بسم الله الرحمن الرحيم
نظرية التطور:
جاءت هذه النظرية لتؤكد أن وصاية الكنيسة الفكرية على أوروبا انسحبت من الميدان وانتهى أمرها، وقد كان لهذه النظرية آثار مدمرة في الفكر والحياة، حيث استغل اليهود النظرية الداروينية لنشر الإلحاد والإباحية، كما استغلوا الثورة الصناعية للسيطرة على اقتصاد العالم، واستغلوا الديمقراطية في توجيه السياسة الدولية.
تلقى الإيمان المسيحي ضربات قاسية قبل أن تبصر نظرية دارون النور، فقد ثبت تـهافت النظرية المسيحية عن الكون، وجاءت اتقادات سبينوزا وفولتير، فأحدثت هزة عنيفة، ثم الثورة الفرنسية، وما أصاب الكنيسة على يديها من نكبات، والنظريات العديدة التي مهدت لظهور المذهب العقلاني، والجمعيات السرية الهدامة وأفكارها الموبوءة، ومع كل ذلك بقيت المسيحية في عواطف الكثرة الكاثرة من الناس تساندها موروثات عميقة الجذور من القيم والمثل والتقاليد.
في عام 1859م نشر الباحث الإنجليزي تشارلز داروين كتابه (أصل الأنواع)، فأحدث ضجة لم يحدثها أي مؤلف في تاريخ أوربا قاطبة، وكان الغرض الذي قصد الكتاب الوصول إليه هو افتراض تطور الحياة في الكائنات العضوية من السهولة وعدم التعقيد إلى الدقة والتعقيد، وتدرجها من الأحط إلى الأعلى، وأن الفروق الخلقية داخل النوع الواحد تنتج أنواعاً جديدة مع مرور الأحقاب الطويلة، وخلص صاحب النظرية إلى أن أصل الكائنات العضوية ذات الملايين من الخلايا كائن حقير ذو خلية واحدة.
وحسب قانون الانتقاء وبقاء الأنسب" نمت الأنواع التي استطاعت التكيف مع البيئة الطبيعية ومصارعة الكوارث المفاجئة، وتدرجت في سلم الرقي، في حين هلكت الأنواع التي لم يحالفها الحظ في ذلك، ولم يكن فعل الطبيعة ذلك يجري على قاعدة منطقية مطردة، بل كانت تخبط خب عشواء.
هذا هو لب نظرية داروين بإيجاز، وقد وصفها العلماء بأنـها مجرد فرضية بيولوجية أبعد شيء عن أن تكون نظرية فلسفية عامة، أو حقيقة علمية ثابتة.
وقد حكم اثنان من علماء الأحياء في القرن الماضي هما " أوين" في إنجلترا، و "أجاسيز" في أمريكا على تلك النظرية بأنـها مجرد خرافة علمية، وأنـها سوف تنسى بسرعة.
كما انتقدها العالم الفلكي الشهير "هرشل" بل وسائر أساتذة الجامعات.
لم يكن دارون يقصد بنظريته تلك الإيحاءات الفلسفية والتفسيرات المنبثقة عنها، أو التطبيقات التعسفية لها، لكن أعداء الدين هم الذين تلقفوا النظرية وصنعوا منها ذلك الضجيج الهائل والذي يدندن حول كون الدين خرافة يجب أن ينبذ من الحياة، هكذا أراد اليهود.
لقد قامت نظرية التطور على أصلين كل منهما مستقل عن الآخر وهما: أن المخلوقات الحية وجدت على الأرض في مراحل تاريخية متدرجة، ولم توجد دفعة واحدة.
الثاني: أن هذه المخلوقات متسلسلة وراثياً نتج بعضها عن بعض بطريق التعاقب خلال عملية التطور الطويلة البطيئة.
والذي عملته الداروينية أنـها دمجت بين الأصلين، وحاولت تأييد الأصل الثاني بشواهد الأصل الأول، وهو خلط علمي أوجد لبساً على بعض العلماء، وأضفى على النظرية نوعاً من" العلمية" مع أن هذه المسحة العلمية قد يصح أن تضفى على الأصل الأول، لكن إضفاءها على الأصل الثاني خطأ محض.
وعلى الرغم من أن الداروينيين أدخلوا تعديلات كثيرة على تلك النظرية، إلا أنـها بقيت في نظر العلماء نظرية متهافتة، لا تملك البراهين على صحتها.
ويبقى السؤال الحائر حائراً: إذا كانت النظرية بـهذه المثابة من الادعاء الفاقد للبرهان، وأنـها أقرب إلى الخرافة منها إلى الحقيقة العلمية، فما السر في تشبث بعض علماء الغرب بـها، وإصرارهم عليها إصراراً أعمى؟!.
ويجيب المؤلف: إنه الفصام النكد، والعداوة الشرسة التي قامت بين العلم والدين في ظروف غير طبيعية.
يقول السير آثر كيت في (مذهب النشوء والارتقاء): إن نظرية النشوء لا زالت حتى الآن بدون براهين، وستظل كذلك، والسبب الوحيد في أننا نؤمن بـها، هو أن البديل الوحيد الممكن لها هو الإيمان بالخلق المباشر، وهذا غير وارد على الإطلاق. اهـ
والخلاصة أن هناك ممن يسمون" علماء" لا يزالون يعيشون بتلك العقلية التي كان يعيش بـها بابوات الكنيسة، فرجال الكنيسة كان لسان حالهم يقول: حقيقة علمية، لكنها مرفوضة لأنـها ضد معتقدات الكنيسة، وهؤلاء المتعصبون من العلماء يقول لسان حالهم: ليست حقيقة علمية لكنها مقبولة لأن البديل هو الإيمان أو معتقدات الكنيسة، وهو عندهم مرفوض.
إن الذي أعطى الداروينية هذا الحجم الكبير هو تضافر عاملين خارجيين عنها هما:
1 الظروف التاريخية السيئة.
2 الاستغلال البشع للنظرية من قبل القوى الخفية.
وفي هذه النقطة الأخيرة عرض المؤلف لبعض صور هذا الاستغلال، فأشار إلى ما قام به المرابون من اليهود بفضل المركز المالي الذي هيأته لهم الثورة الصناعية - من التمجيد الأسطوري لصاحب النظرية، وصناعة الشهرة له بما لم يظفر به أحد من خدام البشرية أمثال باستير وأديسون وفلمنغ.
ومن صوره كذلك ما قاموا به من تـهييج الجماهير لاستقبال تلك النظرية، وحملهم على تلقيها بوصفها ديناً جديداً.
والحملات الصحفية المكثفة للتشهير بأعداء النظرية، وتحيز الصحف لداروين ضد الكنيسة، فكان من الطبيعي حيال هذه الظروف أن عمت موجة طاغية من الإلحاد في المجتمعات الغربية، ثم انتقلت منها فيما بعد إلى بقاع العالم الآخر.
وها هو الفيلسوف اليهودي " نيتشه" يقوم بنعي الإيمان بالله فيقول: إن الإله قد مات، وإن الإنسان الأعلى"سوبرمان" ينبغي أن يحل محله، ومن هنا قرنته البروتوكولات بداروين وماركس، وعلى خطاهم جاء في القرن العشرين جوليان هكسلي، الذي ألف كتابه (الإنسان في العالم الحديث)، وزعم فيه أن الإنسان اختلق فكرة الله إبان عصور عجزه وجهله، أما الآن فقد تعلم وسيطر على الطبيعة بنفسه، فلم يعد بحاجة إليه، فهو العابد والمعبود في آن واحد.
وكان من آثار الداروينية نفي فكرة الغاية والقصد، فقد تولد من التأثر بنظرية التطور فكرة المصادفة، وكان من المدهش أن يوجد ممن يسمون علماء من يعتقد أن الكون بدقته المذهلة وعظمته الهائلة وجد صدفة واعتباطاً ((ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار)).
وكان من آثار تلك الموجة العاتية من الإلحاد أن تزعزعت قيمة الحياة في نظر الناس، واستبد بالكثيرين شعور يائس قانط، وسيطر الإحساس بالضياع، وترك هذا الشعور آثاره على الأدب الأوروبي في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى بصفة خاصة.
وكان من آثارها أيضاً ذلك الإيحاء القوي بحيوانية الإنسان، وفقدانه الشعور بكرامته ومركزه في الوجود، كما كان من آثارها الإيحاء بمادية الإنسان أي خضوعه للقوانين المادية فحسب، وهي الإيحاءات التي استمد منها أساطين النظرية الشيوعية أصولهم كاليهودي كارل ماركس الذي استمد من حيوانية الإنسان ما نادى به من مطالب الإنسان الرئيسية وهي (الغذاء والسكن والجنس)، ثم جاء اليهودي دور كايم الذي جمع بين حيوانية الإنسان وماديته بنظرية العقل الجمعي، الذي تقول: إن الإنسان حيوان خاضع "لجبرية اجتماعية"، ثم جاء فرويد بنظرية التحليل النفسي، حيث استمد من حيوانية الإنسان من الولادة حتى الوفاة تفسيراً حيوانياً بشعاً، فهو يرى أن الدافع الجنسي هو دافعه الوحيد، فالمولود يرضع ثدي أمه بدافع جنسي، ويتبرز بدافع جنسي، ويظل يتعامل مع الآخرين بناء على هذا الدافع وحده. بل الدين والأخلاق والمثل العليا كلها نابعة من هذا الدافع.
وكان من آثار الداروينية كذلك شيوع فكرة التطور الحتمي المطلق في أوربا، وحسب الناس أن كل تغير وإن كان انتكاسة وانحطاطاً تطوراً مطلقاً، ونجد أن الشيوعية استمدت تفسيرها المادي للتاريخ من فكرة التطور الحتمي، وأن التطور في المجتمع الإنساني يستلزم تطور الإنسان في نظرته للدين، وتولى علماء الاجتماع والنفس والأخلاق وسائر ميادين المعرفة الإنسانية التركيز على قضية واحدة هي أن الدين مر بمراحل انتهت بفعل التطور - إلى نفي فكرة الدين من أساسها.
الباب الثالث: العلمانية في الحياة الأوربية
علمانية الحكم: على الرغم من إقصاء الشريعة المسيحية عن واقع الحياة، فقد كان لها بعض التأثير في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك في جوانب من السلوك الشخصي للحكام المسيحيين، وكان للكنيسة آراؤها السياسية مع أنـها لم تكن تعبر عن أحكام الدين كما أنزل من عند الله، بل كانت نظريتها أشبه بالنظريات الخيالية التي تتحدث عن مدن فاضلة وهمية، كجمهورية أفلاطون، وهي نظريات لا تجعل الدين هو المنهج الذي تقوم عليه الحياة، والأساس الذي تنبثق منه التصورات والقيم، بل إن الانسجام العقلي والمصلحة الدنيوية المجردة كافية لإقامة المجتمع الفاضل في نظر أصحاب هذه النظريات.
ومن هذه النظريات نظرية العقد الاجتماعي، وأصلها فلسفة" أرسطو" التي تقول إن الإنسان حيوان اجتماعي وكان" هوبز" يرى أن الإنسان متوحش على أخيه الإنسان بطبعه، فاحتاج الناس إلى ترويض هذه الطبيعة بعقد اجتماعي ملزم، يضمن سلامة الجميع، وهذا العقد هو الدولة أو الحكومة، ثم توالت الإضافات والتعديلات على هذه النظرية على يد "جون لوك"، ومن بعده" جان جاك روسو" ثم أوحت هذه النظرية بفكرة" الوطنية أو القومية".
وكان من هذه النظريات كذلك نظرية الحق الإلهي التي كانت سائدة قبل الإسلام، وخلاصتها أن الملوك كانوا يستعبدون الناس زاعمين أن لهم سلامة عرقية خاصة أسمى من العنصر البشري، وغلا بعض الطواغيت فادعى أنه إله، أو من نسل الآلهة كما فعل أباطرة الروم، فلما جاء الإسلام نسف هذه الفكرة، ورد العبودية كلها لله وحده، وظهر فلاسفة يؤيدون نظرية الحق الإلهي، أمثال "هوبز" وجروتس.
وفي القرن التاسع عشر تطورت هذه الفكرة على يد هيجل الذي وصل بين العقائد المسيحية وبين النظريات الفلسفية المجردة، فتحول الدين على أيديهم إلى فكر ومنطق، فتحول "الله" إلى مطلق، والوحي إلى معرفة مطلقة، والمسيح إلى توسط، والشريعة إلى قانون مجرد، ولعل هذه النظريات ساعدت على تكريس الطغيان، واستمرار إذلال الشعوب بمنح الحكام تلك الصفة التي شجعتهم على التسلط والظلم بدعوى أن الدين يحبذ الطغيان.
النظريات الحديثة والمعاصرة:
رأى هؤلاء العلميين الجاهلين أن الدين هو العدو اللدود للباحثين، وحصروا مفهومه في أنه عاطفة وجدانية أو روحية تصل قلب الإنسان في فترات من حياته بالسماء ولا ينبغي إقحام الدين فيما لا علاقة له به وهو واقع الحياة اليومية.
فعلى الرغم من كثرة النظريات السياسية، كان الكتاب السياسيون يشعرون بأزمة وهم يحاولون معرفة القانون الأمثل الذي يجب أن يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وكان الكتاب قد تخلصوا من" أحلام الرومانتيكية" واتجهوا إلى" الواقعية".
ووجد علم السياسة بغيته المنشودة في "نيقولا ميكافيللي" صاحب كتاب الأمير، الذي يعد مصدر الإلهام للحكام والمفكرين السياسيين.
كانت هذه النظرية تقوم على ثلاثة أسس متلازمة مستمدة من تصور لاديني صرف هي:
* الاعتقاد بأن الإنسان شرير بطبعه، وأن رغبته في الخير مصطنعة يفتعلها لتحقيق غرض نفعي بحت - فمن الطبيعي أن ينساق بلا حرج ولا لوم وراءها[1].
* الفصل التام بين السياسة وبين الدين والأخلاق.
* إن الغاية تبرر الوسيلة: وهذه هي القاعدة التي وضعها ميكافيللي بديلاً عن القواعد الدينية والأخلاقية.
* وكان ميكافيللي يرى أن الدولة غاية بذاتـها وأن القبض على زمام الأمور هدف برأسه، وللوصول إلى ذلك الهدف لا مانع عنده من سلوك أي سبيل وإن تنافى مع كل القيم الدينية والأخلاقية.
* وعارضت الكنيسة بشدة تلك النظرية بسبب نزعتها اللاأخلاقية الجامحة، وحرمت قراءة كتاب الأمير، وظلت كلمة ميكافيللي وصفاً شنيعاً يطلق على المتحللين من الخلق والدين.
كانت السياسة قد ارتبطت بالاقتصاد ارتباطاً قوياً، فازدادت بعداً عن الدين، وشهدت الحياة الأوروبية انـهيار الإقطاع وقيام الرأسمالية.
كان نظام الإقطاع يمثل صورة بشعة لإهدار كرامة الإنسان الذي كان مستعبَداً لسلطتين غاشمتين سلطة السادة الإقطاعيين وسلطة رجال الكنيسة.
وحل سلطان الحكومة محل سلطان الملوك، وسادت إرادة الشعب، وتلاشى ما كان يعرف بالحق الإلهي أمام ثورة الديمقراطية.
ومع ظهور الآلات ازدادت البطالة، وتعالت الصيحات من جديد ترفض هذا الواقع الفردي وتطالب بأنظمة جماعية ديمقراطية، وظهر بقوة صوت الاشتراكيين الأوائل، ومال إليهم طوائف من المثقفين والعمال والفلاحين وشكلوا جبهة مضادة للرأسماليين العتاة.
يقول المؤلف: وفي معمعة الصراع بين أنصار الديمقراطية الرأسمالية الفردية ودعاة الديمقراطية الاشتراكية الجماعية ولدت نظرية التطور التي غيرت مجرى الفكر الغربي بأجمعه، فأبعدت المسيحية الرسمية، وأفسحت المجال لإبعاد الدين عامة بصفة نـهائية من التأثير في أي منحى من مناحي الحياة.
نظرة إلى الواقع المعاصر:
الواقع السياسي في أوربا واقع جاهلي لا يؤمن بالله - تعالى - ولا يحتكم إلى شريعته، ولهذا فإن سنن الله تؤكد أن هذه المجتمعات تنحدر إلى الهاوية، وتنتظرها كوارث مروعة.
ثم يعرض المؤلف الوجه الآخر لتلك الجاهلية المعاصرة كما يراه المفكرن السياسيون في الغرب.
ينظر الناس في الغرب إلى الديمقراطية على أنـها منطقة مقدسة لا ينبغي أن تكون موضع نقاش، وذلك لأن البديل لها عندهم ليس سوى الدكتاتورية البغيضة.
وعلى الرغم من تمسكهم بالديمقراطية إلا أن الكتاب الديمقراطيين قد وجهوا لها عدة انتقادات، أولها:
1- ميوعة هذا الاصطلاح وصعوبة تحديده بدقة علمية: فبينما كانت الديمقراطية تعني حكم الأغلبية وتعني الحرية الشخصية، فقد أصبحت تعني أهداف الحزب السياسي الذي يمثل مصلحة الفقراء على أساس أن الفقراء هم الأغلبية، ثم أصبحت تمثل أهداف زعماء الحزب كما يقول أرنولد توينبي.
2 الأحزاب المتشاحنة التي لا تعبر عن إرادة الأمة: بين المؤلف أن الدول الديمقراطية يوجد بـها نوعان من الأنظمة: نظام الحزبين كما في بريطانيا (المحافظين والعمال)، ونظام المجموعة كما في فرنسا وألمانيا، ثم أورد شرحاً ل" هارولد لاسكي" عن عيوب كل من هذين النظامين، فبين أن من عيوب الأول أنه لا يتلاءم مع انقسام الرأي بصورة فاعلة، وأن من عيوب الثاني اعتماد أسلوب المناورات أكثر من تحمل المسئولية، كما أنه يميل إلى تجميع السلطة حول الأشخاص أكثر من تجميعها حول المبادئ.
3 إيجاد طبقة ثرية مسيطرة" دكتاتورية" وهو عيب خطير ملازم للأنظمة الديمقراطية الغربية، فالدافع الوحيد والمحرك الرئيسي للعمل السياسي هو المصالح المادية، ولهذا استطاعت امبراطوريات المال في هذه الدول التحكم في السياسة الخارجية والداخلية مباشرة أو بطريق الضغط على السلطة الحاكمة، كما أنه يكون بإمكانـها رعاية مصالحها وتحقيق أغراضها النفعية الخاصة.
4 تزييف وتطويع الرأي العام، وهذا العيب مرتبط بالعيب الذي قبله في بيان سيطرة الطبقة الثرية على وسائل الإعلام، وتمكنها من خلالها من تشكيل الرأي العام.
5 الفتور في تجاوب المواطنين مع العملية الانتخابية وبيان أن متوسط نسبة الناخبين الفعليين في الولايات المتحدة على سبيل المثال حوالي 60%، وهي نسبة لا تشير إلى رأي كامل الشعب، فيكون الحزب أو الفرد الفائز قد حصل على أغلبية أصوات المشتركين في الاقتراع لا على أغلبية الشعب.
6 القضاء على الميزات الفردية: يعرض المؤلف رأي" إليكسس كارل من كتابه (الإنسان ذلك المجهول) وهو ينتقد الديمقراطية لأنـها ألغت الفروق الطبيعية بين الأفراد وتوهمت أنـهم متساوون في الحقوق، واعتبر ذلك من خطل الرأي، وأنه مبدأ خطير يساعد على انـهيار الحضارة بمعارضته نمو الشخص الممتاز، وأنه من المستحيل الارتفاع بالطبقات الدنيا (الأغبياء من الناس)، فكان السبيل الوحيد لتحقيق المساواة بين الناس على اختلاف استعداداتـهم العقلية هو الديمقراطية، أي الانخفاض بالجميع إلى المستوى الأدنى وهكذا اختفت الشخصية.
7 تعارض المصلحة الذاتية للفرد والجماعة: وضرب مثالاً على ذلك بمسألة رفع الأجور التي قد تحقق مصلحة للعمال من جهة، لكنها تفوتـها من جهة أخرى لأنه يكون مصحوباً بارتفاع الأسعار.
ثم ذكر تلخيصاً لما لاحظه الكتاب الديمقراطيون من عيوب على الديمقراطية فكان منها:
1. الصراعات الدائمة بين الأحزاب المنقسمة على بعضها.
2. المنافسات الحمقاء بين المواطنين.
3. عدم وجود سياسة متجانسة لمدى طويل.
4. البطء الشديد في تقدم مستوى حياة الجماهير.
ثم أضاف المؤلف أن كل هذه الانتقادات لم تنفذ إلى لب المشكلة وأساسها المتمثل في التمرد على شريعة الله استكباراً وغروراً.
ثانياً: النظام الشيوعي:
بين المؤلف أن الأفكار الديمقراطية تولدت من رد الفعل لمساوئ الإقطاع، وعليه فإن أقرب تفسير للشيوعية أنـها جاءت رد فعل لمساوئ الرأسمالية.
عرض المؤلف النظرية الشيوعية، فذكر من مبادئها: سيادة الطبقة العاملة، أو ما تسميه" دكتاتورية البروليتاريا" مقابل دكتاتورية الرأسماليين في الديمقراطية الليبرالية". والنظرية الشيوعية في نظر أصحابـها عقيدة شمولية تشمل التصور العام للوجود، وتقدم الحلول والتفسيرات لكل نشاطات الحياة ومجالاتـها العامة، وذلك يربطها جميعاً بالعامل الوحيد المؤثر في الحياة، وهو العامل الاقتصادي وبصفة خاصة" ملكية وسائل الإنتاج"، ومن هنا ينبغي النظر إلى الدولة الشيوعية على أنـها وجه اقتصادي يشمل السلطة التشريعية والجهاز التنفيذي وتقع سلطته المطلقة في يد الحزب الشيوعي، الذي يعتقد أنه هو الشعب على الحقيقة.
إن الواقع المشاهد يقطع بأن أنظمة الحكم الشيوعية الديمقراطية الشعبية هي أبشع أنواع الأنظمة الاستبدادية في التاريخ، وأن ألوان الشيوعية المعاصرة هي في الواقع أشبه شيء بمعتقلات فسيحة زبانيتها أعضاء الحزب الشيوعي ونزلاؤها الشعب بكامله.
ثم استعرض أقوال بعض المفكرين البارزين في التجربة الشيوعية، واتفاقهم على أنـها أذلت الشعوب وسحقتها، وكبتت الحريات، ووأدت الرأي الحر، وأن الذين عاشوا في الدول الشيوعية قضوا أعمارهم في بؤس وجوع وحرمان، وأن هذه الحقيقة قد أصبحت واضحة كالشمس في رابعة النهار، وأن الذين كانوا مخدوعين بالديمقراطية الشيوعية من أمثال" برتراند راسل" قد عرفوا الحقيقة في النهاية وبينوا مساوئ الحزب الشيوعي ومآسي الشعوب على يديه...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد