ألبانيا.. نسيها المسلمون! ففتحت ذراعيها للأمريكيين!!!
في تقرير أوردته الإذاعة الهولندية يوم الجمعة الماضي، 8 (مايو) 2007مº قال مراسل الإذاعة في ألبانيا (تاين سادييه): "إن ألبانيا هي البلد الوحيد الذي يستقبل الرئيس الأمريكي "جورج بوش" بالترحيب! "، مشيراً إلى أن الألبان سيعيشون يوماً حافلاً بالترحيب اليوم الأحد، 10 (مايو)، عند زيارة "بوش" لهم.
بطبيعة الحالº لا يعد هذا الترحيب نموذجاً لما يلاقيه بعض الزعماء السياسيين -خاصة العرب- عند زيارتهم لمناطق في دولهم، حيث يخرج المواطنون بالقسر أحياناً! لمجاراة الزيارةº بل هو شكل حقيقي لسعادة الألبان.
ومن النماذج التي يمكن الإشارة إليها -هنا- فناجينُ القهوة، التي تباع بمبلغ 12 دولاراً، فقط لأن صورة "بوش" منقوشة عليها!!
كما تخفق الأعلام الأمريكية فوق الكثير من المنازل في العاصمة تيرانا!!!
في حين احتشد المئات في الحدائق والأماكن العامة، وهم يرتدون القبعات الأمريكية!!!
قد يتساءل البعض عن السبب الذي يجعل ألبانيا المسلمة -التي يؤلف المسلمون أكثر من 75% من سكانها- تفتح ذراعيها للأمريكيين، ولرئيسهم "بوش"، في زيارةٍ, هي الأولى من نوعها لرئيس أمريكي إلى هذا البلد الأوروبي.
سؤال يثير الكثير من الشجون، بعد سنوات طويلةº نذر فيها الآلاف أنفسهم، من دول إسلامية عديدةº لمساعدة هذا البلد، بالنفس، والمال، والعلم، والخبرة.
سنوات الشيوعية المؤلمة...
في سنوات مضت من عمر "يوغسلافيا" السابقةº لقي مئات الآلاف من المسلمين حتفهم على يد القوات الصربية، المدعومة من قبل الاتحاد السوفيتي سابقاً، وروسيا لاحقاً، لمطالبتهم بالاستقلال، والحكم الذاتي في كوسوفا.
وإذا كانت الدول العربية والإسلامية وقفت موقفاً موحداً من القضية الألبانية في كوسوفا، في مواجهة الحرب الشيوعية، التي شنتها القوات الصربية سنوات طويلة، بهدف تطهير العرق الألباني المسلم هناكº إلا أن الحدثَ الفصلَ كان تدخل قوات حلف "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي شنت حرباً في 9 (يونيو) 1999م، أدت إلى وقف المجازر هناك.
ومع أن قوات "الناتو" -بقيادة واشنطن- لم تتحرك إلا بعد 8 سنوات من القتل والتشريد في الإقليم المسلمº إلا أن الألبان -الذين ييؤلفون الكثرة الكاثرة في إقليم كوسوفا، فضلاً عنهم في ألبانيا- باتوا ينظرون إلى "الناتو" وواشنطن نظرة الولاء والفضل!!!
لا شيء يؤكد أن الولايات المتحدة تدخلت لوقف قتل وذبح المسلمين في كوسوفا، بدءاً من السنوات الطويلة، التي كانت فيها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون ينظرون بصمت إلى ما يحدث هناك، وصولاً إلى العديد من الحالات التي يُقتَل فيها المسلمون بيد الأمريكيين أنفسهم، أو بيد آخرين لا تحرك فيها الإدارة الأمريكية ساكناً!!
فقط هناك تأكيد واحد: هو أن أمريكا لم "تحرر! " كوسوفا إلا بسبب عدائها لروسيا التي كانت تدعم صربيا آنذاك، وتدعم إبقاء الإقليم المسلم في يد الصرب الشيوعيين.
الخلاف المحرك!!
واليوم، لم يذهب "بوش" إلى ألبانيا إلا للسبب ذاته الذي دفعه للتدخل عسكرياً في يوغسلافيا السابقةº فالخلاف مع روسيا هو المحك، وتوجيه رسالة إلى موسكو هو الهدف الأساس!
إذ إن "بوش" خرج لتوه من مؤتمر دول الثماني، الذي شارك فيه إلى جانب الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، في صِدامٍ, لم يهدأ، بدءاً من الملف النووي الإيراني، مروراً بالملف الكوسوفي ذاته، وصولاً إلى المشكلة الرئيسة وهي نشر القواعد الأمريكية الصاروخية في أوروبا، وهو ما جعل الرئيس الروسي ينذر بإطلاق حرب باردة جديدة ضد أمريكا، يقوم فيها بنشر صواريخ نووية إضافية، أثبتت التجارب قدرتها على النفاذ من الأنظمة الأمريكية الاعتراضية.
لذلك، فإن الزيارة إلى ألبانيا في مثل هذا الوقت، ترسل إلى موسكو رسالة: "أن لا تراهني على قدرتنا في تمتين العلاقات مع الأوروبيين"! خاصة أن ألبانيا صوتت -بأكثرية ساحقة- على الانضمام إلى حلف "الناتو"، وغليه، فإنها ستكون دولة مؤثرة في القرار الأوروبي، الذي يتزايد نفوذه وولاؤه لأمريكاº كلما بعدت المسافة بين موسكو وواشنطن.
المسلمون.. وألبانيا..
يتذكر المسلمون، وهم يتابعون أخبار وصول "بوش" إلى ألبانيا، واستقباله فيها استقبال الأبطالº ما كان في الأمس من هذه الدولة المسلمة، التي ظلت حتى عام 1943م الدولةَ الإسلاميةَ الوحيدةَ في أوروبا الغربية، بعد أن فتحها العثمانيون عام 1423م، ودخل فيها الإسلام لأول مرة..
وقد بدأت معالم الدولة الأوروبية المسلمة بالتآكل عندما تسلّم الشيوعيون الحكم فيها، بمجيء "أنور خوجه" للحكم، الذي مكَّن للشيوعية "الستالينية" في البلاد، وقضى على الحريات المدنية، وعزل ألبانيا عن العالم الخارجي، وعن العالم الإسلامي خاصة، وحارب الدين الإسلامي، وحوّل المساجد فيها إلى متاحف ومتاجر وملاهٍ, ليلية!!!
فبعد أن كانت ألبانيا تضم في جنباتها نحو 1667 مسجداً، بعضها بني على طراز عثماني مزخرفº لم يبق فيها سوى 270 مسجداً فقط.
ولم يتوقف المد الشيوعي -الذي خلّف وراءه جيلاً كبيراً من الملحدين العلمانيين- إلا حينما سقطت الشيوعية في عرينها السابق (الاتحاد السوفيتي)º فأصبحت البلاد مسرحاً للحركات التنصيرية واليهودية التي استغلت الوضع، وبدأت بإقامة معابد، ومراكز ثقافية، وملحقيات، ومدارس خاصةº لنشر النصرانية واليهودية هناك.
وإلى جانب محاولات بسيطةº لم يكن هناك حضور لافت للدعوة الإسلامية في ألبانيا، التي لم يتنبه لها المسلمون تنبٌّهاً كافياًº إلا عندما دخلت في صراع سياسي ثم عسكري مع صربياº دعماً لألبان كوسوفا المسلمين.
وفي الحرب التي استمرت نحو 8 سنوات، وقف آلاف المسلمين إلى جانب الألبان في كوسوفا وألبانيا، نصرة لهم، كما أقاموا معسكرات طبية وإغاثية، وهاجر البعض للجهاد هناك ضد الصرب الشيوعيين، وقدَّم الآلافُ أموالاً عبر تبرعات، فتحت بعض الدول العربية والإسلامية حسابات خاصة لها.
وبعد أن هدأت الأمورº استمر المسلمون في تقديم المعونات، من الخبرات العلمية، والطبية، والشرعية، والتربويةº بهدف دعم الإقليم الألباني، الذي لا يزال يطالب بالاستقلال عن صربيا.
وأمام المد ألتنصيري واليهودي الذي سبق المسلمين هناك زمناً ودعماً مالياًº باتت بعض المظاهر الإسلامية والإنسانية تتراجع، كالحجاب الذي بات يحارَب على الملأ هناك، إلى حد أن المسلمات المتحجِّبات صرن يُطرَدنَ من بعض المدارس، في مقابل انتشارٍ, كبيرٍ, للكنائس والمراكز اليهودية.
كما تشهد البلاد تضاؤلاً في الدعم المالي والوقفي للمؤسسات الإسلامية.. فعلى سبيل المثال: يشتكي المسلمون من الضعف المالي في المشيخة الإسلامية هناك، التي اضطُرَّت مراراً إلى بيع أراضٍ, وقفية لها إلى جهات نافذةº كان آخرُها القضيةُ التي أثارها -قبل أيام قليلة- مجموعةٌ من المسلمين هناك، أضربوا عن الطعامº احتجاجاً على بيع أهم أرض وقفية للمشيخة، تقع في قلب العاصمة تيرانا!!
وحسب التقارير التي نشرت الخبر، فإن الأرض -التي مساحتُها نحو 1600 متر مربع، المواجهة لمبنى البرلمان الألباني مباشرة- بيعت بنحو 33% من قيمة الأرض الفعلية.
ويعوّل المسلمون الدعاة على الطلاب الألبان، الذين يدرسون في بعض الدول الإسلامية، خاصة في المملكة العربية السعوديةº في تعزيز القيم الإسلامية للبلد، الذي يعاني من مشكلة أخلاقية كبيرة، خاصة في الملابس الفاضحة، التي باتت سمة للكثير من الفتيات والنساء هناك.
كما يعوّل البعض على المؤسسات الإسلامية، التي تقوم بجهود مشكورة، في دعم العقيدة الصحيحة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، برغم قلة الحيلة، وضيق ذات اليد، وتكالب الدول الغربية على المؤسسات الإسلامية الدعويةº بحجة (الإرهاب)، لمواجهة الدعم المادي غير المحدود، الذي يتلقاه المُنَصِّرون والمهوّدون هناك.
الموقف الأمريكي الداعم لألبانيا!
في حين لا تمتلك الدول الإسلامية أية وسيلة مؤثرة في القرارات الدوليةº لهوانها وتشتتها وغرقها في مصالح ضيقة، إلا من رحم اللهº لا يزال الألبان يعوِّلون على الأمريكيين في إخراج البلاد من المشكلة السياسية، المتعلقة باستقلال كوسوفا الألبانية عن صربيا الشيوعية!!
ففي مواجهة التصريحات الصربية والروسية النارية، التي كلَّل بها "بوتين" قمةَ الثماني قائلاً: "كوسوفا تؤلف جزءاً لا يتجزأ من صربيا، وإن هذا الوضع لا يمكن تغييره إلا برضا الطرفين! "º أطلق "بوش" في زيارته لألبانيا تصريحات طمأنت الألبان، وشدّت من عزيمتهم، قائلاً: "علينا أن نبدأ بالتحرٌّك... والهدفُ المنشود هو استقلال كوسوفا"..
وأضاف: " الاستقلال الأكيد يجب أن يكون في صلب أية محادثات مستقبلية تُجرى حول وضع الإقليم الصربي".
وقال: "السؤال هو: هل علينا أن نمضي في حوار لا نهاية له، بشأن أمر قد حسمناه؟! إنني قلق لعدم تحقيق الآمال في كوسوفا، ولذلك علينا دفع العمليّة إلى الأمام".
وخاطب "بوش" سكان الإقليم قائلا: "الأمر الهام بالنسبة لشعب كوسوفا هو: أن يعلموا أنّ الولايات المتحدة وألبانيا تدعمان الاستقلال دعماً قوياً".
ربما كان هذا أكثر ما تحتاجه ألبانيا في هذا الوقت بالذات، فهي قدمت مساعدات كبيرة للأمريكيين حتى الآن، وشاركت واشنطن في حربها ضد ما يسمى (بالإرهاب)، داخل وخارج أوروبا، وشاركت في القوات الدولية في أفغانستان والعراق، وقبلت -على خلاف جميع دول العالم الأخرى- استقبال معتقلين من غوانتانامو، ينتمون إلى دول مختلفة، وهو ما زاد في قوة العلاقة بين تيرانا وواشنطن، على حساب إقصاء المد الإسلامي، الذي لم يبلغ مبتغاه بعد.
من المفارقات العجيبة: أن "بوش" خرج من إيطاليا (النصرانية) -التي زارها قبل ألبانيا مباشرة- محمّلاً بالكراهية، ومودَّعاً بالمظاهرات المناوئة له، وبالاحتجاجات التي رافقت زيارته كاملة، في حين استُقبَِل في ألبانيا (المسلمة) استقبالَ الأبطال! وهذا ما جعل معظم الصحف العالمية تكتب عن هذه الزيارة، وهذا الترحيب، على نحو لافت للنظر.
ترى..هل نضع اللوم على الحكومة والشعب في ألبانيا؟؟ أم على المسلمين الذين يكادون يفقدون دولة أخرى لهم في أوروبا؟؟!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد