الشرق ق/ هالتني واستفزت مشاعري تلك الدراسة التي عرضها الكاتب سليمان قناويº والتي تناول فيها أزمة العرب والمسلمين في المناهج الدراسية الأمريكية، وهى الدراسة التي كشفت عن حقائق مفزعة حول مضمون المؤلفات والكتب المقررة على طلبة المدارس الابتدائية والثانوية في الدول الغربية، وهى المناهج التي تشكل وجدان التلاميذ في المراحل التعليمية الأولى، وتزرع فيهم أفكاراً ومفاهيم وقيماً يصعب انتزاعها من وجدان هؤلاء الصبية والشباب، وقد أكدت الدراسة أن هؤلاء التلاميذ يتأثرون بما يقدمه لهم المدرسون من تفسيرات ومعان تحث على كراهية العرب والمسلمين، وازدراء دينهم ونبيهم، وذلك من خلال المقولات غير الدقيقة وغير المتوازنة التي يتم تقديمها على أنها حقائق يتم فيها عمليات البتر والتحريف لحقائق هذا الدين ومعطياته الفكريةº بأسلوب يجانبه الصواب، ويخلو من الذوق أو الكياسة، وتقدم المسلمين على أنهم أعداء للعالم كله، ومثيرون للحروب، ويشكلون خطراً على الديمقراطية، يؤكد ذلك ما قاله العالم التربوي المعروف لوثر ايفانز حين قال: "إن الكتب المدرسية والمدرسين يمكن أن يكونوا بذرة لمحصول في سوء الفهم لمختلف أنماط الحياة في الدول الأخرى".
وفى هذا الصدد قدم الدكتور إياد القزاز الخبير الأمريكي العربي بحثاً علمياً عن الكتب المدرسية التي تتناول العالم العربي، وقد اعتمد القزاز على ثماني دراسات تناولت العالم العربي والإسلامي قام الباحث في هذه الدراسة بتحليل مضمون 20 كتاباً مدرسياً تستخدمها المدارس الثانوية الأمريكية، وقد صورت تلك الكتب الإسلام على أنه دين لا يقبل التسامح، وأن القرآن الكريم من تأليف النبي محمد، كما كشفت هذه الدراسة عن الخلط الذي تناولته هذه الكتب بين العرب والمسلمين، وتمجد معظم هذه النصوص التقدم الإسرائيلي والدولة اليهودية دون أن تشير للإنجازات العربية في مختلف ميادين الحياة الإنسانية.
وتناولت الباحثة عدوية العلمى فى دراسة منهجية تعد الأولى من نوعها صورة العرب والمسلمين في الكتب المدرسية المقررة على طلبة المرحلة الابتدائية، وقد اشتملت دراستها على 58 كتاباً مدرسياً يستخدمها المدرسون في مختلف الصفوف من رياض الأطفال حتى الصف التاسع، ورصدت الباحثة حملات التشويه التي تتضمنها هذه الكتب عن صورة الدين الإسلامي.
وقد ركزت هذه الكتب على خصائص الروح القتالية في الإسلام، وأهملت فلسفة هذا الدين في السلام وثوابته وأركانه وجوانبه المختلفة، وجاءت معالجتها للقومية العربية مشوهة من خلال تصوير خصائصها العدوانية المزعومة للإنسان العربي.
أما الباحثون وليام جريسو من جامعة كلورادو، وإياد القزاز من جامعة كاليفورنيا، ودون بيرتبز من جامعة نيويورك، ومايكل سليمان من جامعة كنساس، وفرحات زيادة من جامعة واشنطن، فقد قاموا بإجراء دراسة على 80 كتاباً من الكتب المقررة على المدارس الثانوية بالولايات المتحدة وكندا، وقد لاحظ الباحثون أن هذه الكتب تبرز إنجازات إسرائيل، وتتجاهل منجزات العرب والمسلمين، وتشير إلى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي بها نظام ديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط، وقد تناولت هذه الكتب الدين الاسلامى بصورة مبتسرة.
وقد وجد الباحث آل كيه كين في دراسة أجراها واشتملت على ثلاثة أجزاء أن معالجة قضايا الشرق الأوسط في كتب التاريخ المدرسية تزخر بوقائع غير دقيقة، وافتراضات مشكوك فيها، وحالات حذف كبيرة بهدف تكريس المفاهيم الخاطئة عن الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية، لاسيما فيما يتعلق بتعدد الزوجات، والرق، دون أن تذكر الضوابط التي وضعها القرآن الكريم لهذه الممارسات.
وأكد الباحث أن الكتب المدرسية تؤكد على أن الدين الاسلامى قد انتشر بقوة السيف، هذا في الوقت الذي تجاهلت فيه أساليب الدعوة والإقناع بالحكمة والموعظة الحسنة التي استغرقت قروناً طويلة، والتي أدت إلى انتشار الإسلام، وقد تناولت هذه الكتب كذلك التاريخ الحديث للدول الإسلامية بصورة سلبية، حيث اتهمت المسلمين بأنهم مثيرو الاضطرابات، ويضمرون الكراهية الشديدة للأجانب، كما تصف القومية العربية بأنها لون من التعصب المحموم المدمر للنفس وللغير.
وتبرز كتب الجغرافيا المقررة على طلبة المدارس سيادة عنصر البداوة في الوطن العربي دون أن تشير إلى عمليات التحضر والتحديث التي تجرى في الوطن العربي حالياً.
هذه التغيرات الاجتماعية لا تلقى اهتماماً يذكر في هذه الكتب، هذا في الوقت الذي تحظى فيه إسرائيل بمعاملة متميزة في الحديث عنها، والمساحة المخصصة لها في كل كتاب مدرسي، وتشير هذه الكتب كذلك إلى الإنجازات الإسرائيلية التي أسفرت عن تحويل الصحراء إلى جنة خضراء، وصورت إسرائيل على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة دون سائر البلاد العربية المحيطة بها، هذا في الوقت الذي أغفلت فيه حقوق الشعب الفلسطيني.
وقد كشفت الدراسة التي أجراها الدكتور إياد القزاز الباحث في العلوم الاجتماعية عن حجم المغالاة في تأكيد البداوة في الوطن العربي، والخصائص السلبية لهؤلاء البدو منها الإغارة، وعمليات السلب والنهب، والوضع المتدني للمرأة، وتعدد الزوجات، وانتشار الأمية، دون أن تذكر شيئاً عن الخصائص الإيجابية لهم مثل: الأمانة، وكرم الضيافة، وتسامح المسلمين مع اليهود والنصارى، وهى الصفات المعروفة عنهم، وذلك بهدف تشويه صورة الإسلام في الغرب.
وفى دراسة موسعة أجراها الباحثان إياد القزاز وعفيفي وشاحي تضمنت تلخيصاً لأربعة وعشرين كتاباً مدرسياً في الجغرافيا والتاريخ والعلوم الاجتماعية المقررة للمدارس الابتدائية والثانويةº استخدم فيها الباحثان أسلوب تحليل المضمون بشكل موسع، وقد أسهبت هذه الدراسة في تناول الحياة البدوية العربية على الرغم من أنهم يمثلون أقل من 5 % من مجموع السكان العرب، وأكدت على سيادة النزعة العسكرية في الحياة العربية، وأبرزت تعدد الزوجات كأحد الثوابت الرئيسية في الحياة العربية، كما تناولت ما أسمته بالوضع المتدني للمرأة المسلمة، مؤكدة أنها تتمتع بحقوق ضئيلة وسلطة متدنية في اتخاذ القرار، كما أنها مجبرة رغم أنفها على طاعة زوجها في كل شيء، ولا يجرى تشجيعها على التعليم، أو الالتحاق بالمدارس.
وصورت هذه الدراسة العرب على أنهم شعوب متخلفة، تعيش في أحياء قذرة، ومدن وقرى تغطى بملايين الذباب الذي يتكاثر في هذه الأحياء والمجارى المكشوفة التي تلوث الأرض ومرافق المياه، وفى الوقت الذي تؤكد فيها الكتب المدرسية على التخلف دون أن تذكر إسهامات علماء المسلمين في الحضارة الغربية فإنها تصور إسرائيل باعتبارها الدولة العصرية الديمقراطية الوحيدة الشبيهة بالدول الغربية.
وتناول الباحث اس - ايه. جرار في دراسة منهجية قام فيها الباحث بتحليل 43 نصاً في مجال الدراسات الاجتماعية والشؤون العالمية والجغرافيا وتاريخ العالم استخدم المؤلف فيها الأسلوب الكمي والنوعي في التحليل.
وهذا يعنى أن الكتب المدرسية تركز على الوطن العربي حتى لو أشارت إلى الشرق الأوسط في عناوين الدراسات التي تضمنتها هذه الكتب، وتكشف الدراسة عن قصور الكتب المدرسية الأمريكية في تغطية قضايا العرب والمسلمين، وسلبية وعدم دقة وموضوعية هذه الكتب، وارتفاع نسبة الحذف والتحيز والصور المشوهة التي تضمنتها عن الوطن العربي.
وتكشف الدراسة التي أجرتها الباحثة عدوية العلمي عن سوء تناول العالم العربي في كثير من الكتب التي تم اختيارها لأطفال المدارس الأمريكية من خلال استبيان يستهدف استخلاص المعلومات العامة التي تضمنتها الكتب المدرسية، وأشارت النتائج التي خلصت بها هذه الدراسة إلى أن الغالبية العظمى من المدرسين قد تلقوا تدريباً ضئيلاً كما أنه ليست لهم خبرة تذكر بشؤون المنطقة العربية، وأن غالبية المعلمين يعتمدون على الكتب المدرسية وحدها، وقد أجاب 60 % من المبحوثين بأن الكتب المدرسية منحازة إلى اليهود، وأجاب %48 منهم أن المعلومات التي تضمها هذه الكتب المدرسية تميل نحو إسرائيل، وأبدى عدد كبير من المبحوثين تحيزاً واضحاً ضد العرب والفلسطينيين والأتراك.
وقد كشفت الدراسة أن هؤلاء المعلمين يربطون بين العرب وصفات الوحشية والبداوة، والتخلف وعدم التدين، وعدم التنظيم، وكراهية إسرائيل، هذا في الوقت الذي ربطوا فيه بين اليهود والتدين.
أما الباحث مايكل سليمان الذي أجرى دراسة على مدرسي تاريخ العالم في المدارس العليا بانديانا ونيويورك وكلورادو وكنساس وكاليفورنيا وبنسلفانيا الثانوية فقد وجد أن معظم المدرسين ينقصهم الوعي، ويسيطر عليهم التحيز والقوالب الجامدة، فقد ربطوا بين العرب والنفط، والصحراء والتعصب.
وفى الوقت الذي تحفل فيه الكتب المدرسية في المراحل الابتدائية والثانوية في الولايات المتحدة وكندا بهذه الصور السلبية للعرب والمسلمين تشهد بذلك اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للعلاقات العامة A I PA التي قدمت وثيقة سرية شنت فيها حملات مكثفة في مواجهة كل من يقدم منهجاً تعليمياً منصفاً في المدارس والجامعات، ويحاول فيه أن ينصف العرب والمسلمين، ويفكر في انتقاد إسرائيل في حرم الجامعات الأمريكية، من أجل هذا حدثت ضغوط شديدة، وحملات دعائية مكثفة ضد إنشاء برامج دينية عربيةº بحجة أنها سوف تتعاطف مع العرب ضد إسرائيل، من أجل هذا حوربت المراكز العربية والإسلامية كما تم التشكيك في مصادر المنح الدراسية العربية الأمريكية، وتم كذلك استبعاد العرب الأمريكيين الكبار في الجامعات أو الهيئات العامة من إلقاء المحاضرات والخطب لاسيما الفلسطينيين الأمريكيين، والتقليل من مصداقيتهم وشرعية حججهم.
وقد رصدت اللجنة العربية لمكافحة التمييز ADC مجموعة من الصور النمطية السلبية الموجودة داخل مناهج التعليم الأمريكية عن العرب والمسلمين، وتصف هذه الصور العرب جميعاً بأنهم عبيد الرمال، وراكبو الجمال، وأنهم سفاحون ومحاربون ومتطرفون، ومغتصبون، ومضطهدون للمرأة، كما تصف هذه الصور الفلسطينيين بأنهم إرهابيون، ومفجرو طائرات، يحاولون تدمير إسرائيل وإغراقها في البحر، حتى العناصر العربية الطيبة ينظر إليهم باعتبارهم شخصيات ثانوية دونية سلبية.
أما الرجل العربي فينظر إليه على أنه الثرى المسرف، القذر غير المتعلم، وغير الأمين، والدكتاتوري والفاسد الخائن، البربري العنيف، المخادع الذي يخطف الشقراوات الأوروبيات ويغتصبهن، أما المرأة العربية فينظر إليها على أنها مضطهدة من الرجال، وأنهن راقصات سلبيات، عاريات يقعن في حب الرجل الغربي لينقذهن من شر الرجل العربي، ليست لهن شخصية ولا صوت ولا وجه.
وليست المناهج الدراسية الأمريكية وحدها هي التي تشيع مغالطات واضحة حول الواقع العربي والإسلامي، فقد تبين أن مناهج الدراسة في عديد من الدول الأوروبية تخلط بين العرب والمسلمين، وتصور الإسلام بأنه دين جبري وقدري لأنه يدعو إلى التسليم للأقدار، ويدفع معتنقيه إلى اتخاذ مواقف تتسم بالاستكانة، وعدم التفاعل مع الأحداث، وأن هذه الفلسفة الحياتية هي السبب الرئيسي في تأخر المسلمين، وضعف التفكير التقدمي لديهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد