محاولات جديدة لتفتيت الكثافة الإسلامية في نيجيريا


بسم الله الرحمن الرحيم

 

حرّكت الدعوة الجديدة التي انطلقت من رموز سياسيّة وزعامات قبليّة في منطقة شمال نيجيريا بضرورة استقلال منطقة جديدة تسمى "إقليم الحزام الأوسط" للأقليات العرقيّة المسيحيّة، حّركت تلك الدعوة الكثير من المياه السياسيّة في اتجاهات متباينة0

وكانت دعوات أخرى سبقت تنادي إلى ضرورة مراجعة وضع الاتحاد الفدرالي للدّولة المركزيّة، من خلال عقد مؤتمر للمصالحة الوطنيّة يؤسس لدستور جديد للبلاد، ويأخذ في الاعتبار والحسبان مجموعة من المتغيّرات والمستجدّات على الساحة النيجيريّة، مع إعطاء الخريطة الجيو سياسيّة القبليّة المقترحة لتداول السلطة في البلاد أولويّة في الاعتبار، وطرحت نقاطاً عديدة على أجندة البحث والمداولة للمؤتمر، من بينها: مراجعة الشكل المناسب للاتحاد الفدرالي، ودراسة إمكانية منح الحكم الذاتي لبعض الأقاليم، وموقف الدولة من الدين وحدود علاقته بالسياسة والحكم في نيجيريا، وحدود تأثيره في صنع القرارات السياسيّة بالتّحديد، مع حسم مسألة علمانيّة الدولة في ظل التصارع المتنامي، وتصاعد موجات أعمال العنف بين المواطنين المسلمين والمسيحيّين.

وقد انطلقت تلك التساؤلات من التساؤل الرئيسي والجوهري في هذا الصّدد والذي يقول: كيف تحدث تناغم وانسجام داخليّ بين لعناصر التي يبدو أنّه من الصّعب التوفيق بينها داخل الكيانات القوميّة، وكيف يمكن التوفيق بين الشعوب ذات التواريخ المختلفة مع مخلّفات التحكّمية الاستعماريّة، وافتقاد الإرادة، وفشل الجيل الأول من القيادات في معالجة مجالات الخطأ في دولة تسير على الحدود التي ورثتها، وفتحت العديد من الخيارات، منها: أنّه يمكن أن تتّخذ عملية التناغم هذه مسارات عديدة تبدأ إحداها بالاعتراف بكيانات شبه مستقلة داخل حدود الدولة المركزيّة الحاليّة.

 

وقد تعززت دعوة التفكيك وتجدّدت بشكل صارخ على خلفيّة تصاعد موجات الاشتباكات الطائفيّة والقبليّة في أنحاء متفرقة من البلاد بدعوى أنّها نتيجة مباشرة لعدم قدرة العناصر القبليّة المكونة للاتحاد الفدرالي على تحقيق اندماج وطنيّ حقيقيّ وتعايش سلميّ فيما بينها، مما جعل أصحاب التيار اليساري يقولون: إنّ الاتجاه الوحدويّ والمركزيّة قد تمّت تجربتهما وفشلتا بشكل صارخ، وأنّه لم يدعم في الحقيقة الوحدة المنشودة بل دعم الفرقة والرغبة في الانشقاق.

 

وإذا كانت ردود الأفعال تجاه مسألة إعادة النظر في وضع الاتحاد الفدراليّ والدولة المركزيّة قد اتسمت بتباين كبير بين مواقف القوى والمؤسّسات والتنظيمات الوطنيّة المختلفة ما بين مؤيّد ومعارض ومتحفّظ،، وأعلنت إدارة الرئيس "أوباسيجو" في بادئ الأمر رفضها المطلق لأيّ محاولة أو دعوة لعقد مؤتمر وطنيّ، بل تعاملت مع رموز تلك الرأي بحزم و قمع واعتقال بدعوى خرق الأمن الوطنيّ وتعريض المصلحة الوطنيّة للمخاطر، ولم تمر سوى شهور قليلة حتى فجر (أنبروس علي) وهو جنرال عسكريّ متقاعد وزعيم سياسي بارز من جماعات الأقلية القبلية المسيحيّة في شمال البلاد، قنبلة جديدة بإعلانه "أنّ إقليم شمال نيجيريا لن تذوق الأمن والاستقرار حتى تستقل منطقة "الحزام الأوسط" عن البيت الشمالي الذي تسيطر عليه الأغلبيّة الهوساوية المسلمة" فسكان الحزام قد أخذوا على غِرة ليعيشوا داخل البيت الشمالي قهراً على الرغم من وضوح هويّتهم المسيحيّة، واختلاف أسلوب حياتهم الثقافيّة، فيجب عليهم الآن التحرك لتحرير أنفسهم وتولي قيادة نيجيريا".

منطقة الحزام المطالب بها ستضم ست ولايات هي(بلاتو وبانوي وغنغولا وكوغي ونيجر وترابا ونصراوا)، من أصل19 ولاية التى يتكون منها إقليم شمال نيجيريا، والذي يشكل أكبر الأقاليم السياسية الثلاثة، تتيع ست ولايات للإقليم الغربي وعشر ولايات للإقليم الشرقي، وتوجد الأغلبيّة والكثافة الإسلاميّة في الإقليم الشماليّ بنسبة تتجاوز 85% من بين مجموع سكانه، فيما تبلغ نسبة المسلمين في الإقليم الغربي 55% أما الشرقي فيمثلون أقليّة فيه بنسبة 10%، الا أن الدعوة الأخيرة تأتي ضمن المحاولات الرامية لتفتيت الإقليم الشمالي والتي تستهدف إضعاف القوّة التأثيريّة والنفوذ القوي اللذين يتمتع بهما الشمال، مما يجعل الاعتبار مرجحا لكفّة المسلمين، الذي يثير حفيظة الأقليّة المسيحيّة في أطراف الشمال، وبدؤوا يضربون على أوتار أكثر جذباً لكسب تعاطف محليّ و إقليميّ ودوليّ، تحت دعوى التهميش ومحاولة مسخ ثقافي لهُوياتهم.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المغزى الخطير الذي تستهدفه فكرة الاستقلال يكمن في أنّ الولايات التي سيضمها الحزام الأوسط يسكنها الأغلبيّة المسلمة من قبائل الهوسا والفلانى وغيرهما ممن ينتمون للثقافة الإسلاميّة، والذين تعتبرهم الأقليّة المسيحيّة(الذين يرون أنفسهم السكان الأصليين)عناصر مهاجرة ومواطنين من الدرجة الثانية، ولذلك يمتعضون من الأخذ بحكم الأغلبيّة والذي دائما يأتي في صالح المسلمين، كما أنّها تراهن على كوادرها المتعلمة في شغل المناصب والمراكز القياديّة في حالة التفتيت والاستقلال، كل ذلك على أمل تكون قوة موازية ومواجهة للزحف الإسلاميّ وموجة الحركات الهادفة لأسلمة الشارع النيجيري المتمثلة في تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّة التي انتشرت في البلاد مؤخراً.

لا شكّ أنّ هذه التحولات الجديدة على درجة كبيرة من الأهميّة في منظومة الحسابات السياسية التي تتعلق مسألة الاتحاد الفدرالي من جهة، ووضع الكثافة الإسلاميّة من جهة أخرى، حيث انطوت على إشارات في غاية من الحساسية، وكشفت أنّ كل الاحتمالات مفتوحة الآن في نيجيريا على جبهات مختلفة على الرغم من تناقضات الواقع، فالمؤشّرات كلّها تنحو إلى إمكان ظهور ترتيبات جديدة ومغايرة لما هو موجود في الوقت الحاليّ.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply