رغم الحديث الساخن بشأن سعي الشيعة في العالم العربي لخلق محور شيعي يمتد عبر العراق ولبنان والأقليات الشيعية في دول الخليج ليتواصل مع إيران، فلم يخطر ببال أحد أن يصل التمدد الشيعي إلي دولة مثل السودان أو أفريقيا، بيد أن الحقيقية أن هذا التمدد الشيعي نحو أفريقيا يسبق التمدد في العالم العربي وأكثر رسوخا.
ولذلك لم يكن الجدال الذي ثار في السودان الأسبوع الماضي بشان التمدد الشيعي علي خلفية قضية نشر ستة معارض كتب إيرانية ولبنانية تابعة لحزب الله، لكتابات شيعية تقدح في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعرض الخرطوم للكتاب، سوي انعكاس لأحد جوانب الصورة الحقيقية.
بل أن التمدد الشيعي الإيراني ليس تمددا دينيا مذهبيا فقط بقدر ما هو تمدد استراتيجي وسياسي واقتصادي في أفريقيا عموما يسعى للاستفادة من العاملين معا: المذهب في خدمة الأهداف الإستراتيجية، والأهداف السياسية والاقتصادية في خدمة نشر المذهب الشيعي.
ووفقا لهذا يمكن فهم لماذا أنشأت إيران المجلس الأعلى لشؤون أفريقيا من أجل مركزية التعامل مع هذه القارة، كما أنشأت بنكا للمعلومات يتبع هذا المجلس لتوفير المعلومات عن هذه القارة لكل المتعاملين الإيرانيين معها من الحكومة أو القطاع الخاص، مع عقد اجتماعات أسبوعية لمتابعة نشاط هؤلاء المتعاملين.
ولماذا كما ذكرت صحيفة "كيهان" في 11 /9 / 1996 - أصدرت وزارة الخارجية مجلة فصلية تضم دراسات علمية عن أفريقيا، كما تعقد مؤتمرا دوليا كل عام لبحث العلاقات مع دول هذه القارة. ولماذا تتعامل إيران مع كافة المنظمات الإقليمية في القارة ولها أعضاء مراقبون في بعض هذه المنظمات، حتي بلغ عدد مكاتب إيران في ظل الثورة الإيرانية في أفريقيا 26 مكتبا مقارنة بـ 9 فقط في عهد الشاه السابق!.
أيضا يمكن فهم أسباب توالي زيارات المسئولين الإيرانيين والرؤساء للدول الأفريقية مثل زيارة الرئيس السابق خاتمي إلى سبع دول أفريقية عام 2005 وزيارة سلفه رفسنجاني لعدة دول أخري واستمرار الرئيس الحالي "نجاد" في نفس النهج مع التركيز علي دول مهمة أو بها جاليات شيعية كبيرة ـ نسبياً ـ خصوصا مالي ونيجيريا والسنغال وسيراليون وبنين وزيمبابوي وأوغندا.
السودان..أهمية خاصة
أما السودان فقد حظي باهتمام إيراني خاص ليس فقط لأنه دولة عربية كبيرة هامة وله تأثير في المنطقة، ولكن أيضا لتعويض تعثر العلاقات مع مصر، ولذلك ظلت العلاقات الإيرانية ـ السودانية متطورة دوما وأقامت إيران العديد من المشروعات هناك، وبدأ الانتقال من العلاقات السياسية والتجارية فقط إلي التعاون الثقافي وفتح مراكز ثقافية إيرانية في السودان.
وقد ساعد علي هذا التغلغل الثقافي الإيراني التعاطف السوداني مع الثورة الإيرانية عموما، ومساندة إيران لحكومة الإنقاذ السودانية التي تشكو من الحصار الغربي، وأدي تعميق العلاقات بين البلدين لنوع من بداية نشر المذهب الشيعي في السودان، ساعد عليه أيضا وجود تعاطف سوداني طبيعي مع آل بيت النبوة بحكم انتشار التصوف في السودان.
بل أن هذا النفوذ الشيعي تزايد أكثر مع التعاطف الشعبي مع حزب الله الشيعي إبان العدوان الصهيوني الأخير على لبنان وصمود مقاتلي "حزب الله"، وانتشرت أعلام حزب الله وصور زعيم "حزب الله" حسن نصر الله ما أغري الإيرانيين بالتوسع في عرض الكتب الثقافية الشيعية في معرض الخرطوم الدولي الأخير للكتاب.
حظي السودان باهتمام إيراني خاص ليس فقط لأنه دولة عربية كبيرة هامة وله تأثير في المنطقة، ولكن أيضا لتعويض تعثر العلاقات مع مصر
الصحوة السنية
ولكن يبدو أن هذا الاندفاع الإيراني في نشر ثقافة المذهب الشيعي عبر أمهات الكتب الشيعية في معرض الخرطوم كان جرس الإنذار للقوي السنية هناك وللجماعات الإسلامية وعلماء المسلمين للتصدي لهذا التمدد الشيعي خصوصا بعدما بدأت تتواتر الأنباء عن انتشاره بشكل واضح في حسينيات وزوايا شيعية في الخرطوم وفي مدينة كردفان.
فقد تحركت الجماعات السلفية والإسلامية السنية السودانية بسرعة للاحتجاج علي معرض كتب شيعية أقامته إيران في معرض الخرطوم الدولي الأخير الذي انتهي الأسبوع الماضي ما دفع الحكومة لإغلاق هذا الجناح الشيعي الذي ضم ستة عارضين شيعة من إيران ولبنان هم:
1) المجمع العالمي لآل البيت.
2) المجمع العالمي لأهل البيت.
3) مركز البحوث الكمبيوترية للعلوم الإسلامية (نور).
4) المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب.
5) مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع الدولي-ايران.
6) مؤسسة الهادي للطباعة والنشر والتوزيع لبنان.
وبدأ الحديث عن انكشاف النشاط الشيعي في السودان، وعقد العلماء عدة مؤتمرات يطالبون فيها بوقفات محددة ومواقف حكومية لحصار هذا التمدد الشيعي.
إذ طالب عدد كبير من كبار علماء الدين السودانيين السلطات السودانية بإغلاق المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم، لما يقوم به من "أنشطة مثيرة للفتن" على حد وصفهم، ووقف ما قالوا أنه "النشاطات الشيعية المشبوهة "، وحذروا من انتشار "الفكر الرافضي" في السودان.
ودعا البيان الذي أعلنه قيادات وعلماء الجماعات الإسلامية (المجلس الأعلى للتنسيق بين الجماعات الإسلامية) في السودان 17/12/2006م لغلق المركز الثقافي الإيراني، وفتح تحقيق فوري حول الطريقة التي وصلت بها كتب الشيعة إلى معرض الخرطوم الدولي للكتاب "رغم مخالفتها للوائح المنظمة للمعارض وطعنها في عقيدة الأمة".
وحذر البيان الذي وقع عليه كل من: الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد المراقب العام للإخوان المسلمين، والشيخ إسماعيل عثمان الأمين العام لأنصار السنة المحمدية، والشيخ ياسر عثمان جاد الله أمير جماعة الإخوان المسلمين ـ الإصلاح، والشيخ أبو زيد محمد حمزة القيادي بجماعة أنصار السنة المحمدية، والشيخ عمر شيخ إدريس حضرة الأمين العام للمجلس الأعلى للدعوة، والشيخ سعد أحمد سعد عضو الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتنسيق بين الجماعات الإسلامية وعضو هيئة علماء السودان، من: "الفهم الخاطئ للحريات"، مشددا علي أن "حرية النشر لا تعني الطعن في ثوابت الأمة فما كل شيء مسموح به وللحريات حدود لا تتعداها وهذا شيء متعارف عليه في العالم".
الاندفاع الإيراني في نشر ثقافة المذهب الشيعي عبر أمهات الكتب الشيعية في معرض الخرطوم كان جرس الإنذار للقوي السنية هناك وللجماعات الإسلامية وعلماء المسلمين للتصدي لهذا التمدد الشيعي
أيضا أصدرت (الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان) بيانا مساء الجمعة 15 ديسمبر 2006 قالت فيه أن السودان "ظل في مأمن من مذهب الرافضة الذي أظهر أركانه سب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -... فإذا بالشيعة الروافض يطلون علينا من خلال معرض الخرطوم الدولي). ودعا بيان الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة الجهات المختصة إلى محاسبة الجهات التي سمحت بدخول مثل هذه الكتب وعرضها وطالب أيضا بإغلاق المركز الثقافي الإيراني بالخرطوم الذي يتحمل مسئولية نشر هذه الكتب والترويج لها.
إيران تؤكد انتشار التشيع!
والملفت هنا أن إبراهيم الأنصاري المستشار الثقافي لسفارة إيران بالخرطوم الذي حاورته صحيفة "الوطن" العلمانية السودانية عن وجود شيعة أو تشيع بالسودان، أجاب بنعم، مشيراً لعلاقتهم الجيدة "بالمتصوفة" الذين يحبون آل البيت!!.
ونفي أن يكون إغلاق الجناح الشيعي في معرض الكتاب تم بأمر حكومي ولكن بسبب ضغوط من قال أنهم "المتشددين الدينيين"، ما يؤشر ضمنا لحرج وبوادر أزمة محتملة في العلاقات الإيرانية السودانية أو علي الأقل فرملة الجانب الثقافي منها واستمرار السياسي والاقتصادي.
ومع أنه لا توجد أي إحصاءات لعدد الشيعة في السودان شأن العديد من الدول العربية، فقد نقل موقع العلماء (المشكاة) علي الانترنت عن أحد المعتمدين بولاية شمال كردفان في أحد زياراته للخرطوم بأن الشيعة في محلية «أم دم» وبعض المحليات أصبح وجودهم يزداد بإحصائيات «مزعجة» حسب وصفه.
لكن إحصائيات مسئول شمال كردفان، التي لم يوضح كيفية حصوله عليها، تكشف عن غياب إحصائيات عن عدد منتسبي الشيعة بالسودان وأماكن وجودهم، وهو السؤال الذي يتحفظ جميع المتشيعين عن الإجابة عليه رغم تأكيدهم بأنهم يلتقون في الزوايا أو ما يطلقون عليها «الحسينيات» للاحتفال بعاشوراء وممارسة شعائرهم ولقاء زملائهم في رمضان وغيرها من المناسبات الدينية والاحتفالية الخاصة بهم «مولد الزهراء - مولد الحسين.. إلخ».
بل إن هناك تقارير صحفية سودانية تتحدث عن أن النشاط الشيعي في السودان يمضي في الخفاء بهمة وأن شيعة السودان استقطبوا جماهير غير قليلة من أهل السنة في السودان بواسطة الأنشطة المتعددة مثل مسابقات تحفيظ القرآن وتعليم اللغة الفارسية والمنح الدراسية لإيران، وهي أنشطة بدأ الانتباه لها من قبل علماء السودان عقب أزمة معرض الكتب الشيعية.
التمدد الشيعي إذن طال السودان، ولكن لا توجد أي دلالات علي حجمه ولا نفوذه، ويقول العلماء أنه ليس تمدد من جانب الكثيرين بقدر ما هو تعاطف من قبل المتصوفة مع من يرفعون شارات آل بيت النبوة ومن ثم الوقوع في حبائل التشيع تدريجيا، بيد أن مستقبل هذا التشيع أصبح مرهونا الآن بعمليات كشفه خصوصا في أعقاب أزمة المعرض التي فتح الباب واسعا أمام الحديث عن هذا النمو الشيعي في السودان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد