بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين قيوم السموات والأرضين مدبر الخلائق أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الصادق الأمين، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد.. فهذه مقالة مقتضبة، كتبها بعض العلماء في طائفة وفرقة خرجت في هذه الأزمنة، وتمكنت في الكثير من دول الإسلام، ألا وهي فرقة (العلمانية)، التي يظهر منها الحب، والوئام لأفراد الأمة، ولكنها تظهر أحيانًا خفايا تضمرها تنبئ عن حقد، وشنآن للدين الإسلامي، وتعاليمه، وتتنكر للحدود الشرعية، وللعبادات، والمعاملات الدينية، وتجعل جل هدفها المصالح، والشهوات النفسية، وترى عزل الدين عن الدولة، وترمي المتمسكين به بالتخلف، والجحود، والتأخر، ولاشك أن هذه الطائفة أخطر على الأمة من المنافقين الأولين، ومن كل الطوائف المنحرفة.
ولقد أبان الكاتب وفقه الله جُلَّ أهداف هذه الفرقة الضالة، وأكبر خطرها.. فجدير بالمسلم أن يأخذ حذره، وأن يعرف عدوه، وأن يبعد بنفسه، وبإخوانه عن أمثال هؤلاء العلمانيين، ليسلك سبيل النجاة.. والله الموفق الهادي إلى سبيل الرشاد.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فإن أمتنا الإسلامية اليوم تمر بفترة من أسوأ فترات حياتها، فهي الآن ضعيفة مستذلة، قد تسلط عليها أشرار الناس من اليهود والنصارى، وعبدة الأوثان، وما لذلك من سبب إلا البُعد عن الالتزام بالدين الذي أنزله الله لنا، هداية ورشادًا، وإخراجًا لنا من الظلمات إلى النور.
وقد كان هذا البُعد عن الدين في أول أمره مقصورًا على طائفة من المسلمين، لكنه بدأ الآن ينساح حتى تغلغل في طائفة كبيرة من الأمة، وقد كان لانتشار العلمانية على المستوى الرسمي والمستوى الفكري والإعلامي الأثر الأكبر، في ترسيخ هذا البُعد وتثبيته، والحيلولة دون الرجوع مرة أخرى إلى نبع الهداية ومعدن التقوى.
من هنا كانت هذه الرسالة الموجزة عن (العلمانية وثمارها الخبيثة) في بلاد المسلمين، لعلها تُؤتي ثمارها في تبصير المسلمين بحقيقة هذه الدعوة، ومصادرها، وخطرها على ديننا، وآثارها المميتة، حتى نسارع في التحصن منها، ومقاومتها، وفضح دُعاتها، والقضاء عليها - بإذن الله - حتى نعود إلى ديننا، وتعود لنا العزة كما كانت، {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}.
نسأل الله من فضله التوفيق والإرشاد والسداد.
مــحــمــد شــاكــر الــشــريــف
مكة المكرمة
ما هي العلمانية؟!
سؤال قصير، لكنه في حاجة إلى جواب طويل، واضح وصريح، ومن الأهمية بمكان أن يعرف المسلمون جوابًا صحيحًا لهذا السؤال، وقد كُتِبَت - بحمد الله - عدة كتب في هذا المجال، وما علينا إلا أن نعلم فتعمل.
نعود إلى جوانب سؤالنا، ولن نتعب في العثور على الجواب الصحيح، فقد كفتنا القواميس المؤلفة في البلاد الغربية، التي نشأت فيها العلمانية مؤنة البحث والتنقيب، فقد جاء في القاموس الإنجليزي، أن كلمة (علماني) تعني:
1- دنيوي أو مادي.
2- ليس بديني أو ليس بروحاني.
3- ليس بمترهب (1)، ليس برهباني.
و جاء أيضًا في نفس القاموس، بيان معنى كلمة العلمانية، حيث يقول: العلمانية: هي النظرية التي تقول: إن الأخلاق والتعليم يجب أن لا يكونا مبنيين على أسس دينية.
وفي دائر المعارف البريطانية، نجدها تذكر عن العلمانية: أنها حركة اجتماعية، تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب.
ودائرة المعارف البريطانية حينما تحدثت عن العلمانية، تحدثت عنها ضمن حديثها عن الإلحاد، وقد قسمت دائرة المعارف الإلحاد إلى قسمين:
* إلحاد نظري.
* إلحاد عملي، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي (2).
وما تقدم ذكره يعني أمرين:
أولهما: أن العلمانية مذهب من المذاهب الكفرية، التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا، فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها، بعيدًا عن أوامر الدين ونواهيه.
ثانيهما: أنه لا علاقة للعلمانية بالعلم، كما يحاول بعض المراوغين أن يلبس على الناس، بأن المراد بالعلمانية: هو الحرص على العلم التجريبي والاهتمام به، فقد تبين كذب هذا الزعم وتلبيسه بما ذكر من معاني هذه الكلمة في البيئة التي نشأت فيها.
ولهـذا، لو قيـل عن هذه الكلمة (العلمانية) إنها: (اللادينية، لكان ذلك أدق تعبيرًا وأصدق)، وكان في الوقت نفسه أبعد عن التلبيس وأوضح في المدلول.
كيف ظهرت العلمانية
كان الغرب النصراني في ظروفه الدينية المتردية هو البيئة الصالحة، والتربة الخصبة، التي نبتت فيها شجرة العلمانية وترعرعت، وقد كانت فرنسا بعد ثورتها المشهورة هي أول دولة تُقيم نظامها على أسس الفكر العلماني، ولم يكن هذا الذي حدث من ظهور الفكر العلماني والتقيد به - بما يتضمنه من إلحاد، وإبعاد للدين عن كافة مجالات الحياة، بالإضافة إلى بغض الدين ومعاداته، ومعاداة أهله - أقول لم يكن هذا حدثًا غريبًا في بابه، ذلك لأن الدين عندهم حينئذ لم يكن يمثل وحي الله الخالص الذي أوحاه إلى عبده ورسوله المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام -، وإنما تدخلت فيه أيدي التحريف والتزييف، فبدلت وغيرت وأضافت وحذفت، فكان من نتيجة ذلك أن تعارض الدين المُبدَّل مع مصالح الناس في دنياهم ومعاملاتهم، في الوقت نفسه الذي تعارض مع حقائق العلم الثابتة، ولم تكتفِ الكنيسة - الممثلة للدين عندهم - بما عملته أيدي قسيسيها ورهبانها من التحريف والتبديل، حتى جعلت ذلك دينًا يجب الالتزام والتقيد به، وحاكمت إليه العلماء المكتشفين، والمخترعين، وعاقبتهم على اكتشافاتهم العلمية المناقضة للدين المبدل، فاتهمت بالزندقة والإلحاد، فقتلت من قتلت، وحرَّقت من حرَّقت، وسجنت من سجنت.
ومن جانب آخر فإن الكنيسة - الممثلة للدين عند النصارى - أقامت تحالفًا غير شريف مع الحكام الظالمين، وأسبغت عليهم هالاتٍ, من التقديس، والعصمة، وسوَّغت لهم كل ما يأتون به من جرائـم وفظائع في حـق شعوبهم، زاعمـة أن هذا هو الدين الذي ينبغي على الجميع الرضوخ له والرضا به.
من هنا بدأ الناس هناك يبحثون عن مهرب لهم من سجن الكنيسة ومن طغيانها، ولم يكن مخرجهم الذي اختاروه إذ ذاك، إلا الخروج على ذلك الدين - الذي يحارب العلم ويناصر المجرمين - والتمر عليه، وإبعاده وطرده، من كافـة جوانب الحياة السياسية، والاقتصادية، والعلمية، والأخلاقية، وغيرها.
ويا ليتهم إذ خرجوا على هذا الدين المبدل اهتدوا إلى دين الإسلام، ولكنهم أعلنوها حربًا على الدين عامة.
وإذا كان هذا الذي حدث في بلاد الغرب النصراني ليس بغريب، فإنه غير ممكن في الإسلام، بل ولا متصور الوقوع، فوحي الله في الإسلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلا هو ممكن التحريف والتبديل، ولا هو ممكن أن يُزاد فيه أو يُنقص منه، وهو في الوقت نفسه لا يحابي أحدًا، سواء كان حاكمًا أو محكومًا، فالكل أمام شريعته سواء، وهو أيضًا يحافظ على مصالح الناس الحقيقية، فليس فيه تشريع واحد يُعارض مصلحة البشرية، وهو أيضًا يحرص على العلم ويحض عليه، وليس فيه نص شرعي صحيح يُعارض حقيقة علمية، فالإسلام حق كله، خير كله، عدل كله، ومن هنا فإن كل الأفكار والمناهج التي ظهرت في الغرب بعد التنكر للدين والنفور منه، ما كان لها أن تظهر، بل ما كان لها أن تجد آذانًا تسمع في بلاد المسلمين، لولا عمليات الغزو الفكري المنظمة، والتي صادفت في الوقت نفسه قلوبًا من حقائق الإيمان خاوية، وعقولاً عن التفكير الصحيح عاطلة، ودينًا في مجال التمدن ضائعة متخلفة.
ولقد كان للنصارى العرب المقيمين في بلاد المسلمين دورٌ كبيرٌ، وأثرٌ خطيرٌ، في نقل الفكر العلماني إلى ديار المسلمين، والترويج له، والمساهمة في نشره عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، كما كان أيضًا للبعثات التعليمية التي ذهب بموجبها طلاب مسلمون إلى بلاد الغرب لتلقي أنواع العلوم الحديثة أثرٌ كبيرٌ في نقل الفكر العلماني ومظاهره إلى بلاد المسلمين، حيث افتتن الطلاب هناك بما رأوا من مظاهر التقدم العلمي وآثاره، فرجعوا إلى بلادهم محملين بكل ما رأوا من عادات وتقاليد، ونظم اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، عاملين على نشرها والدعوة إليها، في الوقت نفسه الذي تلقاهم الناس فيه بالقبول الحسن، توهمًا منهم أن هؤلاء المبعوثين هم حملة العلم النافع، وأصحاب المعرفة الصحيحة، ولم تكن تلك العادات والنظم والتقاليد التي تشبع بها هؤلاء المبعوثون وعظموا شأنها عند رجوعهم إلى بلادهم إلا عادات، وتقاليد ونظم مجتمع رافض لكل ما له علاقة، أو صلة بالدين.
ومثل هذا السرد الموجز وإن كان يدلنا على كيفية دخول العلمانية إلى بلاد المسلمين، (فإنه أيضًا ينبهنا إلى أمرين هامين):
أحدهما: خطورة أصحاب العقائد الأخرى، من النصارى وغيرهم الذين يعيشون في بلاد المسلمين، وكيف أنهم يكيدون للإسلام وأهله؟ مما يوجب علينا الحذر كل الحذر من هؤلاء الناس، وأن ننزلهم المنزلة التي أنزلهم الله إليها، فلا نجعل لهم في بلاد المسلمين أدنى نوع من أنواع القيادة والتوجيه، كما ينبغي أن تكون كل وسائل الإعلام والاتصال بالجماهير موصودة الأبواب في وجوههم، حتى لا يبثوا سمومهم بين المسلمين.. لكن من يفعل ذلك! وكثير من الأنظمة تجعل لهم مكانة سامية من أجل نشر هذه السموم.. حسبنا الله ونعم الوكيل.
ثانيهما: خطورة الابتعاث الشديدة على أبناء المسلمين، فكم من مسلم ذهب إلى هناك ثم رجع بوجه غير الوجه الذي ذهب به، وقلب غير القلب الذي ذهب به، وإذا كانت هناك دواعي لذهاب المسلمين للحصول على المعرفة في مجال العلوم التجريبية، فكيف يمكننا القبول بذهاب بعض المسلمين للحصول على درجة علمية في علوم الشريعة بعامة، واللغة العربية بخاصة؟!!
فهل اللغة العربية لغتهم أم لغتنا؟! وهل القرآن الكريم أنزل بلغتهم أم بلغتنا؟!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد