منذ أن تسلم «محمد داود» رئاسة الوزراء في أفغانستان سنة 1373هـ - 1953م أخذ المد الشيوعي في دخول الأراضي الأفغانية، إذ كانت ترتيبات المصالح العالمية تسمح بهذا المد، فلقد اتفق عند تكوين حلف بغداد سنة 1374هـ على السماح للروس بالتغلغل في أفغانستان، وأخذ الشيوعيون في تدبير الانقلابات الواحد تلو الآخر على الرغم من ولاء محمد داود، ونور تراقي، ومن بعدهم للشيوعية، ولكن روسيا كانت تريد من أفغانستان أن تكون نسخة كربونية من الاتحاد السوفيتي، أي إلحاد كامل، وشيوعية تامة، وفي نهاية سلسلة الانقلابات احتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان في 8 صفر سنة 1400هـ، وقام الشيوعيون بمذابح مهولة في نفس السنة راح ضحيتها مئات الألوف من المسلمين العزل.
كان أهل أفغانستان قبل مجيء الشيوعيين يعيشون حياة هادئة بسيطة، شديدي التمسك بالإسلام، لا يرضون بأي انتهاك لقواعد الشرع, لذلك ثاروا على ملكهم أمان الله عندما بدأ يحاكي الأجانب، ويسلك طريق العلمنة، فهم رغم البساطة شديدو المراس بسبب طبيعة بلادهم القاسية التي يغلب عليها الجبال والصقيع، لذلك لما دخل الروس البلاد انتفض الشعب الأفغاني، وقامت مجموعات جهادية مختلفة للتصدي لهذا العدوان الشيوعي، وبرز منها الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار، والحزب الإسلامي بقيادة محمد يونس خالص، والاتحاد الإسلامي «سياف»، وبرزت أيضاً جماعات جهادية ولكن أقرب إلى الوطنية منها إلى الإسلام مثل جبهة التحرير، وحركة الانقلاب الإسلامي، وحظت المجموعات الجهادية الإسلامية بدعم كبير في أفغانستان والعالم الإسلامي، وتوافدت جموع المتطوعين العرب والأجانب المسلمين من كل مكان, وكان مجيء الدكتور عبد الله عزام - رحمه الله - نقطة تحول في العمل الجهادي بأفغانستان، إذ تم تنظيمه وترتيبه وتنسيقه وتدويله، وأصبح الجهاد الأفغاني حديث العالم بأسره، ومثار إعجاب وتقدير الناس جميعاً.
كان الروس يظنون عند دخول أفغانستان أنهم سيسحقون أي مقاومة في أيام معدودات بفضل الماكينة العسكرية الجبارة، والأسلحة الفتاكة والمحرمة, فهي كانت وقتها أقوى دولة عسكرية في العالم، ولكنهم أفاقوا من هذا الوهم الخادع على كابوس مفزع، إذ إن المجاهدين قد اعتمدوا على قوة الله - عز وجل - وحده وكفى بها قوة, وكبدوا الروس خسائر ضخمة في العتاد والجند والأموال, حتى أن الروس فقدوا في حربهم ضد المجاهدين خمسين ألف جندي ومئات المليارات من الدولارات، مما أفقدهم صوابهم، وجن جنونهم، فكانوا كلما انتصر عليهم المجاهدون في معركة قاموا بضرب الأبرياء العزل في المدن والقرى بالغازات السامة والقنابل المحرمة، وبهذه الطريقة أبادوا من الوجود قرى بأكملها.
طال أمد الاحتلال الروسي لأفغانستان دون تحقيق أي مكسب مادي أو معنوي, وبالعكس كل يوم يرتفع شأن المجاهدين ويعلو قدرهم بين الناس، وتجدد الجهاد الإسلامي مرة أخرى في قلوب المسلمين، وعادت هذه الشعيرة للظهور بعد أن هدأت حدة الصراع العربي الإسرائيلي على أرض فلسطين بسبب مفاوضات السلام، وشعرت روسيا بالندم بإقحام نفسها في موضوع أفغانستان, فهي عاجزة عن تحقيق النصر على المجاهدين، بل تخسر كثيراً في معاركها ضدهم رغم الأسلحة المحرمة ووسائل القتال القذرة، وهي لا تستطيع أن تنسحب من المعركة حتى لا تفقد مكانتها وهيبتها في الدول المتقدمة, وحتى لا تبدو ضعيفة أمام المعسكر الغربي الرأسمالي.
أخذت روسيا تفكر في وسيلة تنسحب بها من مستنقع أفغانستان وضربات المجاهدين تنهال على قواتها هناكº فدبرت مسألة المعاهدة بين باكستان وأفغانستان لتنسحب بشرف، وتبدو أمام العالم أنها جادة فعلاً في الدعوة إلى السلام، وأثناء عقد المفاوضات كانت روسيا تضغط بكل قوة على جموع المجاهدين لتحقيق أي مكسب على الأرض, ولكنهم صمدوا كالجبال الراسيات، وظلوا ممسكين بسلاحهم، حتى تم توقيع معاهدة جنيف بين أفغانستان وباكستان وروسيا في 29 شعبان 1408هـ، وبدأت القوات الروسية في الانسحاب من أفغانستان، في 29 رمضان 1408هـ - 15 مايو 1988م، وفي يوم 10 رجب 1409هـ - 15 فبراير 1989م خرجت آخر دبابة روسية من أفغانستان تجر وراءها أذيال الخيبة، وهزيمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث, وهي تكتب نهاية احتلال غاشم ظالم ملحد طيلة 8 سنوات، وأيضاً تشهد على أروع فصول الجهاد الإسلامي في القرن العشرين الميلادي، وأيضاً تكتب أول سطور السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي الكبير بعد ذلك بعامين فقط.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد