ينشر (المسلم) هذا الحوار مع الأستاذ صباح الموسوي (رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة الأحوازي) مع علم الموقع وإدراكه لطبيعة الحزب ومنهجه الذي يختلف فيه معه.
غير أن نشر هذا الحوار فيه تجلية لقضية ساخنة لا يعلم طبيعتها أكثر الناس، ومن أجل الإحاطة بظروفها من خلال الحديث مع رجل من أقرب الناس إليها، وأكثرهم انشغالاً بها، كما أن فيه وقوفاً مع المظلومين، وبياناً لمظلمتهم التي تغافلت عنها وسائل الإعلام.
ولا يلزم من نشر هذا الحوار الموافقة على كل ما فيه، كما أن مجرد نشره لا يعني تخلي الموقع عن رسالته في الدعوة لمنهج أهل السنة وبيان ما يخالفه، وإنما التزاماً بأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وإليكم نص الحوار:
هل تتوقعون أن تفضي هذه الانتفاضة القائمة إلى حالة مماثلة من حالات المقاومة قائمة في فلسطين والعراق؟
إن الظروف النفسية والوعي القومي لدى الشعب الأحوازي أصبحت مهيئة تماماً لمثل هذه الانتفاضة، وقد لعبت الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في العراق دوراً كبيراً في كسر الحواجز النفسية التي كانت سابقاً تحد من اندلاع انتفاضة أحوازية عارمة، ولكن الآن أصبح الوضع مختلف، وما ينقصنا هو الموقف العربي والدولي المساند لقضيتنا.
ما عدد الضحايا الفعلي لهذه الانتفاضة حتى الآن؟ وهل هذا الثمن الباهظ له ما يكافئه من المكتسبات؟
إن العدد الحقيقي للضحايا من شهداء وجرحى يعد بالمئات، وأما عدد المعتقلين فقد تجاوز الألف معتقل، بينهم العديد من الأطفال والشبان دون السادسة عشر، أما حول الثمن فلاشك أن لكل شيء ثمنه خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالحرية والكرامة والتي هي أغلى شيء لدى الإنسان الأحوازي، وما قدمناه لحد الآن يعد شيئاً قليلاً بالنسبة لما قدمته الشعوب الأخرى التي تسعى لنيل حريتها ومنها شعبنا الفلسطيني البطل، وأما بخصوص المكتسبات فقد كانت كبيرة جداً وأهمها أن القضية الأحوازية لأول مرة تأخذ هذا البعد الإعلامي والسياسي الواسع على المستويين العربي والدولي.
واقعياً إذا كانت الأحواز تحوي 90% من خام النفط الإيرانيº هل تديرون أنتم معركة خاسرة تعلمون بداية أنها غير واقعية لجهة استحالة تفريط الإيرانيين في موردهم الاقتصادي الأول باستقلال الأحواز؟
نحن أمام تجربة واقعية تجعلنا نصر على تحقيق إرادتنا، وهي أن الصهاينة المدعومين عالمياً بكل وسائل القوة كانوا يسعون لإقامة دولة تبلغ مساحتها من النيل إلى الفرات، ولم يكن وارد لديهم الاعتراف بشي اسمه الدولة الفلسطينية، ولكن نضال الشعب الفلسطيني وإصراره على تحقيق إرادته جعل الصهاينة يتراجعون عن أحلامهم الوردية، وجعلهم غير قادرين حتى على حماية أنفسهم في الأراضي التي احتلوها في عام 48م، وأقاموا فيها كيانهم المزعوم، وفي أفغانستان حين احتل الاتحاد السوفيتي البلاد وأراد أن يضمها إلى محمياته الشيوعية الأخرى انتفض في وجهه المسلمون حتى تمكنوا من هزيمته، وهو أكبر قوة في العالم آنذاك، وأمامنا الأمثلة عديدة أخرى، إذن ليس المسألة ماذا تريد إيران؟ أو أنها توافق أو لا توافق؟ المسألة تتعلق بمدى إرادة وعزيمة الشعب الأحوازي على تحقيق حريته، واسترجاع حقوقه الشرعية المغتصبة، والشاعر العربي يقول:
وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركاباً
ما الفارق العقائدي بين شيعة الأحواز وشيعة قم؟ وهل شيعة الأحواز ليسوا اثني عشرية؟ ولماذا كان يدفع الشيخ خزعل الخمس للحوزة إن لم يكن من الاثني عشرية؟
إن أغلب شيعة الأحواز هم من الشيعة الاثني عشرية ولا خلاف على ذلك، ولكن مفهوم التشيع لدى الأحوازي يختلف تماماً عما هو عليه لدى شيعة قم، فالتشيع لدى الأحوازيين هو مدرسة فقهية كسائر المدارس الفقهية الأخرى مثل الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، والأحوازيون لا يعدون التشيع بديلاً عن الإسلام كما يفعل غيرهم الذين أصبح لهم دين باسم التشيع، وأما لماذا كان يدفع الشيخ خزعل الخمس للحوزة فإن الشيخ - رحمه الله - كان أميراً، وما كان يفرق في دعمه ومساندته للمؤسسات الدينية بين مؤسسة وأخرى، فهو يدعم المراجع الشيعية العرب في الحوزة النجفية - وعلى الأخص منهم آل كاشف الغطاء، وبيت الجزائري -، كما أنه دعم المسيحيين السريان، وبنى لهم كنيسة في الأحواز، وساند الأزهر الشريف، ودعم المؤسسة المشرفة على الأقصى المبارك، وقصة دعمه وتقديمه الأموال للوفد الفلسطيني برئاسة الشيخ الحسيني الذي زاره في قصره بالمحمرة معروفة.
هل تؤمنون في حزب النهضة بالتقية؟
نحن نؤمن بالتقوى والخشية من الله، ولا يوجد شيء في قاموسنا اسمه التقية.
ما مدى التنسيق بين الحركات الاستقلالية الأحوازية؟ وإلى أي مدى يتم التنسيق مع السنة في الأحواز؟ وكم تبلغ نسبة كل من الطائفتين الدينيتين الأبرز في الأحواز؟
هناك اتصالات مستمرة بين مختلف الأطراف الأحوازية، وهذه الأطراف تسعى إلى المزيد من التشاور والتنسيق، وتتباحث في مسألة عقد مؤتمر قريباً - إن شاء الله - يحدد الأطر والمواقف المستقبلية، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن السنة في الأحواز هم عرب، وأبناء هذا الشعب، ولهم تضحياتهم وعطاءاتهم التي لا تقل عن عطاءات غيرهم، وهم جزء من جسد الحركة الأحوازية، وأما فيما يتعلق بنسبتهم فلا شك أنها الأقل عدداً، كما أنه لا يوجد ما يمكن أن يميز به بين السنة والشيعية في الأحواز.
في رأيك لماذا تحجم الدول العربية عن دعم القضية الأحوازية؟ ولماذا لم تتخذ الدول العربية موقفاً مسانداً لمطالب العرب الأحوازيين إبان الحرب العراقية / الإيرانية، والتي كانت وقتها تحمل الدول العربية إيران كل مشاكلها من تصدير الثورة إلى الإرهاب... إلخ؟
نحن لا نريد أن نتكلم عن المرحلة الماضية وما حملته من خذلان وتنصل عن الواجب تجاه الشعب العربي الأحوازي من قبل أغلب الدول والمنظمات العربية، نحن الآن أمام واقع جديد حيث يشهد العالم والمنطقة تغيرات كبيرة وهامة جداً، وكل طرف فيها أصبح يبحث عن مصالحه بشكل واضح وعلني بما فيها إيران صاحبة التقية المعهودة، صارت تتعاون بشكل علني مع من كانت تصفه بالأمس " بالشيطان الأكبر"، لذا نقول على العرب جميعاً أن يراجعوا حساباتهم، ويكفروا عن الماضي، ويمدوا أيديهم لشعبنا الأحوازي لكي يتمكن من استرجاع حقوقه المغتصبة، ولاشك إذا ما تم ذلك فإن فيها خير كبير للبلدان العربية قبل أن يكون للشعب الأحوازي.
هناك من يجد حساسية معينة من العرب السنة في التعامل مع الشيعة، ربما بسبب إرث تاريخي، ربما بسبب ممارسات بعض الحكام الإيرانيين وحلفائهم في العراق، إلى أي مدى أسهم النظام الإيراني في خلق هذا الانطباع، وإلى أي مدى تسعون لتغييره في الذهن السني، سواء بالنسبة لحزبكم، أو بقية الأحزاب المناضلة في الأحواز؟
لا أحد ينكر هذا الواقع الذي تسببت فيه الأنظمة الإيرانية على مدى قرون مضت، وما زالت تتسبب بالمزيد من التشنج الفكري والنفسي بين المسلمين السنة والشيعة من خلال زرعها لبذور التفرقة والفتن الطائفية كما هو حاصل في لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها من البلدان العربية والإسلامية الأخرى، ونحن بقدر ما ندين ونشجب هذه الفعل الإيراني البعيد كل البعد عن العقيدة الإسلامية ومصالح المسلمين فإننا أيضاً نلوم بعض المسلمين السنة الذين انجروا إلى هذه الفتنة التي أرادتها الأنظمة الإيرانية، حيث اختلط الأمر عند البعض من أهل السنة وجعلهم يحجمون عن دعم أشقائهم الأحوازيين بسبب تخوفهم من وهم زرعته إيران في آذانهم، وصاروا ينظرون إلى الشيعة على أنهم ملة واحدة، وهذا خطأ فاضح نتمنى أن يصحح، ونحن في حزب النهضة كوننا جماعة بنيت عقيدتها على تلازم العروبة والإسلام، وتسعى لتكون القيم الإسلامية هي التي تحكم سلوك وأعمال المجتمع الأحوازيº فإننا قد أولينا جانباً كبيراً لمسألة إزاحة هذه الالتباس الحاصل لدى إخواننا من أهل السنة، وسوف نستمر لتوضيح الفارق بين ثقافة ومعتقدات الشيعي الأحوازي والشيعة الصفوية التي تحمل الحقد الشعوبي الدفين في نفسها.
متى تتواجدون على نطاق أوسع على الصعيد الإعلامي؟
نحن دائماً نسعى لتطوير وسائلنا الإعلامية، ولا ندخر جهداً أو فرصة لإسماع صوتنا للعالم، ولكن أوضاعنا وإمكانياتنا محدودة، ونأمل أن نحصل على المساعدات التي تجعلنا نطور من هذه الإمكانيات، ونوسع من مساحة الصوت.
من أين تمولون عمليات الانتفاضة والمقاومة في الداخل؟ وكيف تقدمون المساندة لهم في الخارج وأنتم لا تملكون مصادر تمويل ظاهرة؟
الانتفاضة في بدايتها قد اعتمدت على دعمها الذاتي كما هو حال الحركات الأحوازية التي تعمل جميعها بدعم ذاتي، ونحن نأمل من أمتنا أن تساندنا لكي تستمر انتفاضتنا حتى نحصل على حقوقنا المغتصبة.
هل تعدون أنكم حققتم نجاحات نوعية في السنوات القليلة الماضية أكبر من ذي قبل تحفزكم لعمل يضع القضية الأحوازية في صدر نشرات الأخبار العالمية؟
بالتأكيد إننا حققنا هذه النجاحات على الرغم من الظروف العصيبة التي نعيشها، فالحركات الأحوازية قد خلقت المستحيل في السنوات الماضية قياساً بما تملكه من إمكانيات ذاتية محدودة، وقد تمكنت بفضل الانتفاضة الأخيرة التي قام بها شعبنا من جعل القضية الأحوازية تتصدر النشرات الأخبارية، وهي حالة جديدة نتمنى أن تستمر حتى تأتي ثمارها.
هل قمتم بتقديم نصائح أو شيئاً من التبادلية النفعية مع بعض دول العالم العربي تجعلكم تبغون تحقيق هدف مشترك من عملكم النضالي يخدم قضيتكم في ذات الوقت الذي يدفع عن دول عربية معينة مخاطر التمدد الثوري الإيراني؟
خلال لقاءاتنا بالمسؤولين العرب كنا نضعهم بما نراه من الدسائس والمؤامرات التي تحيكها السلطات الإيرانية ضد البلدان العربية، وحاولنا أن نبين لهم أهمية الأحواز ودورها في صد هذه المخططات، إلا أن هذه البلدان لم تع أهمية الخطر الإيراني إلا بعد أن تقع فيه، من جانب آخر نحن أصحاب قضية عادلة، ونرى أن دعمنا هو واجب إنساني وقومي على العرب، ولا حاجة أن تكون هناك تبادل مصالح معينة حتى يقوم العرب بأداء واجبهم تجاه شعبنا.
هل أنتم راضون عن مرور الذكرى الثمانين لاحتلال الأحواز على هذا النحو؟
بالتأكيد، فهذه المناسبة بقدر ما كانت محزنة لنا بقدر ما كانت مفرحةº لأنها فجرت انتفاضة طال انتظارها.
اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية حاضنة لمعظم الفصائل الفلسطينية، ما أهلها لأن تقتنص حقها من المجتمع الدولي بأن تكون "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني"، ما أسهم بدوره في انزواء مساحات واسعة من ميادين النضال للوصول إلى قدر من الاعتراف الدولي بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، متى تحذون حذوها؟
لو تهيأت لنا الظروف التي تهيأت للفلسطينيين آنذاك لتمكنا من تأسيس منظمة أو إطار معين يمثل قضيتنا أمام العالم مثل ما حصل لأشقائنا الفلسطينيين، ومنظمة التحرير الفلسطينية جاءت بعد مخاض طويل وعسير جداً، ونحن لحد الآن نسير في أول المشوار التي قطعته المنظمات الفلسطينية قبل أن تجتمع تحت خيمة منظمة التحرير.
كيف تقرؤون تهنئة الرئيس الإيراني خاتمي للبابا الجديد؟ وكيف تشاهدون يوم القدس في العاصمة طهران؟
إن رسالة الرئيس الإيراني إلى بابا الفاتيكان الجديد لها أكثر من معنى، خصوصاً بعد أن سمعنا ما صرح به هذا البابا حول ما أسماه الإرث المشترك بين المسيحيين واليهود، فرسالة خاتمي تأتي لتكشف عن عمق الرضا الذي أبدته إيران حيال توجهات زعيم الفاتيكان، والتي يفترض أن تكون هذه التوجهات متعارضة مع النظرة الإيرانية وتوجهاتها الإسلامية الثورية وسياستها المعلنة حيال القضية الفلسطينية، وأما مسألة يوم القدس فهو ليس أكثر من دعاية مسيسة تريد إيران من ورائه التغطية على احتلال الأحواز، والجزر الإماراتية الثلاثة، وأهداف سياسية أخرى، وهذا الشعار لا يختلف عن الشعار الذي رفعته إبان حربها ضد العراق وهو " تحرير القدس يمر عبر تحرير كربلاء ".
ما هي علاقتكم بحزب الله اللبناني؟ وهل أنتم أقرب للزعيمين الشيعيين محمد حسين فضل الله في لبنان، ومقتدى الصدر في العراق؟
على الرغم من تقديرنا لما قدمه رجال المقاومة الإسلامية في لبنان من تضحيات ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي اللبنانيةº إلا أنه لا تربطنا أية علاقة مع حزب الله في لبنان لكونه مع الأسف لا يعترف إلا بما تعترف به إيران، فهو ذائب في الولاء للنظام الإيراني، وولاية الفقيه، وبالتالي فإن هذا الحزب لا يعترف بشي اسمه شعب أو قضية أحوازية، أما ما يخص قربنا من الزعيمين الشيعيين السيد فضل الله والسيد مقتدى الصدر نقول: إننا نكن كامل الاحترام والتقدير لهذين الزعيمين على آرائهم الجريئة، ومواقفهم الشجاعة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد