المسلم/ في أعقاب الهجوم الأمريكي على أفغانستان، والتغيرات التي طرأت على أفغانستانº يشهد هذا البلد تنامياً ملموساً للدور الشيعي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، والتعليمية والاجتماعية، وغيرها يسير بخطى مدروسة، وبصورة منظمة، وبدعم خارجي.
وفي حالة استمرار الوضع على ما هو عليه سيكون للنشاط الشيعي المتعاظم دور خطير على مستقبل أفغانستان والمنطقة بشكل عام، خاصةً إذا وضع في عين الاعتبار كون أفغانستان مجاورة لإيران، وما يجري في العراق بعد قيام الحكومة الشيعية هناك، وما ظهر من المخططات الرامية لظهور كيانات شيعية في الخليج وبعض دول الشرق الأوسط.
ومن هنا ينبغي وضع النفوذ الشيعي المتنامي في أفغانستان وما لها من انعكاسات ضمن ما يجري من تطورات وتجاذبات سياسية وعسكرية في المنطقة، وارتباطه بالسياسات الدولية.
الشيعة وحسب بعض الإحصائيات المتوفرة يشكلون حوالي 8 - 10بالمئة من مجموع سكان أفغانستان، ولكن ما يتمتعون به من نفوذ وإمكانات في المجالات السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والتعليمية تفوق بكثير هذه النسبة، وفيما يلي نحاول إلقاء نظرة سريعة إلى النشاط الشيعي المتنامي في أفغانستان اليوم:
أولاً: المجال السياسي:
يمكن رصد وفهم الدور الشيعي في السياسة الأفغانية من خلال عدد أعضاء الشيعة في البرلمان, وعدد المقاعد الشيعية في الحكومة، وعدد الأحزاب السياسية الشيعية، وعلاقات الجهات الشيعية مع الدول والقوى الخارجية، فمثلاً يشكل نواب الشيعة ربع أعضاء البرلمان الأفغاني، وهذا لأول مرة في تاريخ البلاد، الأمر الذي يعني تجسد القوة الشيعية المؤثرة في اتخاذ القرارات داخل البرلمان، وعلى صعيد المشاركة في الحكم فإن الشيعة قد حصلوا على نسبة كبيرة من المقاعد الوزارية، وحكام الولاياتº مقارنةً مع النسبة التي يشكلونها، فمثلاً النائب الثاني لرئيس الجمهورية عبد الكريم خليلي ووزير العدل ووزير الصناعة ووزير النقل ووزير الأشغال العامة وعدد من نواب الوزراء وحكام بعض الولايات المهمة مثل هرات وباميان وسمنجان ودايكوندي من الشيعة، كما أن الشيعة حصلوا على التمثيل ولأول مرة في المحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء، وجدير بالذكر أن المذهب الشيعي الجعفري قد تم الاعتراف به في الدستور الأفغاني جنب المذهب السني الحنفي لأول مرة في تاريخ البلاد، وعلى صعيد الأحزاب وتكتلات السياسة فهناك العديد من الأحزاب والمنظمات الشيعية الفاعلة مثل حزب الوحدة، وحزب وحدة الشعب، وحزب الاقتدار الوطني، وحزب الحركة الإسلامية للشعب الأفغاني، وغيرها من المنظمات والهيئات والجمعيات.
وبخصوص العلاقات الخارجية فللشيعة الأفغان وفاعلياتهم علاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة البريطانية إضافةً إلى علاقات قوية مع إيران حكومةً ومؤسسات وشخصيات دينية، كما أن الشيعة الأفغان أسرعوا بإنشاء علاقات رسمية وشعبية مع الشيعة في العراق، كتبادل الزيارات بين رجال الدين الشيعة العراقيين وآخرها الزيارة الرسمية التي قام بها وقدمت رجال الدين الشيعة العراقيين برئاسة ممثل آية الله السيستاني إلى أفغانستان، ولقاءاته مع رئيس الجمهورية والجهات الرسمية والشعبية دليل على تنامي تلك العلاقات، وأما العلاقات الشيعية مع الأمريكان والبريطانيين فقط أثمرت عن الاهتمام المتزايد لأمريكا وبريطانيا للمناطق الشيعية مثل ولاية باميان، وأجزاء من ولاية غزني عبر إقامة العديد من المشاريع التنموية مثل إنشاء الجامعة والمؤسسات التعليمية وغيرها.
ثانياً: المجال الاقتصادي:
يسيطر الشيعة على قطاعاتٍ, مهمةٍ, من اقتصاد أفغانستان ومن ذلك على سبيل المثال قطاع الاتصالات، حيث أنهم يحتكرون قطاع الهاتف الجوال، فجميع الشركات الثلاث للهاتف المحمول يملكها المستثمرون الشيعة مثل شركة روشن الذي يملكها زعيم الطائفة الإسماعيلية كريم آغا خان، وشركة أفغان بيسيم الذي يملكها شخصية شيعية معروفة اسمها إحسان بيات، وشركة أريبا التي هي شركة أجنيبة تعتمد على مشاركة المستثمرين الشيعة الأفغان، ويوفر الشيعة الأفغان الأرضية والدعم للشركات الإيرانية التي تشكل صادراتها نسبة كبيرة من البضائع التي يستهلكها السوق المحلي الأفغاني.
ثالثاً:المجال الإعلامي:
إن الشيعة الأفغان وبدعمٍ, خارجي سواءً من أمريكا وبريطانيا وفرنسا، أو بدعمٍ, حكومي وشعبي من إيران أكثر فاعليه في القطاع الإعلامي، فعلى سبيل المثال أربعة من القنوات التلفازية التسعة في البلاد يملكها الشيعة مثل قناتي طلوع ولمر الذي يملكها الشيعة الإسماعيلية بدعمٍ, وتمويل مباشر من زعيم الطائفة الإسماعيلية كريم أغاخان، وقناتي آريانا الوطني وآريانا العالمية اللتان يملكهما رجل أعمال شيعي أحسان بيات، وأما القناة الخامسة اسمها تمدن أي الحضارة فهي في طور الإنشاء، والتي ستطلق قريباً، ويشرف عليها المرجع الشيعي المشهور آصف محسني، أما عن المؤسسات الإعلامية الشيعية والجرائد والمجلات الأسبوعية والشهرية والفصلية فحدث ولا حرج، وبناءً على مسحٍ, ميداني قام به أحد المشتغلين بالإعلام في كابل قريب من نصف الجرائد والمجلات الموجودة في السوق تصدر من قبل الشيعة، وقد حرص الشيعة بدعمٍ, من إيران وغيرها من الدول بالعمل في قطاع السينما، والدليل على ذلك أن في المهرجان السينمائي الذي أقيم الصيف الماضي في كابل كان للأفلام السينمائية التي أنتجها المخرجون الشيعة نصيب الأسد.
رابعاً:المجال التعليمي:
إن الشيعة الأفغان من أنشط الناس في مجال التعليم الديني، والذي يشهد توسعاً ملموساً بعد قيام الثورة الإيرانية، والأحداث التي شهدتها أفغانستان خلال العقود الثلاث الماضية، هناك آلاف الطلبة الشيعة الأفغان الذين يتلقون التعليم الديني في الجامعات والمدارس والحوزات الدينية الشيعية في كل من إيران والعراق وبالتحديد في مدن قم ومشهد والنجف، كما أن العاصمة الأفغانية كابل وبعض المناطق الشيعية الأفغانية شهدت قيام العشرات من المدارس والجامعات والحوزات الدينية الشيعية في السنوات الخمس الأخيرة، وتعتبر جامعة خاتم النبيين في كابل أبرز وأهم إنجاز في هذا المضمار, هذه الجامعة عبارة عن مجمع تعليمي ديني شيعي يقع في حي (دهمزنك)، وهي منطقة استراتيجية في قلب العاصمة الأفغانية كابل، وتم بناؤها على مساحةٍ, كبيرةٍ, من الأراضي التي تم شراء جزءٍ, منها لهذا الغرض، وقامت الحكومة بمنح الجزء الآخر، ويشرف على المجمٌع الزعيم الشيعي آصف محسني، وقد تولت أعمال البناء شركة إنشاء إيرانية اسمها أفغان – طوس، ويتكون المجمٌع من عشرات المباني التي تتضمن مئات الغرف والقاعات الدراسية إضافةً إلى صالات كبرى للندوات والمؤتمرات والمعارض والمكتبات والمباني السكنية للطلبة، وقد صرٌح آصف محسني بأنه يريد من هذا المجمٌع أن يكون حوزة علميةٍ, في المنطقة مثل حوزتي قم في إيران والنجف في العراق ليدرس فيها الطلاب من أنحاء دول المنطقة، وبعض الذين زاروا قم يقولون أن مجمٌع خاتم النبيين في كابل أكبر حجماً وأحدث بناءً من الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانية، مما يدل على خطورة الدور المستقبلي المراد من إقامته، ولا شك أن إطلاق هذا المشروع العملاق يحتاج إلى مئات الملايين من الدولارات، كما يظهر سرعة إنجاز عملية البناء والتي هي الآن في مراحلها الأخيرة أن ثمة دعم رسمي إيراني وراء المشروع، وجدير بالذكر أن قناةً تلفزيونية شيعية ً جديدة في طور الإنشاء بأسم (تمدن) أي الحضارة يقوم بإنشائها آصف محسني، ولا شك أن هذه القناة يكوٌن رافداً أخر لنشر المذهب الشيعي في أفغانستان.
خامساً: المجال الاجتماعي:
خلال السنوات الخمس الماضية شهدت الساحة الأفغانية تزايداً ملموساً لقوة الشيعة ونفوذهم على المستوى الاجتماعي، ومن مظاهر تلك القوة الاحتفال بالمناسبات الشيعية ومن أبرزها يوم عاشوراء، والذي تحوٌل ولأول مرة في تاريخ البلاد لاستعراض قوة الشيعة ليس في العاصمة الأفغانية كابل فحسب وإنما في بقية المدن مثل هرات وباميان وبلخ ومزار شريف وغيرها, ووصل الأمر في هذا العام إلى درجة أن الشيعة في مدينة هرات حاولوا إقامة حفل عاشوراء في الجامع الكبير في هرات وهو مسجد سني تاريخي، وكذلك وصل الجرأة ببعض الخطباء الشيعة إلى التفوه بكلماتٍ, مسيئةٍ, إلى الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - ومنهم الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عبر مكبٌر الصوتº الأمر الذي أدٌى إلى استفزاز أهل السنة، ونشوب اضطرابات في المدينة، وقد كان للحاكم الشيعي في الإقليم دور واضح في حماية الشيعة خلال الاضطرابات، ويرى المراقبون أن التنامي المتعاظم لنفوذ الشيعة وقوتهم في أفغانستان يكوٌن له انعكاسات خطيرة على هذا البلد ودول المنطقة في المستقبلº يؤٌدي إلى نشوب اضطرابات وفتن وتجاذبات سياسية واجتماعية يراد منها زعزعة الأمن والاستقرار لخدمة أهداف استعمارية حاقدة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد