ماليزيا أحد أهم النمور الآسيوية الستة، وهي تقع جنوب القارة الصفراء وتعد أكبر مثال لدولة إسلامية متقدمة علميّا وتكنولوجيًا وصناعيًا..يزيد حجم صادراتها عن مجموع ما يصدره العالم العربي باستثناء الثروة النفطية، وتحد ماليزيا غرباً إندونيسيا، وشرقاً مملكة بروناي، وشمالاً سنغافورة، وجنوباً تايلاند...
وتعتبر ماليزيا الدولة المسلمة الوحيدة في جنوب شرق آسيا التي ينص دستورها على أنها دولة إسلاميةº حيث تسكنها أغلبية مسلمة تزيد على 65% من سكان البلاد.. الذين يقدر عددهم بنحو 20 مليون نسمة، ومعهم أقليّة صينية تزيد نسبتها على 20% و15% هندوس، وقد حصلت على استقلالها عام 1957 عن بريطانيا التي استعمرتها عام 1867، وتتكون من أربع عشرة ولاية، ويهيمن المسلمون على النفوذ السياسيº بينما يقود الصينيون قاطرة الاقتصاد.
ولشهر رمضان في ماليزيا مذاق خاص جدًّاº فالشعب الماليزي شعب شديد التدين، ويقدس العبادات الإسلامية تقديسًا كبيرًا، وتعد البلاد من أكبر الدول التي توفد طلابًا إلى الجامعات الإسلامية.. على رأسها الأزهر الشريف.. رغم قلة تعداد سكانها بالمقارنة بدول إسلامية في جنوب آسيا.
لجنة استطلاع
وتبدأ طقوس رمضان باستطلاعِ الهلالº حيث تشكل لجنة برئاسة وزير الأوقاف والشؤون الدينية اعتمادًا على ظهور الهلال أو بالأسلوب الفلكي، ويمكن الاعتماد على ظهور الهلال في إحدى الدول المجاورة، أو دول الخليج العربي، وتسود أجواء من السعادة والبهجة عند الإعلان عن قدوم الشهر الكريم، ويرتبط قدوم الشهر المبارك بحدثين مهمين، حيث تقوم حركة تنظيف كاملة للمساجد في الأربع عشرة ولاية الماليزية، وتقوم النساء بشراء احتياجات الشهر الكريم من الأسواق المعدة لذلكº حيث تنظم الحكومة سوقًا كبيرة في إحدى ولايات الدولة بالتناوب كل عامº حيث عقدت هذا العام في ولاية جوهو رد وتمتلئ بجميع مستلزمات شهر رمضان والعيد بأسعار مدعومة.
وتعد شوربة الأرز (بوبور لامبوك) من أهم الأطعمة التي يتناولها الصائمون في رمضان ومعها مشروب (الكولاك) الذي يمد الصائم بالطاقة ويساعده على تحمل الظمأ طوال نهار رمضانº خصوصًا للمسلمين الذين يعملون في الصناعات الثقيلة، وعندما يعلن عن بدء الشهر المبارك تعلق لافتات كبيرة باللغة العربية والملاوية في الميادين الكبرى والمحلات والحوانيت يهنئ فيها ملك ماليزيا ورئيس الوزراء الشعب بقدوم شهر رمضان المعظم، وتسود أجواء من الروحانية والخشوع في رمضان، وتمتلئ المساجد عن آخرها ولا تغلق أبوابها طوال الأربع والعشرين ساعة في الشهر الكريمº حيث تشهد موجاتٍ, من تدافع المصلين لإقامة الصلوات الخمس خصوصًا العشاء والفجر، ولصلاة التراويح أهمية قصوى عند الماليزيين الذين يقبلون عليها بنهم وانتظام بالصلاة 21 ركعة كل يوم وتمتلئ المساجد عن آخرها أثناء صلاة التراويح ولا يوجد مكان لقدم من شدة الازدحام.
الطبق المفضل
ولا تقف مهمة المساجد في رمضان عند أداء الصلوات والاعتكاف فقطº بل تقوم إدارة المساجد بإمداد الصائمين بالمشروبات المحلاة وبعض التمرات وتقوم بعض المساجد وعلى رأسها مسجد (كمفونج بهارو) بتوزيع شوربة الأرز -الطبق المفضل لدى الصائمين- على أعدادٍ, كبيرة من الشعب حيث يتوافد آلاف المتطوعين قبل بداية شهر الصيام لإعداد هذه الشوربة.. التي تقدم مجانًا لملايين الصائمين قبل صلاة المغربº حيث يفطر الصائمون على شوربة الأرز والتمر ثم يؤدون الصلاةº وبعدها يذهبون إلى منازلهم لتناول طعام الإفطار الذي يهيمن عليه الأرز مع اللحوم والدجاج والعديد من الفواكه والحلويات، وتحرص الدولة لإكمال بهجة الشهر الكريم على تنظيم مسابقة رمضانية في القرآن الكريم حفظًا وتفسيرًا وفي أبواب السنة المطهرة والحديث والسيرة الشريفة، وترصد جوائز قيمة للفائزين يقوم رئيس الوزراء عبد الله بدوي بنفسه بتوزيعها عليهم.
تكافل إسلامي
وليست الدولة اللاعب الوحيد في الاهتمام بالشهر الكريم حيث يتطوع مئات الآلاف من المواطنين في العمل بلجان الزكاة لتحصيلها وتوزيعها على الفقراء قبل انتهاء الشهر الكريم، وبذلك تشيع أجواء من التكافل الاجتماعي، ولا يقف الأمر عند ذلكº حيث ينظم الأثرياء ورجال الأعمال موائد رمضانية في الميادين والساحات الكبيرة وتعج هذه الموائد بما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات، وعلى رأسها القهوة الخفيفة التي يقبل عليها الماليزيون بشغف.
ومما يكمل مذاق وبهجة الشهر الكريم في ماليزيا مراعاة المواطنين غير المسلمين من الصينيين والهندوس مشاعر أشقائهم المسلمينº حيث يمتنعون عن تناول الطعام بصورة علنية في نهار رمضان، ولا يكتفون بذلك، بل يشاركون المسلمين في الاحتفالات بالشهر الكريم، ومما يزيد من فرحة الصائمين أن الحكومة ورجال الأعمال وأصحاب المؤسساتº وأغلبهم صينيونº يقومون بتشجيع الصائمين على زيادة الإنتاج والعمل في شهر رمضان بمضاعفة حوافزهم ومكافآتهم، وكما تعطى للصائمين المجتهدين حوافز ومكافآت فهناك عقوبات رادعة على من يجاهر بالإفطار في نهار رمضان، حيث ينص القانون على حبس كل مفطر علانية في رمضان 6 أشهر، وتطبق العقوبة في كثير من ولايات ماليزيا وعلى رأسها ولاية مالاقا.
لقاء مع وزير الشؤون الدينية بماليزيا
وفي لقاء مع مندوب الإسلام اليوم أكد الدكتور عبد الحميد عثمان وزير الشؤون الدينية الماليزي أن شهر رمضان له مذاق خاص في بلاده يختلف عن كثير من البلدان الإسلاميةº حيث تستعد له استعدادًا خاصاً فتقوم الإذاعات الرسمية في البلاد بالإشارة إلى قرب حلول الشهر القدير، وتنمية وعي المواطنين الديني حول الطريقة المثلى لقضاء الشهر المباركº بحيث تضع جدولاً متميزًا يضم العبادات والشعائر والمنتديات الدينية والندواتº كما تنظم حلقاتٍ, كبيرةً جدًّا لقراءة القرآن في نهار رمضان كما ترصد جوائز من إدارة الشؤون الدينية لمن يجيد تلاوة وترتيل القرآن.
كما ينتشر الدعاة والأئمة في مختلف المساجد لزيادة ثقافة المواطنين الإسلامية، وينتشر هؤلاء بأعدادٍ, كبيرة كون بلادنا من أكثر البلاد ابتعاثًا لأبنائها للدراسة في الجامعات الإسلامية في الخارجº كما أن هناك أمرًا شديد الأهمية في الشهر الكريم، وهو قيام المواطنين المسلمين وغير المسلمين بتداول الهدايا في الشهر الكريم، وينظم غير المسلمين موائد إفطار لإخوانهم مشاركة لهم في احتفالاتهم، وهذا يضرب أكبر مثال للتعايش بين مواطني ماليزيا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد