اللاجئون المسلمون في العالم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

شهدت السنوات الأخيرة تفاقم مشكلة اللاجئين في العالم بحيث لم تعد ظاهرة مؤقتة من ظواهر ما بعد الحرب، ولكن تحولت إلى مشكلة مزمنة تشمل ملايين البشر الذين يفقدون المأوى والإعالة، ويحاصرهم الجوع والفقر بعد نزوحهم من بلدانهم نتيجة الكوارث والحروب والمنازعات الداخلية، فأصبحوا مشردين في الأرض، ومنكوبين بالشتات وفقد المأوى ربما لأجيال قادمة.

وتنطلق المفوضية العامة للأمم المتحدة من تعريف رسمي للاجئ يقول: " إنه مَن يعيش مضطرا خارج حدود بلد يحمل جنسيته، ولا يستطيع العودة إليه، بسبب انتمائه العرقي أو الديني أو القومي "، بينما يطلق وصف المشرّد على المضطر للعيش في غير مكان إقامته داخل وطنه الأم.

وتشمل السجلات الرسمية للمنظمة الدولية 21 مليون لاجئ ومشرد في أنحاء العالم، المجموعة الكبرى منهم من الأفغان، وعددهم وفق إحصائيات المفوضية 6.3 ملايين لاجئ، ثم الفلسطينيون وعددهم 5.3 ملايين لاجئ، ولكن الرقم الذي ترجحه المصادر الدولية نفسها يربو على 50 مليونًا، وربما كان أكبر من ذلك بكثير، إذ لا يوجد إحصاء شامل مثلاً للاجئين والمشرّدين في القوقاز والبلقان وأنجولا وإندونيسيا وغيرها.

شهدت السنوات الأخيرة تفاقم مشكلة اللاجئين في العالم بحيث لم تعد ظاهرة مؤقتة من ظواهر ما بعد الحرب، ولكن تحولت إلى مشكلة مزمنة تشمل ملايين البشر الذين يفقدون المأوى والإعالة

 وانطلاقاً من رقم (50 مليونًا) تتراوح نسبة اللاجئين والمشردين من المسلمين ما بين الثلثين والأربعة أخماس، ومعظمهم مشردون ما بين الأقطار الإسلامية نفسها وداخل الوطن الأم، كما هو الحال في البوسنة والهرسك والبلقان عمومًا، أو أفغانستان والدولتين المجاورتين لها، أو اللاجئين الفلسطينيين، وينطبق هذا الوضع على الأفارقة المشرّدين من غير المسلمين أيضا.

وتقول إحصاءات المنظمة عن اللاجئين والمشردين الذين ترعاهم وفق سجلاتها - أي في حدود 21 مليون نسمة عام 2001م -: إن الثلثين من اللاجئين والثلث من المشرّدين داخل حدود أوطانهم الأصلية، وإن ربعهم معا هم لاجئون ومشرّدون في أوروبا الغربية والشرقية، أي أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون بقليل (منهم حوالي مليونين ونصـف من المسلمين البوشناق والألبان)، والربع الثاني، أو خمسة ملايين وثلاثمائة ألف تقريباً هم اللاجئون والمشردون في بلدان القارة الإفريقية.

 

تزايد مستمر:

وإذا نظرنا إلى أعداد اللاجئين في العالم في العقد الأخير نجد أن تعدادهم قد ارتفع من 17 مليون لاجئ عام 1991م إلى 27 مليون عام 1995م، ووصل عددهم إلى 32 مليون لاجئ عام 1997م، إضافة إلى وجود ما يناهز 30 مليون نازح أي في نطاق حدود أوطانهم.

وتستحوذ قارة أفريقيا على أكبر عدد من اللاجئين قياساً بعدد سكانها، حيث بلغ عدد الأفارقة اللاجئين 7. 5 مليون لاجئ بالإضافة إلى ما يناهز 3.1 مليون نازح داخلي، ولعل ذلك ما دفع بالأمم المتحدة إلى تخصيص يوم 20 يونيو الماضي 2001م للاجئ الأفريقي، وهو الذي يجدد فيه المجتمع الدولي دعمه للاجئين الأفارقة، ومن المعروف أن أفريقيا تستهلك وحدها 40% من إجمالي نفقات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تزيد عن مليار دولار سنوياً قي السنوات الأخيرة.

وبعد أفريقيا تأتي آسيا وتضم حوالي 8.4 مليون لاجئ إلى جانب 7.1 مليون نازح، ثم أوربا وتضم 3.1 مليون لاجئ و6.1 مليون نازح داخلي.

الصراعات والنزاعات المسلحة والحروب والكوارث الطبيعية والبشرية أسباب أساسية لنزوح اللاجئين

 مأساة اللاجئين الفلسطينيين:

وتعد مأساة اللاجئين الفلسطينيين أقدم وأقسى المآسي في الوطن العربي، فهم الأكثر تعداداً وانتشاراً في معظم دول العالم منذ خمسين عاماً، ورغم أن عدد اللاجئين الفلسطينيين بلغ 5236692 فلسطينياً في عام 2000م، أي ما يعادل 61.9 % من مجموع أبناء الشعب الفلسطيني فإن وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين "أونروا" لا تقدم خدماتها إلا لـ 3.267.160 لاجئاً فقط المسجلين لدى الوكالة، والذين يملكون من الأوراق الرسمية ما يثبت حقهم كلاجئين في سجلات اللاجئين، وتبدو هذه الفئة أفضل حظًا من 1.609.677 لاجئا فلسطينيًّا، لا يملكون من الأوراق الرسمية ما يثبت حقهم كلاجئين، بعد أكثر من نصف قرن على مأساة اللجوء والتشرد.

ومن المعروف أن قرار الأمم المتحدة "194" نص على أن اللاجئين الفلسطينيين الذين يرغبون في العودة إلى منازلهم، والعيش بسلام مع جيرانهم يجب أن يسمح لهم بذلك في أقرب فرصة ممكنة، ويجب أن يدفع تعويض لأولئك الذين لا يختارون العودة.

والولايات المتحدة كانت تؤيد هذا القرار "194" حتى السبعينيات، ثم تبنت موقفًا معارضًا للقرار ولحق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هاجروا منها، وهو ما يتناقض مع موقف الأمم المتحدة ويطابق الموقف الإسرائيلي، ومن المعروف أن ما جاء في الأفكار الأمريكية لحل قضية اللاجئين هو عودة جزء من اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي 48 كحالات إنسانية، وليس انطلاقاً من مبدأ الاعتراف بالقرار 194، مما يؤكد أن هذا الموقف يمثل تبنيًا كاملاً للموقف الإسرائيلي، ولن يخدم الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط، بل يدفع إلى تعقيدها ويزيد من احتمالات الحرب بشكل دائم.

وقد انطلقت حملة واسعة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين للتوقيع على " وثيقة شرف عائلية " بالدم من ممثلي العائلات الفلسطينية التي طردت عام 1948م بالقوة كتأكيد منهم على التمسك بحق العودة، ورفض مشاريع التوطين، ورفض التفويض أيا كان بالتنازل عن مبدأ حق العودة نيابة عن اللاجئين.

وأكد محمد بوكري (المدير الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة) في تقرير المفوضية حول "حالة اللاجئين في العالم" أنه يوجد في الأردن وسوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية ما يقرب من (3.6) ملايين لاجئ فلسطيني ترعاهم وكالة "غوث وتشغيل اللاجئين" (الأونروا)، وأشار"بوكري" إلى أن المفوضية لعبت دورًا مهمًّا من أجل حماية شرائح كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في أوروبا وأمريكا وخارج سوريا، ولبنان وفلسطين المحتلة، والدفاع عن هويتهم، وأوضاعهم القانونية.

 

اللاجئون الأفغان:

وبعد مأساة اللاجئين الفلسطينيين، تبرز مشكلة اللاجئين الأفغان الذين هربوا من مناطقهم داخل أفغانستان نتيجة الحرب الأهلية ثم الحرب الأمريكية، والذين يعيشون في عدد من المخيمات ويمرون حالياً بظروف قاسية وهم في أمس الحاجة إلى المواد الغذائية والكساء والخدمات الصحية وغيرها، خصوصا وأن بينهم أطفالاً ونساء وشيوخاً يئنون من فرط المرض والجوع.

وقد وصل تعداد اللاجئين الأفغان في العالم عام 1999م إلى ما يزيد عن 6.3 مليون لاجئ، وهناك 165 ألف أسرة أفغانية تعيش في 17 مخيما في مناطق وادي بنجشير يتجرعون مرارات العذاب والضنك والشقاء، بينما تعاني 25 ألف أسرة أخرى في 7 مخيمات أجبروا على مغادرة مدينة تخار، ويتكبدون المشاق في سبيل الحصول على أبسط مقومات الحياة.

وقد أعلنت حكومة باكستان قبل الحرب الحالية أنها ستعيد اللاجئين الأفغان الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية وشكلت مئة فرقة للتدقيق في أوضاع اللاجئين، خاصة بعد تزايد تدفق اللاجئين الأفغان على باكستان بسبب الحرب والجفاف. وتقول مصادر حكومية باكستانية: إن 70 % من القادمين الجدد وضعهم غير قانوني وسيعادون إلى أفغانستان.

ويعيش في باكستان مليون لاجئ أفغاني في مخيمات مزدحمة، وأصبح الناس يموتون فيها بسبب الأمراض وعدم توفر مجاري الصرف الصحي والنظافة والمياه، وهناك كثير من اللاجئين يعيشون في مخيمات داخل أفغانستان تحت إشراف الأمم المتحدة. وحكومة باكستان الحالية لا تملك القدرة على مواجهة حاجات الأعداد الضخمة من اللاجئين.

كما أن الولايات المتحدة التي كانت شديدة الحماس لتمويل وتسليح الجهاد الأفغاني والدعاية له أصبحت تتجاهل مأساة الشعب الأفغاني الفقير، الذي قامت بدور كبير في تدميره وإفقاره وتشريده، بعد أن انتهت من استخدامه وسيلة للانتقام من الاتحاد السوفيتي السابق لهزيمتها في حرب فيتنام، وضمن الصراع بين القوى الكبرى آنذاك.

 

تعامل غير ودي:

وقد أعربت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة عن أسفها للتعامل غير الودي عموماً الذي يصل أحياناً إلى حد العدائية مع اللاجئين الأفغان، وأشارت إلى أنهم يشكلون حالياً أكبر مجموعة من اللاجئين في العالم. وقال (الناطق باسم المفوضية) روبرت كولفيل في جنيف: "إن التعامل غير الودي هذا الذي يصل أحياناً إلى حد العدائية حيالهم لا يلاحظ في الدول المجاورة لأفغانستان فحسب، بل كذلك في أماكن أخرى من العالم "، واعتبر أن وضع اللاجئين الأفغان أسوأ منه في أي وقت مضى.

وكان اللاجئون الأفغان قد توجهوا العام الماضي إلى دول مختلفة، مثل: أستراليا وكمبوديا وكوبا وإيرلندا، وتضاعف عددهم بصورة خاصة في أوروبا خلال سنتين فأرتفع من 18.300في عشرين دولة أوروبية عام 1998م إلى 34 ألف عام 2000م.

وقال الناطق باسم المفوضية: " إنه لسوء الحظ حين يصل الأفغان كالعديد من طالبي اللجوء إلى دول صناعية، يواجهون إجراءات استبعاد متزايدة ". وأوضح أنهم يوضعون في بعض الدول في مراكز اعتقال، في حين يرفضهم المجتمع في دول أخرى وكأنهم منبوذون، كما أن الدول الخمس المجاورة لأفغانستان، أغلقت حدودها في وجه اللاجئين بالرغم من استمرار الحرب والانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان.

 

اللاجئون في البلقان:

وتعد الصراعات الدائرة في البلقان منذ سنوات من الأسباب الرئيسية للجوء الآلاف بل ملايين البشر من دول البلقان إلى غيرها من الدول المجاورة، فهناك نحو مليون لاجئ من الألبان وربع مليون جدد.

وقد دعت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين حكومات كرواتيا و البوسنة والهرسك إلى التعاون من أجل التعجيل بعودة اللاجئين، وذكرت المفوضية إن خمسة وعشرين ألفاً من اللاجئين المسلمين والكروات فقط هم الذين عادوا إلى ديارهم منذ إبرام اتفاق دايتون للسلام عام 1995م الذي تم بموجبه إنهاء الحرب في البوسنة، في حين لا يزال نحو 800 ألف من المسلمين والصرب والكروات نازحين في أنحاء متعددة من البلاد.

وفي الوقت نفسه حذر مسؤول بالمفوضية في إقليم كوسوفو من أن استمرار اضطرابات اللاجئين التي سببتها سنوات من الحرب في يوغوسلافيا السابقة، قد يهدد الاستقرار في جنوب شرقي أوروبا.

 

اللاجئون الإريتريون:

وتعد مأساة اللاجئين الإريتريين واحدة من أكبر المآسي التي شهدها العالم في هذا العصر، فعددهم تجاوز الـ 750 ألفًا، ويمثّلون حاليًا واحدًا من أكبر تجمعات للاجئين المشردين في العالم..بعيشون في جنوب اليمن والسودان، ويسكنون بيوتاً بعضها مبني من الطين الذي تعلوه حزم القش المتجمعة على هيئة مخروط، وبعضها من صفيح الزنك الذي رسم عليه الصدأ صورا من القهر والفقر.

وقد بدأت مأساة اللاجئين الأريتريين عام 1967، فقبل هذا التاريخ بسنوات، وبالتحديد في عام 1961م قاد المجاهد " حامد إدريس عوَّاد " ثورة شعبية للتخلص من الاحتلال الإثيوبي لبلاده.. واجتمع الشعب الإريتري حوله يحدوهم الأمل في لحظة يستنشقون فيها عبير الحرية بعد عقود من أدخنة الإمبراطور " هيلاسيلاسي " الخانقة.. وكادت الثورة أن تنجح لولا دعم الاتحاد السوفييتي لصديقهم الحميم هيلاسيلاسي.. فكانت النتيجة التي فجَّرت سيولاً من الدموع جرفت في طريقها كل ما عرفته البشرية من ألوان الرحمة.

فقد اتبع هيلاسيلاسي مع الثوار ومن أَيَّدَهم من أهالي القرى والمدن المسلمة، أو حتى تعاطفت معهم، سياسة الأرض المحروقة.. فبدأ بقتل الحيوانات وإحراق الزرع حتى جاع الناس.. ثم راحت رصاصاته الغادرة تحصد تلك الأكباد الجائعة.. وأحذية جنوده المهينة تدق تلك الهياكل العظمية التي لم تعد تقوى على السير.

وبدأت أفواج الهجرات الأولى للاجئين مع مطلع عام 1967م، حين خرجت النساء يحملن أولادهن الرضع فوق ظهورهن.. أما الرجال فكانوا يسيرون في صمت.. ويحملون في أيديهم بعض الملابس البالية.. وكِسرات من الخبز الجافة.. وأوعية من ماء الوطن.. وحطًّوا الترحال بعد أيام من السير تحت وهج الشمس الحارقة، وفوق الرمال الملتهبة، وكانت السودان هي الدولة التي استقبلتهم في شرقها بكرم ممزوج بشفقة عجيبة.. وبنى لهم شريك القاتل "الأمم المتحدة" معسكرًا في ولاية القضارف شرق السودان، ليكون نواة لاستقبال بقية المهاجرين.. وبعد مدة كان المعسكر معسكرات.. أسموها معسكرات سمسم.. وكان المهاجرون 750 ألفاً.. !!

وبعد أن حصلت أريتريا على حريتها واستقلالها، فرح اللاجئون وعزموا العودة إلى ديارهم وأرضهم، ولكن " أفروقي " لم يسمح لهم بذلك، وأعد لهم معسكرا داخل البلاد، وطبق عليهم سياسة العزل لتحقيق هدفين، الأول: هو ما علمته حكومة أفورقي من تنامي ظاهرة التدين والتأثر بالصحوة الإسلامية داخل معسكرات اللاجئين، سواء في السودان أم في اليمن أم في الصومال، وخشيت الحكومة من انتقال تلك الصحوة إلى بقية السكان، مما يؤثر على استقرار حكم أقلية التجري الأرثوذكسية المتطرفة والتي اختارت أفورقي ليكون واجهة لها.

والأمر الثاني: الذي هدفت الحكومة إليه من عزل اللاجئين في معسكرات خاصة بهم، وعدم السماح لهم بالعودة إلى مدنهم وقراهم، هو ممارسة وسائلها المعروفة لإفسادهم أخلاقيًّا عن طريق الأفلام الجنسية والاختلاط المبتذل لفتيات شبه عرايا، وهذا هو النهج الذي اتبعوه على مدى السنوات الثلاث الماضية، والذي كان يثبت ولاءه للنظام عن طريق التمادي في الفساد الخلقي "يفرج" عنه ويسمح له بالانخراط في المجتمع!!

 

لاجئو أوربا:

وعلى مستوى القارة الأوربية لا تزال قضية المهاجرين السريين واللاجئين إلى أوربا تشكل ظاهرة تفرض نفسها على المجتمع الأوربي، خاصة وأن غالبية هؤلاء اللاجئين مسلمون، ويختلف النمط الذي تتعامل به كل دولة عن الأخرى إزاء هذه القضية، ففي حين ترفض بعض هذه الدول طلبات اللاجئين وتشدد من قوانينها، تسمح دول أخرى بالهجرة وتنظم دخولهم إلى البلاد في إطار قانوني، والشيء الذي يثير الانتباه بالفعل هو أن غالبية لاجئي أوربا من أصل عربي ومسلم.

ومستجدات هذه القضية تشير إلى أن المهاجرين السريين القادمين من الضفة الجنوبية لدول البحر المتوسط، يفضلون البقاء في دول، مثل: أسبانيا وإيطاليا على التوغل شمالا إلى دول أوربية أخرى، فكلتا الدولتين تعتبران الأكثر ضعفاً من حيث مراقبة السلطات لحركة المجتمع فيهم، بالإضافة إلى اتساع أراضيهما ووجود إمكانيات العمل بشكل غير قانوني في مجالات يصعب مراقبتها كالزراعة ومقاولات البناء، إلا أن السلطات الأسبانية فاجأت نظيراتها في سائر دول الاتحاد الأوربي مؤخرا باتخاذها قرارا يقضي بتسوية وضعية 138 ألف مهاجر سري، وذلك بمنح الإقامة القانونية على أراضيها، لـ 30 ألفا من بينهم كانوا قد تلقوا أوامر سابقة بمغادرة الأراضي الأسبانية.

وكانت السلطات البلجيكية قد اتخذت السنة الماضية قرارا مشابها بالقرار الأسباني، حيث دعت المقيمين بشكل غير قانوني على أراضيها للتقدم إلى السلطات المحلية لوضع ملفاتهم استعدادا لمنحهم حق الإقامة القانونية، غير أن بروكسل تراجعت فيما يبدو عن وعودها تحت ضغط من أحزاب اليمين الصاعدة، خاصة في الإقليم الفلاماني الذي يعد الأقوى والأغنى والأكثر تأثيراً في القرار السياسي الفيدرالي في بلجيكا.

كما شهدت دول أوربية أخرى كإيطاليا وألمانيا وفرنسا، خلال السنوات الماضية محاولات لتسوية مماثلة لقضية الهجرة السرية، إلا أن ذلك لم يفد قط في إيقاف سيل المهاجرين من الدول الفقيرة، كما لم تفد أيضا كافة إجراءات تشديد الحراسة على الحدود الأوربية، فقد ظهرت بعد انهيار حائط برلين وسقوط المعسكر الشرقي عصابات منظمة لتهريب المهاجرين السريين، يقال إن أرباحها تصل إلى مليارات الدولارات سنويا.

ويؤكد الفشل المستديم لمحاولات دول الاتحاد الأوربي في إيجاد حل لظاهرة الهجرة السرية، صحة ما جاء على لسان عدد غير قليل من الخبراء، من أن الحل يجب أن يكون أعمق من مجرد تسوية ملفات بعض المقيمين غير الشرعيين أو تزويد خفر الحدود بإمكانيات أكثر حداثة، وذلك بإعادة النظر في العلاقات بين الدول الغنية المستقبلة للمهاجرين والدول الفقيرة المصدرة لهم، فما دامت 80% من الثروة العالمية في يد 20% من سكان الأرض، فسيواصل الفقراء الزحف بكل الوسائل والطرق على قلاع الأغنياء مهما كانت عالية الأسوار أو محصنة.

 

80 ألف لاجئ في هولندا:

ويختلف الأمر في هولندا التي استقبلت خلال العام الحالي ما يقارب ثمانين ألف لاجئ، غالبيتهم من أصل عربي وإسلامي، حيث تتصدر دول كتركيا وإيران والعراق وأفغانستان والسودان قائمة الدول المصدرة للاجئين والمهاجرين السريين، وهي دول إسلامية وعربية كما أعلن مصدر في مكتب اللاجئين التابع لدائرة التجنيس والهجرة الهولندية.

وقد قدم إلى هولندا خلال عقد التسعينيات ما يناهز نصف مليون لاجئ، تمت تسوية إقامة نصفهم، ولا تزال ملفات ما يقارب مئة ألف شخص معلقة لدى أجهزة وزارة العدل المختصة بالنظر في قضايا اللاجئين، واختار عدد كبير من اللاجئين الذين رفضت طلباتهم إما العودة إلى مواطنهم الأصلية، كما حدث مع لاجئي منطقة البلقان، أو تغيير مكان اللجوء واختيار دول تعتبر فرص الإقامة فيها أفضل كإنجلترا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا.

وتشير مصادر هولندية إلى أن أغلب المقيمين غير الشرعيين في هولندا ينحدرون من أصول إسلامية، وتحديدا من المغرب وتركيا، حيث تعيش هناك جاليتان كبيرتان مغربية وتركية، ويقدر البعض عدد المسلمين المقيمين بطريقة غير قانونية في هولندا بمئة ألف شخص تحاصرهم القوانين الجديدة التي تعمل على التضييق عليهم في فرص العمل والخدمات الصحية والاجتماعية.

 

معاملة سيئة:

وفي دولة كأستراليا يعيش آلاف المسلمين اللاجئين إليها الآن في ظروف سيئة مع الأطفال والنساء، وقد تضاعف عددهم خلال العام الحالي، ومعظمهم معتقلون في معسكرات اعتقالº لأنهم وصلوا بصورة غير شرعية للبلاد، وأكثرهم من العراقيين والأكراد والأفغان، وهم بحاجة ماسة لمساعدة المنظمات الخيرية الإسلامية، حيث يعيشون في ظروف سيئة، وبلغ عددهم 9 آلاف لاجئ منهم 800 طفلا، وقد انتقدت منظمة العفو الدولية، قيام حكومة استراليا باعتقال اللاجئين في معسكرات قذرة مع أطفالهم.

ومما يزيد من حجم مأساة اللاجئين أن المجتمع الدولي يفرق بين اللاجئين طبقا لجنسياتهم، فقد أكدت "ساداكو أوجاتا" إحدى مفوضات شؤون اللاجئين بالأمم المتحدة: أن المجتمع الدولي منح 120 دولارًا لكل لاجئ بكوسوفا، في حين منحت أقل من 30 دولارًا لكل لاجئ أفريقي، مشيرة إلى احتمال أن تكون العنصرية جزءًا من المشكلة، فالغرب استجاب "لكوسوفا"º لأنهم يعتبرونها جزءًا من أوروبا، وقد أكدت "أوجاتا" أن السبب الرئيس في هجرة وتشرد ملايين الأفراد هو الحروب الداخلية ومعارضة بعض اللاجئين للعودة إلى وطنهم مثل اللاجئين الأفغان الذين لا يريدون العودة إلى أفغانستان التي تسيطر عليها حركة "طالبان".

كما ذكرت مفوضة شؤون اللاجئين أن الدول المضيفة لهؤلاء اللاجئين تعاني من تدهور الأحوال الاقتصادية بها نتيجة لزيادة أعداد الوافدين إليها، مما سيجعلها غير قادرة على استيعاب هؤلاء اللاجئين بل وطردهم أيضًا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply