بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يشرع الشخص لدراسة الإسلام عن طريق الكتب المكتوبة باللغات الغربية - والتي كُتبت بأقلام غير إسلامية - يدرك بوضوح التحريفات المتأصلة والمنتشرة تقريباً في كل هذه المؤلفات، على الأقل منذ العصور الوسطى، فقد أُفتري على الإسلام كثيراً، وأُسيء فهمه بشدة في الغرب، ولا يبدو أن هناك تغيراً كبيراً في السنوات الأخيرة من القرن العشرين بالرغم من الانبهار الذي يعيشه كثير من المسلمين بهذا التقدم.
الدوافع المشكوك فيها والجهل العام:
وعن جهل الغرب بالإسلام، ودوافع المستشرقينº كتب الصحفي والمؤلف السويسري روجردو باسكور ملخصاً رائعاً وهو: " أن الغرب - سواء الكنيسة، أو مناهضين الكنيسة - لم يعرفوا مطلقاً الإسلام الحقيقي، فمنذ رأوا الإسلام يظهر على المسرح العالمي لم يتوقف النصارى عن التشنيع والافتراء على الإسلام لإيجاد مبرراً لشن الحرب عليه، وقد خُضع الإسلام لتحريفات بشعة غريبة والتي لا زال آثارها مستقراً في العقل الغربي، ويوجد اليوم كثير من الغربيين والذي يتلخص عندهم الإسلام في ثلاثة أفكار: التعصب، والجبرية، وتعدد الزوجات، بالطبع الثقافة العامة الكبيرة لا زالت أفكارهم عن الإسلام أقل تشوهاً، ولا يزال يوجد هناك قلة نادرة الذين يعرفون أن كلمة الإسلام لا تعني سوى " الخضوع لله "، وأحد علامات الجهل الحقيقية في تصور معظم الأوروبيين أن " الله" يرجع معناه إلى الألوهية عند المسلمين، وليس الإله عند النصارى أو اليهود، وكلهم يتفاجئون عندما يسمعون شرحنا لهم أن " الله " يعني "God"º بل حتى نصارى العرب لا يعرفون الله إلا بهذا الاسم.
لقد خُضع الإسلام للدراسة من قبل المستشرقين الغربيين خلال القرنيين الماضيين مما جعلهم ينشرون كتباً علمية كثيرة عن الإسلام، وبالرغم من قيمة أعمالهم، خصوصاً في الحقول التاريخية والفلسفية، فقد كانت مساهمتهم قليلة لفهم أفضل للدين الإسلامي في الوسط النصراني، أو ما بعد الوسط النصراني، ببساطة فقد فشلوا في إثارة اهتمام جاد خارج دوائرهم الأكاديمية المتخصصة، وأيضاً يُدفع الشخص للتسليم بأن دراسات المستشرقين في الغرب لم تُلهم غالباً بالروح الحيادية العلمية المحضة، كذلك من الصعب أن ننكر أن بعض الإسلاميين والعرب قد عملوا بنية بريئة للاستخفاف بالإسلام والملتزمين به، وهذا الاتجاه أُظهر خصوصاً - للأسباب السابقة - في أوج أيام الإمبراطوريات الاستعمارية، وقد يكون من المبالغة القول بأنهم قد انتهوا بدون أثر.
هذه بعض الأسباب لماذا يبقى الإسلام حتى اليوم يُساء تقديره لدى الغرب، وهناك تعاطف واهتمام كثير لدى الديانات الأسيوية كالبوذية والهندوسية، وبالرغم أن الإسلام أقرب إلى اليهودية والنصرانية فهي تنساب من نفس المصدر الإبراهيمي، وبالرغم من هذا فلعدة سنوات كان يبدو أن ظروف خارجية - وخصوصاً للأهمية المتنامية للبلدان الإسلامية العربية في الشؤون السياسية والاقتصادية العالمية - أدت إلى إثارة الاهتمام المتزايد للإسلام في الغرب.
الشعور بوجود جهل عام عن الإسلام لدى الغربيين ذُكر أيضاً من قبل الدكتور "موريس بوكيلي" حيث يقول: " عندما يُذكر الإسلام لأحد الملحدين الماديينº فإنه يتبسم برضا، والذي يتساوى جهله عن الإسلام بشكل مشترك مع أغلبية المفكرين الغربيين، لأي طائفة دينية، فإن لديهم مجموعة انطباعات من المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، ومن هذه النقطة يجب على الشخص أن يلتمس عذراً أو عذرين: أولاً: بعيداً عن المواقف الحديثة المتبقاة والتي تسود وسط أعلى السلطات الكاثولوكية فإن الإسلام كان خاضعاً دائماً في الغرب لما يُسمى " التشويه العلماني"، فأي شخص في الغرب والذي قد اكتسب معرفة عميقة عن الإسلام يعرف مدى التشويه الذي نال التاريخ وعقيدته وقيمه، ويجب أن يأخذ الشخص في الاعتبار أن الحقيقة في الوثائق المنشورة باللغات الأوروبية فيما يتعلق بهذا الموضوع (بغض النظر عن الدراسات المتخصصة العالية ) لا تجعل العمل أيسر للشخص الراغب في التعلم " (من كتاب " الإنجيل، والقرآن، والعلم" ص 118)
الاستشراق: التعريف الشامل:
إن الظاهرة المعروفة بالاستشراق عموماً ليست سوى مظهراً واحداً من مظاهر التحريفات الغربية للإسلام، ومعظم المسلمين اليوم في الغرب ربما يتفقون بأن الحجم الأكبر - فيما يخص عدد الناس الذين تُوصلوا بمثل هذه المعلومات - للمعلومات المشوهة عن الإسلام تأتي من أجهزة الإعلام سواء في الصحف، أو في المجلات، أو في التلفاز، فوسائل الإعلام لديها مزيد من التأثير الواسع الانتشار لرؤية الغرب عن الإسلام أكثر من المنشورات الأكاديمية للمستشرقين والمستعربين والإسلاميين.
وفي السنوات الأخيرة فإن المجال الأكاديمي لما اعتاد أن يُعرف بـ" الاستشراق" أعيدت تسميته في معظم الكليات والجامعات الغربية لـ " دراسات المنطقة" أو " الدراسات الإقليمية"، هذه المصطلحات السياسية المصححة أخذت مكان كلمة "الاستشراق" في الدوائر العلمية منذ تلوث الكلمة الأخيرة بمفهوم إمبريالي سلبي كبير بسبب المستشرقين أنفسهم، لكن بالرغم من أن أعمال العلماء الذين يتابعون هذه المجالات لا تصل لعامة الناس، فهم يسقطون في أغلب الأحيان في أيدي الطلاب وأولئك المهتمون شخصياً في التعلم أكثر عن الإسلام، وبهذا أي باحث عن الإسلام - خاصة أولئك الذين في الغرب - يحتاج أن يكون مدركاً للظاهرة التاريخية للاستشراق كمهنة أكاديمية، أو كوسائل للاستغلال الثقافي.
وعندما استخدم كلمة "الاستشراق" من قبل المسلمين والتي أصبحت تعود عموماً إلى أي عالم غربي يدرس الإسلام - بصرف النظر عن الدوافع - وعليه حتماً فإنه يحرّف الإسلام، وكما نرى بالرغم من أن الظاهرة الاستشراقية أكثر من مسعى أكاديمي قال العالم المسيحي العربي المشهور " إدوارد سعيد" المؤلف لعدة كتب تكشف عيوب نظرة المستشرق فإنه يعرّف "الاستشراق" كالتالي: "... أي شخص يعلّم، ويكتب، أو يبحث عن الشرق - وهذا ينطبق على أي شخص - سواء كان عالماً في الإنسانيات، أو عالما في الاجتماع، أو مؤرخاً، أو سواء كان في الفلسفة في مظاهرها العامة أو المتخصصة، فهو مستشرق، ومما يعمله هو الاستشراق" من كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد ص 2.
" لتتحدث عن الاستشراق فعليك أن تتكلم بشكل عام وليس بشكل حصري عن المشروع الثقافي الفرنسي والبريطاني، المشروع الذي أخذت أبعاده في هذه العوالم المتباينة كالخيال نفسه، فكل الهند والمشرق، والنصوص التوراتية والبلاد الإنجيلية، وتجارة التوابل، وجيوش الاستعمار الطويلة، والتعاليم لمدراء الاستعمار، والمجموعة العلمية الضخمة، والخبراء والعمال الشرقيين غير المحدودين، والأساتذة الشرقيين، والترتيب المعقد من الأفكار الشرقية (الاستبداد الشرقي، والعظمة الشرقية، والقسوة، والشهوانية) والعديد من الطوائف الشرقية، والحكم المدجنة للاستعمال الأوروبي المحلي - والقائمة يمكن أن تمدّد تقريباً بشكل غير محدد -. " من كتاب " الاستشراق" لإدوارد سعيد ص 4.
وكما الوضع مع العديد من الأشياء أن تكون مدركاً للمشكلة فذلك نصف المعركةن وعندما يكون الباحث عن الحقيقة صادقاً مدركاً لسوء الفهم، والعداوة طويلة المدى بين الإسلام والغرب - ويتعلم أن لا يثق في كل شيء يراه مطبوعاً - فإن المعرفة والمعلومات الأصلية يمكن أن يحصل عليها بسرعة كبيرة، بالتأكيد ليس كل الكتابات الغربية عن الإسلام لديها نفس الدرجة من التحيز - فهم يدورون في مدى من التشويه المتعمد، والجهل البسيط - فيوجد هناك قلة يمكن أن تصنف كجهود مخلصة من قبل غير المسلمين لتصور الإسلام في ضوء إيجابي، لكن حتى معظم هذه الأعمال مًبتلية فيما يبدو بالأخطاء غير المقصودة نتيجة نقص المؤلفات عن المعرفة الإسلامية، وبروح العدالة ينبغي أن يقال حتى بعض الكتب المعاصرة عن الإسلام من قبل مؤلفين إسلاميين تعاني من نفس هذه العيوب، عادة بسبب نقص في المعرفة، أو أفكار ضلالية، أو الاعتماد على مصادر غير إسلامية.
هذا الذي قيل عن التعليم عن الإسلام في الغرب - خصوصاً عند الاعتماد على أعمال اللغات الأجنبية - ينبغي أن يأتي بلا مفاجئة، قبل عقود قليلة مضت فإن الشخص المتحدث الإنجليزية والمهتم بالإسلام والذي لديه الرغبة لتحديد قراءته بالأعمال المؤلفة من قبل المسلمين ربما حُدّدا لقراءة ترجمة القرآن، وقليل من كتب الحديث المترجمة، وبضعة أبحاث بحجم الكتيب، وبالرغم من ذلك ولعدة سنوات مضت فالانتشار الواسع للكتب الإسلامية - المكتوبة من قبل مسلمين مؤمنين وملتزمين - وعدم مجيء الإنترنت جعل الحصول على المعلومة الحقيقية بأي أمر يتعلق بالإسلام أمر عسير، واليوم بالكاد يمضي أسبوع بدون ما يعلن عن ترجمة إنجليزية لعمل إسلامي أصيل، ومما تجعله - في ذهنك في محاولة تعلم الإسلام - فأنا أشجع القارئ ليستشير عن الكتب المؤلفة من قبل كتاب إسلاميين، يوجد مدى كبير من موزعي الكتب الإسلامية الذي يمكن أن تتصل به خلال الإنترنت.
الأهداف الاستعمارية والمبشرون المتلهفون:
الانتقال إلى نظرة أكثر تفصيلاً عن التشويه الغربي للإسلام بصفة عامة وفي الاستشراق بصفة خاصة.. يقول "إدوارد" العربي النصراني في كتابه الضخم "الاستشراق" والذي أشار فيه بدقة إلى الاستشراق "المشروع الثقافي": " هذا بالتأكيد ليس تحريفاً، منذ الدراسة الجامعية للشرق الشرقي عن طريق الغرب الغربي حُفز في أغلب الأحيان - وتعاونت غالباً يداً بيد - مع الأهداف الاستعمارية للقوى الاستعمارية الغربية، وبدون شك فإن أساسيات الاستشراق كمسلمة عامة "اعرف عدوك"، وعندما بدأت "الأمم النصرانية" في أوروبا حملتهم الطويلة للاستعمار، وغزو بقية العالم لتحقيق مصالحهم، جلبوا مصادرهم التبشيرية والأكاديمية لكي تساعدهم في مهنتهم، المبشرون والمستشرقون - الذين تتداخل الصفوف بينهم في الغالب - كانوا في الغالب أكثر من الخدم للحكومة الإمبريالية والتي كانت تستخدم خدماتهم كطريق لإخضاع وإضعاف العدو، ولكن بشكل مهذب فيما يتعلق بالإسلام والمناطق الإسلامية، مثال ذلك شعرت بريطانيا - كقوة نصرانية - أن لديها مصالح شرعية يجب حمايتها، فأنشئت جهاز لإدارة وتطوير هذا المصالح مثل التنظيمات لترويج المعرفة النصرانية في المجتمع (1698)، ولنشر التعاليم في مجتمع البلدان الأجنبية (1701)، وورثت وحرّضت فيما بعد بالمجتمع التبشيري المعمداني (1792)، ومجتمع الكنيسة التبشيري (1799)، ومجتمع التوراة البريطاني والأجنبي (1804)، ومجتمع لندن لترويج النصرانية بين اليهود (1808)، وهذه الإرساليات المنفتحة انضمت إلى التوسع الأوروبي "(من الاستشراق لإدوارد ص 100).
أي شخص يدرس هذا الموضوع يعرف أن المبشرين النصارى كانوا مشاركين راغبين في الإمبريالية الأوروبية، بغض النظر عن الدوافع النقية أو سذاجة بعض الأفراد من المبشرين، ففي الحقيقة عدد كبير نسبياً من علماء الاستشراق كانوا مبشرين نصارى، ومن الأمثلة البارزة على ذلك وليم ميور الذي كان مبشراً نشطاً، ومؤلفاً لعدة كتب عن الإسلام، وكانت كتبه متحيزة جداً، ودراساته ضيقة الأفق إلا إنهم جعلوها إلى يومنا هذا مراجع للذين يريدون مهاجمة الإسلام، وينبغي أن لا نتفاجأ إذا هؤلاء النصارى كانوا مصدراً لبعض الأكاذيب والتحريفات الأسوأ عن الإسلام، وقد كانت تحريفات النصارى والأكاذيب التامة عن الإسلام واسعة الانتشار كالمشاهد التالية:
" بالكاد يدرس تاريخ الاستشراق دون تحيز لمصادر الإسلام خصوصاً عندما كان تحت تأثير التعصب النصراني، من التحريفات المتعصبة لجون الدمشقي إلى المعتذرين من الكتاب المتأخرين ضد الإسلام الذي أخبر مشاهديهم أن المسلمين عبدوا ثلاثة أوثان! " ترجم بيتر (1156ـ1084)، القرآن والذي أُستخدم خلال العصور الوسطى وشمل تسعة فصول إضافية، وهذه الترجمة السيئة المحرفة المباعة حذت حذو الترجمات السابقة، وسارت بنفس الاتجاه كما مع رودريل، وموير. وآخرون هاجموا شخص وصفات محمد، وفي أغلب الأحيان وضّفوا القصص المخترعة والروايات التي يعتبرها المسلمون ضعيفة أو مكذوبة، أو شيء آخر، فإنهم أزالوا الحقائق بادعائهم أن المسلمين حلوا في موضع ليس هم فيه أهل، أو استخدموا العادات الخاطئة الممارسة بطريق الجهل بين المسلمين كتصوير دقيق للإسلام، بينما فورمان داينال يخبرنا في عمله "الإسلام والغرب": " استخدام الدليل الكاذب لمهاجمة الإسلام كان كُلاً لكن عالمي.. " من " شرح موثوق" الجزء الأول ص 267 لعبد الرحيم الأخضر.
وهذه النظرة أُكدت من قبل المؤرخ الشرق الأوسطي المشهور بيرنارد لويس عندما كتب:
" درست النصرانيةُ في القرون الوسطى الإسلام لغايات مزدوجة لحماية النصارى من مداهنات المسلمين، وتحويل المسلمين إلى النصرانية، والعلماء النصارى - معظمهم من قسيسين ورهبان - أوجدوا مجموعة مؤلفات متعلقة بالدين، ونبيه، وكتابه، بجدلية عنيفة في صميم الدين، وغالباً بلغة بذيئة من أجل أن تحمي وتثبط بدلاً من أن تُعلم." من كتاب " الإسلام والغرب" لبيرنارد لويس ص (85 ـ 95).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد