كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر تأثير كبير على أوضاع المسلمين في جمهورية سلوفاكياº إذ سعى المسلمون - والذين لا تتجاوز أعدادهم عشرة آلاف نسمة من مجموع سكان البلاد الذين يصل تعدادهم إلى خمسة ملايين نسمة - إلى محو الصورة السلبية عنهم التي استقرت لدى الرأي العام في سلوفاكيا.
وقد تحرك العشرات من شباب وكوادر الحركة الإسلامية في سلوفاكيا تحركات نشطه عبر المؤسسة الإسلامية في يراتيسلافا، والاتحاد العام للطلبة المسلمين، والمسجد الموجود في العاصمة لانتزاع اعتراف رسمي من الدولة بالإسلام كدين رسمي بالبلاد، وهو ما يترتب عليه حصول المسلمين على جميع حقوقهم.
ومن الجدير بالذكر أن سلوفاكيا إحدى دول وسط أوروبا، حيث يحدها من الشمال الغربي جمهورية التشيك التي شكلت معها لمدة سبعين عاماً ما عُرف سابقا بـ"تشيكوسلوفاكيا" قبل أن يحدث الانفصال التاريخي بينهما عام 1993، ومن الشمال بولندا، ومن الشرق أوكرانيا، ومن الجنوب المجر، ومن الجنوب الغربي النمسا، ويعيش في سلوفاكيا أغلبية سلافية نصرانية في حين تتواجد أقليات من اليهود والمسلمينº إذ عانت البلاد - شأنها شأن جميع دول أوروبا الشرقية - من الشيوعية التي فرضت قيوداً على الأديان وخصوصاً الإسلام، وحوّلت المساجد والمدارس الإسلامية إلى مخازن للغلال، ومتاحف، ومارست ضغوطاً على الجميع حتى بزغت شمس التحوّلات التاريخية في سلوفاكيا التي أنهت سيطرة الشيوعيين على مقاليد الحكم.
وتجدر الإشارة إلى أن الإسلام قد دخل سلوفاكيا عبر الفتح التركي الذي استمر لأكثر من (150) عاماً، غير أنه لم يفلح في تحقيق نتائج جيدة في سلوفاكيا بالمقارنة بما حدث مع دول أوروبية أخرى، وعن طريق بعض الدعاة القادمين من المجر المجاورة، وكذلك عبر الوجود الطلابي المكثف لطلاب المسلمين في الجامعات التشيكية إبّان الاتحاد مع سلوفاكيا، وقد ساهم هذا الوجود في وضع أساس الوجود إسلامي في سلوفاكيا، كما لعبت الزيجات المتبادلة بين المسلمين والسلفاك دوراً مهماً في انتشار الإسلام هناك.
على الرغم من قدم الوجود الإسلامي في جمهورية سلوفاكيا فإن الدين الإسلامي غير معترف به حتى الآن، مما يشكل صعوبات شديدة أمام نيل المسلمين لحقوقهم في هذا البلد، فغياب الاعتراف الرسمي بالدين الإسلامي وقف حائلاً دون إنشاء مساجد جديدة أو مراكز إسلامية لخدمته في ظل تداعي أحوال المسجد الوحيد الموجود في العاصمة يراتيسلافا، فضلاً عن أن هناك رفضاً شديداً لوجودهم في سلوفاكيا، متأثراً بالحملات القوية التي شُنّت ضد المسلمين، ونظرت إليهم بصفتهم إرهابيين يشكّلون دعماً للقاعدة وزعيمها أسامة بن لادن.
مخاوف من الوجود الإسلامي:
وقد لعب هذا التوجّس من الوجود الإسلامي دوراً مهماً في رفض طلب الجالية المسلمة في سلوفاكيا ببناء مركز إسلامي، على الرغم من امتلاكها لقطعة أرض تزيد مساحتها على ألف متر، وساقت الجهات الإدارية حججاً واهية لتسويغ موقفها غير المنطقي.
وزاد من تعقيد وضع المسلمين في سلوفاكيا عدم وجود هيئة إسلامية تشرف على شؤون المسلمين، وتسعى لحل مشاكلهم أمام سلطات الدولة الرسمية، ومع هذا حاول المسلمون تحويل مسجد براتسلافا المتواضع إلى هيئة تتحدث باسم المسلمين حتى لو كانت غير رسمية، ولا تقف مأساة مسلمي التشيك عند هذا الحد بل إن الطين يزداد بلة عندما يصطدم المسلمون في سلوفاكيا بوجود معارضة شعبية مناهضة لوجودهمº إذ لا يحمل السلوفاك ذكريات طيبة عن الوجود العثماني في البلاد، والذي استمر لأكثر من (150) عاماً لم ينجح خلالها في أسلمة قطاع كبير من البلاد، كما حدث في ألبانيا والبوسنة، ومقدونيا ورومانيا، والمجر وغيرها من البلدان، وذلك بسبب التعصب الشديد من قبل الشعب السلوفاكي لهويته النصرانية سواء الكاثوليكية أو الأرثوذكسية.
وتزداد المسألة صعوبة حين ندرك أن هناك موقفاً مسبقاً لدى السلوفاك ضد أي تجمع إسلاميº إذ ينظرون إليه كأنه قنبلة موقوته تستعد للانفجار في أي لحظة تجاه المواطنين السلوفاك المسلمين، ويستغل اللوبي الصهيوني هذا الموقف المسبق في التحريض على الوجود الإسلامي المحدود في سلوفاكيا، غير أن الأمر لا يبدو كله سيئاً، فللقضية وجه إيجابيº فهذا الرفض للوجود الإسلامي لم يوجد حالة من اليأس في أوساط المسلمين، بل على العكس حفز الكثير منهم على السعي لإزالة هذه الصورة المشوهة عنهم، ونقل صورة نقية عن الإسلام وثقافته، محذّرين من سوء الفهم، والصورة النمطية المطبوعة في عقول السلوفاك عن الإسلام، ونظّمت الجالية المسلمة هناك العديد من الفعاليات والبرامج طوال السنوات السابقة، ودشّنت موقعاً على شبكة المعلومات الدولية تحدث فيه عن الإسلام والمسلمين في سلوفاكيا باللغتين العربية والسلوفاكية.
صحوة إسلامية:
وتواصلت جهود مثقفين مسلمين لإيجاد نوع من الصحوة الإسلامية عن طريق ترجمة العديد من الكتب الإسلامية من اللغة العربية واللغات الأوروبية إلى السلوفاكية، وحرص المسلمون كذلك على إقامة معارض إسلامية تهدف إلى التعريف بالإسلام، والرد على أسئلة واستفسارات زائري المعرض.
واختار مسلمو سلوفاكيا مجمع "اوبارك" - الذي يُعدّ واجهة لاستقطاب مواطني البلاد والسياح القادمين من الدول الأوروبية - مقراً لإقامة المعرض الذي يضم (30) لوحة جدارية تتضمن شرحاً موجزاً عن الإسلام والقضايا ذات الصلة، وعلى رأسها مكانة المرأة في الإسلام، وترجمات لمعاني القرآن باللغات الحية، علاوة على فنون الخط العربي، كما وُزّعت على هامش المعرض أعداد كبيرة من المواد التعريفية بالإسلام والتي حظيت باهتمام الرأي العام السلوفاكي.
كما تحاول عدد من المنظمات والجمعيات الإسلامية دعم نشاط الأقلية المسلمة، وتقديم العون لأبنائها، ومن بين تلك المنظمات جمعية الوقف الإسلامي، والاتحاد العام للطلبة المسلمينº إذ يعملون على تحسين ثقافتهم الدينية، وتنمية وعيهم بقضايا الأمة الإسلامية، وتبصيرهم بالأساليب المناسبة لتحسين صورة الإسلام.
مؤامرات صهيونية:
وأياً كانت الأوضاع في سلوفاكيا فإن الوجود الإسلامي في هذا البلد الشرقي سينمو باطّراد، ولن تنجح المؤامرات الصهيونية، أو الرفض الشعبي لهذا الوجود في إصابة الجالية الإسلامية باليأس، فالنماذج الناجحة التي يتمتع بها المسلمون المقيمون في سلوفاكيا، ووصولهم إلى مناصب رفيعة المستوى، والخطاب الفاعل الجديد الذى تبنّوه في الفترة الأخيرة، والذي يدور حول درء الشبهات عن الدين الحنيف، والتأكيد للشعب السلوفاكي أن الوجود الإسلامي فاعل ويخدم مصالح البلاد، وأن المسلمين لن يكونوا أبداً شريكاً في أي عمل أو تصرف يضر بالمجتمع السلوفاكي، ويعتقد الكثيرون أن هذا الخطاب سيؤتي ثماره في المستقبل، خاصة مع انضمام سلوفاكيا للاتحاد الأوروبي، وتوقيعها على اتفاقيات تحافظ على حقوق الأقليات الدينية، وأهمها الاعتراف بالإسلام كدين رسمي، وفتح الباب أمام الجالية المسلمة للحصول على دعم من الدولة وإنشاء مدارس ومساجد ومراكز إسلامية ستكون مهمتها الأولى الحفاظ على هوية مسلمي سلوفاكيا
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد