم وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)) (النساء: من الآية77). ((فَاعفُوا وَاصفَحُوا حَتَّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِه)ِ) (البقرة: من الآية109).
وآيات تدعوا إلى المقابلة بالمثل دون ابتداء: ((وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم وَلا تَعتَدُوا)) (البقرة: من الآية190).
وآيات تدعوا إلى المبادرة بالقتال دون قيد أو شرط: ((فَاقتُلُوا المُشرِكِينَ حَيثُ وَجَدتُمُوهُم وَخُذُوهُم وَاحصُرُوهُم وَاقعُدُوا لَهُم كُلَّ مَرصَدٍ,)) (التوبة: من الآية5). فمن أخذ بطائفة من هذه الآيات دون علم بالشر ع وفقه بالواقع، ونظر في الطائفة الأخرى من الآيات، فقد ضلّ عن سواءِ السبيل، ويوشك أن يحدث في الأمّة كارثة.
وكذا من يدعو إلى ما يسمّى بتحرير المرأة، فتراه يفتّش في نصوص الشر ع بحثاً عن نصٍّ, يدعم توجّهه، فإن لم يجد ذهب يفتّشُ في كتب التاريخ والأدب وغيرها، فما إن يجد نصّاً محتملاً ـ ولو ضعيفاً أو ليس له أصل ـ إلا عضّ عليه بالنواجذ، وراح يبني عليه أحكامه، وربّما حرّف بعض النصوص الصحيحة لتوافق هواه، ويدع النصوص الواضحةِ الصريحة التي تخالفُ ما يريد، أو يتعامى عنها. وقد يحدث ذلك ـ وللأسف الشديد ـ من بعض المنتسبين إلى الفتوى والعلم الشرعي، أو ما يسمّى بالفكر الإسلاميّ، فيقدّمون لأعداء الأمّة المتربّصين خدمات جليلة.
إذا فُهم هذا عُلم السرّ في تعظيم الله ـ عز وجل ـ لشأن العلماء العاملين، ورفعهم على غيرهم درجات، وجعلهم ورثة الأنبياء، فهل يفقهُ هذا من يجترئُ على النصوص الشرعية بحجّة التيسير، أو حرية الفكر، أو الثقة بالعقل المجرّد؟!. وكذلك أنصاف المتعلّمين، من ذوي الأسنان الحديثة، المجترئين على العلماء، المسفهين لآرائهم وهم السفهاء.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد