بسم الله الرحمن الرحيم
مع الطلب المتزايد على النفط في العالم، وتركّز معظم احتياطات النفط العالمي في الشرق الأوسطº تبدو الدول المستوردة للنفط لاهثة وراء نفط المنطقة، في نفس الوقت الذي تتخذ فيه إجراءات استباقية للخروج من طوقها، والبحث عن مصادر أخرى.
وعلى اعتبار أن كلاً من الولايات المتحدة والصين هما أكثر دول العالم استهلاكاً للنفطº فإن سياستهما الاقتصادية في التعامل مع ذلك المنتج المتدفق تعتبر نموذجاً واقعياً لطريقة تعامل العالم مع نفط الشرق الأوسط.
حاجة متنامية:
لا تبدو الولايات المتحدة والصين أنهما ستتوقفان عند حد معين من الحاجة للمزيد من الاستهلاك النفطي، وأمام ذلك بات الصراع حامياً بين الدولتين في كسب ثقة الدول المنتجة للنفط، والحصول على المزيد من العقود الجديدة في الدول المؤهلة لدخول نادي مصدر النفط.
وبحسب الأرقام التي تتيحها وزارة الطاقة الأمريكية فإن الولايات المتحدة تستهلك نحو 20 مليون برميل نفط يومياً، أي ما يعادل ربع إجمالي استهلاك العالم من النفط الخام، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى نحو 26 مليون برميل يومياً بحلول عام 2020م، وهي تستورد من حاجتها نحو 12 مليون برميل يومياً، وهذه الكمية من المتوقع لها أن ترتفع إلى أكثر من 16 مليون برميل يومياً بحلول العالم 2020م، وإلى أكثر من 20 مليون برميل يومياً بعد عام 2030م وذلك نتيجة اتجاه الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة إلى الانخفاض لنحو يقدر بخمسة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020م بسبب نضوب الحقول الحالية، وعدم اكتشاف حقول جديدة.
أما الصين، فقد بدأت باستيراد النفط منذ عام 1994م، وعاماً بعد عام باتت من أكثر الدول استهلاكاً للنفط لدرجة باتت تنافس فيها الولايات المتحدة، مع الحفاظ على إنتاجية محلية، وشره متزايد للنفط العالمي.
ففي 2006م بلغ إنتاج الصين من النفط الخام 183.68 مليون طن بزيادة 1.7% عن السنة التي قبلها، فيما بلغت وارداتها 162.87 مليون طن، بنسبة أعلى بـ 19.6% عن السنة السابقة، من بينها 138.84 مليون طن نفط خام، و 24.03 مليون طن من المنتجات النفطية الأخرى.
وخلال السنة الأخيرة ارتفع اعتماد الصين على النفط المستورد نسبة إلى الطلب السنوي ليصبح 47%º بزيادة قدرها 4.1% عن السنة التي قبلها، ويرى المحللون الاقتصاديون أنه خلال العام الحالي 2007م فإن الناتج المحلي الصيني من النفط سيرتفع بنسبة 52%، فيما سترتفع في نفس الوقت حاجتها للنفط المستورد بنسبة 6%.
البحث عن الذهب الأسود في القارة السوداء:
ركزت كل من الولايات المتحدة والصين صراعهما النفطي في القارة الإفريقية التي باتت تعتبر اليوم مخزون المستقبل من النفط، وليس ذلك بغريب طالما أن الاكتشافات المستمرة تقدم مؤشرات مرتفعة هناك، خاصة وأن النفط الإفريقي يتمتع بمواصفات قياسية من حيث الجودة العالية، وسهولة التكرير.
أمريكا التي باتت تستورد سنوياً نحو ثلثي حاجتها من النفط وضعت استراتيجية تهدف إلى التحكم في مناطق النفط الإفريقية عبر صفقات وعقود نفطية، فضلاً عن تواجد استخباراتي وعسكري، وأمام حاجة بلاده التي تزيد عن 12 مليون برميل مستورد يومياً - تأتي معظمها من السعودية وبعض الدول المنتجة للنفط - حاول الرئيس الأميركي جورج بوش منذ أربعة أعوام عقد صفقات نفطية مع نحو 10 دول إفريقية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2002م.
أما التحرّك الأكثر أهمية في هذا المجال فقد جاء على شكل إقامة قيادة عسكرية أمريكية خاصة بإفريقيا ستشرف على دعم الحكومات الموالية لأمريكا هناك، والتي وقّعت أو ستوقّع عقود نفط تضمن احتكار واشنطن له لسنوات طويلة.
ورغم إعلان وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس أن القيادة الإفريقية الجديدة ستتيح للولايات المتحدة "تنسيق عملياتها العسكرية بشكل أفضل، والتصدي لكل تهديد محتمل"º إلا أن الجميع متفقون على أن الهدف الأساسي من وجود قيادة عسكرية أمريكية لإفريقيا يأتي لضمان الحصول على النفط، على سبيل المثال تقول شبكة البي بي سي في تعليقها على خبر إنشاء القيادة الأمريكية هناك: "إن إفريقيا توفر 10% من النفط الذي تستورده الولايات المتحدة، كما إن واشنطن قلقة من المنافسة الاقتصادية والدبلوماسية للصين".
وتحاول الولايات المتحدة دعم الحكومات الحالية عبر برامج تنموية تهدف إلى زيادة استقرار الدول الإفريقية المنتجة للنفط - خاصة في غرب إفريقيا - عبر مشاريع اقتصادية واجتماعية كبيرة، فمع مطلع عام 2000م رصدت الولايات المتحدة مبلغ 5 مليارات دولار لتمويل مشاريع مشتركة مع بلدان شمال أفريقيا، وزادت اهتمامها أيضاً بمشكلات بلدان وسط وغرب أفريقيا السياسية والاجتماعية منها، كما قدمت مساعدات بقيمة 200 مليون دولار لمكافحة مرض الإيدز المستشري في بلدان القارة المختلفة.
وعلى ذات الصعيد نرى الاهتمام الصيني المتزايد بمصادر إفريقيا النفطية عبر أكثر من زيارة قام بها الرئيس الصيني بنفسه إلى دول إفريقية منتجة للنفط، وبالتالي تقليل حجم الاعتماد على النفط الخليجي الذي يشكل نسبة 61.1% من وارداتها النفطية، خاصة وأن المحللين الاقتصاديين في الصين يرون أن وقف تدفق النفط للصين من الشرق الأوسط (لأي سبب كان) ستكون له آثار مدمرة على الاقتصاد الصيني لأمد بعيد، ويبدو التخوّف الصيني منطقي، مع وجود تحالفات قوية بين دول منطقة الشرق الأوسط والولايات المتحدة، وانتشار قوات أمريكية هناك، واعتبار المنطقة قنبلة موقوتة قد يؤدي انفجارها إلى نتائج كارثية في العالم.
وفيما تبلغ نسبة واردات الولايات المتحدة النفطية من إفريقيا 15%º تبلغ نسبة تلك الواردات للصين 22%، أي أن اعتماد الصين على النفط الإفريقي أكبر من أمريكا عليه، وتعتبر نيجيريا أكبر منتج للنفط في أفريقيا، وقد دفعت المؤسسة الحكومية الصينية "سي ان او او سي" المحدودة 2.7 مليار دولار في إبريل 2006 للحصول على حصة نسبتها 45 في المئة في حقل نفطي رئيسي هناك، وقد حصلت بكين على حق التنقيب في أربعة مواقع أخرى من بينها كينيا، وفي أنغولا التي تخطت السعودية، وصارت المصدر النفطي الأكبر إلى الصينº باتت شركة صينية أخرى شريكة رئيسية في قطاعات (نفطية) متعددة أخرى.
ووفقاً لإحصاءاتها الرسمية استثمرت الصين 900 مليون دولار في أفريقيا في العام 2004م غالبيتها في البلدان المنتجة للنفط، كما ألغت الصين المليارات من الديون الأفريقية لتحصل على بطاقة الدخول إلى أفريقيا، ففي نيجيريا كانت الوعود الصينية باستثمار نحو 4 مليارات دولار في المصافي، وشركات الكهرباء والزراعةº شرطاً للحصول على حق تنقيب النفط، كما ستستردّ الصين قرض الـ4 مليارات دولار لأنغولا بالنفط، وكذلك الأمر في السودان وغيرها من دول القارة السمراء.
وفيما يواصل الرئيس الصيني وقادته الكبار جولاتهم في إفريقيا يقول كسيا يشان (الباحث في معهد الصين للدراسات الدولية): "إن تحويل إفريقيا إلى أكبر مصدر للصين من واردات النفط الأساسية هي استراتيجية جديدة للطاقة في الصين"، مضيفاً بالقول: "لقد اتخذت الصين بالفعل إفريقيا بعين الاعتبار فيما يتعلق باستراتيجية اعتماد تلك القارة مصدر كبير للنفط في المستقبل"، ويتابع بالقول لإحدى وسائل الإعلام الصينية: "إن بكين تمتلك علاقات ودودة مع الدول الإفريقية، وذلك ينصب في مصلحة الاستثمار الصيني في القارة السوداء، وإنتاج المزيد من النفط للصين"، متوقعاً أن تحتل إفريقيا خلال سنوات قليلة في المركز الثاني لأكبر مصدري النفط للصين.
مخاوف من المستقبل:
تفسر كل من الولايات المتحدة والصين توجهها لموارد نفطية جديدة بعيداً عن الشرق الأوسط بمبدأ "لا تضع البيض كله في سلة واحدة"، فالنفط الذي يعتبر عجلة الحياة الاقتصادية للدول الغربية بات المؤثر الأكبر في اقتصاديات اليوم، على سبيل المثال توجد 300 مليون سيارة في الولايات المتحدة التي توصف بأنها "دولة على عجلات" تمتص أكثر من 231 برميل نفط كل ثانية، كما يمثل النفط أمناً اقتصادياً عالي الأهمية للصين والتي تراهن على اقتصادها في مواجهة الهيمنة العالمية الأمريكية.
الشرق الأوسط تعتبر قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة خاصة مع وجود نزاعات عرقية وطائفية، ووجود قوات احتلال فيها، ووجود أنظمة مهددة بالسقوط أو أسقطت بالفعل (كالعراق)، مع وجود مقاومة مسلحة تستمد أسلحتها وتمويلها من دول مجاورة قد تجعل تلك الدول بؤرة جديدة.
وإذا كانت الأحلام الأمريكية السابقة (قبل احتلال العراق) قد رسمت صورة أكثر إشراقاً بأحداث مأمولة تنهي احتلال العراق سريعاً، وتعيد بناء منشآته ومرافقه النفطية مع سيطرة أمريكية كاملة عليها لدرجة يصل فيها سعر برميل النفط إلى 10- 15 دولاراًº فإن الأحداث التي وقعت بعد ذلك ألقت بظلالها على أسعار النفط ليرتفع معها سعر البرميل الواحد إلى أرقام قياسية تعدى حاجز الـ75 دولاراً.
وهذه المخاوف بطبيعة الحال لم تعد خافية، ولا يمكن التستّر عليهاº على سبيل المثال فإن الرئيس الأمريكي أعلن في إحدى خطاباته خلال العام الماضي عن أن الولايات المتحدة ستخفض من واردات النفطية من منطقة الشرق الأوسط بمقدار 75% مع حلول عام 2025م، فإلى متى يبقى الشرق الأوسط السلة الأهم الذي يتجمع فيه بيض العالم؟! مع العلم أن تضاءل أهمية المنطقة كمصدّر للنفط قد يرافقها تضاؤل لدورها السياسي والاقتصادي في العالم!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد