مظاهرات في اليمين
إذا كانت قضية منع الحجاب في فرنسا التي ما يزال رموزها السياسيون يعتقدون أنها بلد الحريات الفردية والجماعية، مستندين في ذلك إلى شعار ثورة 1789م: "حرية، مساواة، أخوة" لا تزال حتى الآن تثير الكثير من التساؤلات والجدال، لدرجة أن عدداً كبيراً من المحللين السياسيين هناك لا يتورعون عن الجزم أنها ستكون المبرر، الذي يعتمده تنظيم القاعدة لتنفيذ هجوم عدواني، على شاكلة ما وقع في لندن 7-7 أو مدريد 11-3، خصوصاً بعدما أُعلن أخيراً تنظيم "الجماعة الإسلامية للدعوة والقتال الجزائرية" التحاقه بتنظيم القاعدة ومباركة الرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري، الذي دعا الذراع الجديدة لضرب المصالح الأمريكية والفرنسية في المنطقة..
توازنات انتخابية: وتشير تطورات الأحداث في الداخل الفرنسي إلى مزيد من التوترات المستقبلية التي سيواجهها مسلمو فرنسا، بالرغم من اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في مايو 2007م، وقوة الجالية الإسلامية التصويتية، التي تمثل نحو 10% من مجموع الأصوات الانتخابية، بما يسيل لعاب القوى السياسية للحصول على تأييدهم..
ومن جهة ثانية ستبعد التوجهات اليمينية المتصاعدة، فرنسا كثيراً عن القضايا العربية بما يفرض واقعاً أكثر تضييقاً على مسلميها منذ عهد الجنرال ديجول..
وفي هذا الإطار فقد تجلى ذلك النهج الجديد في موقفها الأخير غير المعتاد خلال الحرب الصهيونية الأخيرة على لبنان، فلم تختلف مواقف الحكومة الفرنسية كثيراً عن موقف البيت الأبيضº على الرغم من بعض نقاط "عدم الانسجام" في بداية الأحداث سرعان ما انتهت، بل وتماثلت المواقف في المعركة الدبلوماسية بالأمم المتحدة.
خلق العداوات
والمتابع للشأن الفرنسي يستطيع قراءة ملامح السيناريوهات المستقبلية قبل انتخابات مايو 2007م، حيث بدأ الهجوم السافر ضد الجالية المسلمة، ما يؤكد أنها ستكون ورقة يمينية ومادة للدعاية الانتخابية يضعها اليمين ضمن برامج دعايته الانتخابية..
ولعل كتاب "مساجد راوسييه" ل"فيليب دو فيلييه" زعيم حزب "الحركة من أجل فرنسا"، وهو حزب يميني الذي أصدره خلال شهر أبريل 2006م يؤكد ذلك الطرح، حيث هاجم فيه ما أسماه: "الهفوات الأمنية الخطيرة في مطار رواسييه في باريس " أكبر مرافئ فرنسا لا لسبب سوى لأن عدداً من بين الموظفين في هذا المطار من ذوي الأصول المسلمة والمغاربية تحديداً، فضلاً عن تهجمه على ظاهرة كثرة المساجد في هذه المنطقة الباريسية بطريقة قال إنها "فوضوية وسرية".
دعوات مخالِفة للدستور الفرنسي
ومن آخر تجليات اليمين الفرنسي المتطرف، الذي يمثله "فيليب دو فيلييه"، حوار أجرته معه صحيفة "لوفيجارو" الباريسية في أوائل نوفمبر الجاري، قال فيه: "على فرنسا أن تحظر الخمار في الأماكن العمومية". وواضح من هذا الكلام أن منع الحجاب الإسلامي لم يعد كما كان عليه الحال سابقاً، مطلباً تفرضه المؤسسات التعليمية و الإدارية فحسب.
ويواصل "فيليب" بث سمومه قائلاً: "إن الأنباء اليومية توضح لنا أن "الطائفية" الإسلامية ما انفكت تتقدم في فرنسا بشكل محير، وحينما نقرأ الصحف يمكننا أن نقرأ مثلاً أن الأستاذ "روبير روديكير"(1)، بات محل تهديد بالقتل لأنه كتب مقالاً انتقد فيه الإسلام.. ".
حظر الحجاب
أما عن الكيفية التي يتصور "دو فيلييه" أنها ستكون كفيلة بمواجهة المد الإسلامي فيقول: "يتعين على فرنسا أن تفرض قيمها، وعلى المسلمين أن يتقيدوا بقيمنا الحياتية واحترام قوانين الجمهورية".
ومن ثم يدعو "دو فيلييه" لمنع ارتداء الحجاب في الشوارع والأماكن العمومية، بزعم أن الحجاب هو رمز اضطهاد المرأة ودليل على أن كرامتها منتهكة"، متناسياً أن إلزام المرأة المتحجبة بنزع حجابها، هو اضطهاد وتعدٍّ, صارخ على حريتها، علاوة على أن الزعم بأن كرامتها مهدورة لا يصمد أمام تلك الدعاوى اليومية التي ترفعها بعض النساء في فرنسا من غير المتحجبات، ضد حوادث الاغتصاب والاعتداءات الجسدية وما إلى ذلك من آفات يزخر بها المجتمع "المتحرر جداً".
وقد اعتمد ذلك اليميني الجديد "دوفيلييه" في تصريحاته التي تصطدم بالتشريعات الفرنسية وتوصيات المجلس الدستوري المتعلقة بضمان الحريات الدينية على بعض الإجراءات الاستثنائية النادرة في بعض المقاطعات الأوربيةº مثل: مقاطعة "لافلاندر" البلجيكية التي تمنع لبس الحجاب في الطرق العمومية.
ورغم تلك السموم التي يبثها "دو فيلييه" والتي قد تشعل الأوضاع الأمنية وتثير كثيراً من الأزمات في المجتمع الفرنسي، يقول عن نفسه: "لا يجب الخلط هنا بين الذي يعمد إلى إيقاد النيران وبين رجل الإطفاء" متصوراً نفسه بهذه السلوكيات "الفجة" رجل اللحظة الحاسمة، مثمناً دوره في منع وقوع المشكلات المستقبلية والنزاعات الاجتماعية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد