بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الحلقة من سلسلة " بدايات السفور" ستفاجئ كثيرينº لأنها تتحدث عن نساء لبنان!
ونساءُ لبنان قد ارتبطن في أذهان كثير منا باللهو والطرب والغناء والرقص والبعد عن الأخلاق فضلا عن الدين..
لأن هذا ما استطاع الإعلام العربي ترسيخه في عقولنا عن أولئك النسوة.
وأعلم أن في هذا ظلمًا وإجحافًا وبُعدًا عن الحقيقة التي يعلمها من زار تلك البلاد، وتجول في مدنها وقراها وضيعاتها.. ورأى محافظة أهلها - رجالا ونساء - على دينهم وأخلاقهم الطيبةº ولكن القلة الشاذة في بيروت خاصة - ومعظمهم من النصارى - قد شوهت صورتهم بين الناس.
ولهذا ينبغي على العقلاء من أهل تلك البلاد بذل الجهد لمحو الصورة الإعلامية المشوهة، واستبدالها بصورة حقيقية حسنةº ويكون ذلك بتأليف المؤلفات، ونشر المقالات، وتنفيذ البرامج عن الوجه الآخر للبنان المسلمة من خلال القنوات الإسلامية.. الخ
نعم : إن ضغوط الدول الغربية النصرانية على هذا البلد المسلم كبيرة وضخمة، منذ سلخه من الدولة العثمانية، حيث تصدير إخوانهم النصارى فيه، وتمليكهم البلاد باشتراط أن يكون الحاكم نصرانيًا مارونيًا، ومحاربة مظاهر الإسلام فيه، والسعي في تغريب المسلمين.. الخ جهودهم. ومع هذا كله لابد من مواجهة هذا الكيد بنشر الدعوة الصحيحة، وتوعية المسلمين هناك بدينهم وأخلاقهم، والتأليف بينهمº حتى يعود لبنان كما كان بلدًا إسلاميًا محافظًا.
أما عن حال المرأة في لبنان إلى وقت قريب قبل أن يغزوها التغريب في عهد الاستعمار الغربي، فقد تعجب إذا أخبرتك بأن المسلمة هناك كانت تستر وجهها بالنقاب! وسيزداد عجبك إذا علمت أن المرأة اللبنانية النصرانية كانت مثلها تستر وجهها بالنقاب!
يقول الدكتور النصراني فيليب حِتي في كتابه " تاريخ لبنان " (ص 516 5518) متحدثًا عن أحوال بيروت :
(أثناء السنوات العشر التي احتل فيها المصريون سورية تغلغل النفوذ الغربي إلى داخل البلاد، وأصبحت بيروت الميناء الرئيس، وهو وضع احتفظت به إلى يومنا هذا.. إلى أن يقول في وصفها لم يكن مألوفًا أن يُرى الرجل متأبطًا ساعد امرأة خارج البيت، وقلّ أن يرى المرء في شوارع بيروت رجالا أوربيين يرتدون ملابسهم الغربية. وإذا تجرأت امرأة غربية - زوجة قنصل أو تاجر أن تنتقل خلسة من بيت إلى بيت فإن ذلك كان أمرًا يسترعي انتباه الناس).
إلى أن يقول : (لم تكن هنالك مدينة لبنانية أخرى تستطيع أن تنافس بيروت. فطرابلس كانت بلدة صغيرة سكانها سبعة آلاف نسمة، وكانت صيدا فقدت عظمتها ورونقها، أما صور فقد كانت تغط في سبات العصور المتوسطة. وفي جميع هذه المدن كانت المرأة النصرانية تغطي وجهها بحجاب كما تفعل المرأة المسلمة). انتهى كلامه.
أما عن المرأة المسلمة هناكº فيقول الشيخ محمد رشيد رضا (اللبناني الأصل) متحدثًا عن زيارته للبنان وأحوالها في زمنه القريب : (كانت المسلمات في بيروت أشد محافظة على التقاليد القومية من أمثالهن في سائر المدن السورية، فلم تؤثر فيهن عوامل التفرنج الذي غلب على نساء النصارى لا النافع الصالح منها ولا الضار المفسد ولا عوامل التترك الذي سرى إلى مسلمات دمشق، فكن أشد مسلمات سورية جمودًا وكان رجالهن راضين بذلك، ثم رغبوا في تعليم البنات فأنشأوا لهن مدارس ابتدائية، وأنشأت الحكومة العثمانية مدرسة للبنات في بيروت كان جميع تلميذاتها من المسلماتº لأن النصارى لا يرغبون إلا في مدارس الإفرنج.
ثم وجد في بعض شبان المسلمين الذين تعلموا في المدارس الأوربية والأمريكية وأثر فيهم التفرنج ميل إلى فرنجة النساء، كان الرأي الاسلامي العام يقاومهم فيه وما زال صديقنا الأستاذ الشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت زعيم هؤلاء المقاومين على عنايته بتعليم البنات وإشرافه عليه في عدة مدارس).
ثم تحدث عن تجربة " عزمي بك " والي بيروت، و " أحمد مختار بك بيهم " في إنشاء الجمعيات النسائية الإسلامية إلى أن قال - :
(أنشأ الزعيمان ناديا للنساء في سنة 1335 (1971م) وألفا له جمعية من كرائم المتعلمات منهن باسم " جمعية الأمور الخيرية للفتيات المسلمات " ثم أسس هؤلاء الكرائم مدرسة لتعليم البنات، وكان النادي يعقد اجتماعات نسائية يحضرها النساء والمستحسنون لهذا العمل من الأدباء والأطباء ويلقون فيها الخطب والدروس التي اصطلح كتاب العصر على تسميتها بالمحاضرات، ويسمعون من أعضاء النادي الكرائم ما يلقينه فيه ويتحدثون معهن في المسائل الأدبية والاقتصادية والصحية وتدبير المنزل والتربية، وإنما يكن مع الرجال سادلات على وجوههن النقاب الإسلامبولي الأسود، لا سافرات)، ثم ذكر موجز محاضرته التي ألقاها في الجمعية السابقة. (انظر : رحلات محمد رشيد رضاº للدكتور يوسف ايبش، ص 244 - 247).
متى بدأ تغريب المرأة اللبنانية؟!
يقول الأستاذ أنور الجندي - رحمه الله - في كتابه " الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية " (ص 621 622) :
(وفي لبنان ارتفعت صيحة الدعوة إلى تحرير المرأة المسلمة باسم الآنسة " نظيرة زين الدين " عام 1929في كتاب ضخم بلغ 420 صفحة من القطع الكبير اسمه " السفور والحجاب " اعتمد على الدعوة العاطفية واستغلال الآيات القرآنية والأحاديث فيما ذهب إليه من حرية السفور).
(وقد هاجم الشيخ مصطفى الغلاييني هدف كتاب نظيرة زين الدين وقال : إن هذا الكتاب قد اجتمع على تأليفه عدد كبير من اللادينيين والمسيحيين والمبشرين، وإن الآنسة وأباها (الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في الجمهورية اللبنانية) كانا إما مخدوعين أو شريكين لهؤلاء الدساسين، وانه كشف النقاب عن غايات مؤلفي الكتاب وغيرهم ممن يسعون لإفساد المسلمين والقضاء على عقائدهم وأخلاقهم بالقضاء على المرأة المسلمة.
وقال : إن هذه هي الوسيلة التي وصل إليها أخيرًا المبشرون بعد أن عجزوا عن الطعن في الإسلامº وهي استخدام بعض أهله، وقال : إنه في عام 1928 كثر اللغط والحديث حول مسألة المرأة في مصر وسوريا وفلسطين ولبنان والعراق في آن واحد، ثم ظهر كتاب " السفور والحجاب " المكتوب بأقلام أذناب هؤلاء المبشرين الذين نعرف أسماءهم كلهم ونعرف أكثر أشخاصهم، وقال : إن مؤلفوا الكتاب قصدوا إلى الطعن في الإسلام في صور من الأساليب خلابة مموهة بالباطل من القول والزخرف من الكلام.. ). انتهى.
قلتُ : كتاب الشيخ الغلاييني الذي هاجم فيه كتاب نظيرة عنوانه " نظرات في كتاب السفور والحجاب المنسوب إلى الآنسة نظيرة زين الدين "، ألفه في نفس العام الذي صدر فيه كتاب نظيرة، مشككا في أن يكون الكتاب من تأليفهاº لأنه يعلم حقيقته!
يقول الشيخ في مقدمة كتابه (ص 5) : (أهدت إليّ الآنسة نظيرة زين الدين كتابها " السفور والحجاب " وأصحبته بكتاب ترغب إليّ فيه أن أنظر في كتابها، وأبدي رأيي فيما تضمنه من الأفكار والآراء. وما كنتُ جاهلا أمر هذا الكتاب، ولا من كان يكتب فصوله، ويُصحح أمثلته في المطبعة. فقد كنتُ أعلم أنه اجتمع على تأليفه المسلم السني، والمسلم الشيعي، والنصراني، واللاديني).
ثم أخذ يرد عليها فصلا فصلا..
قائلا في فصل " النقاب " (ص 53) : (قد اعتاد نساؤنا النقاب الذي يدفع عنهن نظرات السوء ومقالة الفاسقين، فأي شأنٍ, لكِ فيهن وهن لا يرضين ما تدعيهن إليه؟! ).
قلتُ : وقد أعادت إحدى دور النشر العلمانية في لبنان طباعة كتاب " السفور والحجاب " لنظيرة، عام 1998، بمراجعة وتقديم من الدكتورة المتحررة بثينة شعبان - هداها الله -. فحريٌ بدعاة الفضيلة إعادة طباعة كتاب الشيخ الغلاييني، الذي لم يُطبع - حسب علمي - منذ طبعته الأولى.
ختامًا : لمعرفة تطور حركة تغريب المرأة في لبنانº طالع كتاب " أضواء على الحركة النسائية المعاصرة " لروز غريب، (ص 346 - 353).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد