وكوارث أخلاقية واجتماعية مروعة أصابت بلاد الرافدين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

..وفي ظل الاحتلال أصبح العراق يعج بالظواهر الاجتماعية السلبية والخطيرة والمدمرةº بداية بالسرقة والنهب ومروراً بالمخدرات والفساد ووصولاً إلى سوق الرذيلة!

ففي عراق اليوم..عراق ما بعد الغزو تتفشى على أغلب الأرصفة وأسواق مدن العراق ظاهرة بيع وتداول المواد الإعلامية غير الأخلاقية المشجعة على الفساد. وبرزت كذلك تجارة بيع الأعضاء البشرية سواء بالإقناع من خلال استغلال الفاقة والحاجة الاقتصادية للناس البسطاء وتوريطهم في بيع أعضائهم.. أو من خلال جرائم الخطف والابتزاز وانتزاع الأعضاء من الضحايا بطرق وحشية.

 

تجارة الرقيق!

وفي هذا السياق الكارثي المجتمعي تكشفت مؤخراً حقائق مفزعة عن انتشار ظاهرة الرقيق الأبيض أو الاتجار بالأجساد، وتهريب الفتيات العراقيات تحت ضغط الفقر والعوز والحاجة الاقتصادية، وفي ظل غياب فاعلية ودور أجهزة الضبط الاجتماعي.

 

ضحايا جامعيات

وتوضح الأنباء وجود تنامٍ, في ظاهرة الاتجار بالرقيق الأبيض وأجهزة الأمن في عدد من محافظات العراق وأقرت بوجود هذه الظاهرة ووجود تزايد في البلاغات عن فقدان نساء وفتيات!! وأنها تلاحق عصابات منظمة تمارس هذه التجارةº بهدف تهريب فتيات في مقتبل أعمارهن لتوريطهن في أعمال مخالفة للآداب خارج العراق في دول عربية وغير عربية.

وبعد الحرب على العراق وتزايد حالات خطف الفتياتº صدرت أصوات عراقية شريفة تحذر من هذه المشكلة الخطيرة.. إلا أن إجراءات الحكومة لم تزل دون المستوى المطلوب للتصدي ومنع الظاهرة، ومؤخراً كشفت صحيفة "الشرق الأوسط" بعددها الصادر يوم 18 أغسطس الماضي في سياق تحقيق صحفي عن (التهريب عبر الحدود العراقية) حقائق عن عودة تجارة الرقيق الأبيض على الحدود العراقية، مشيرة إلى أن بين الضحايا خريجات جامعيات. فقد روى للجريدة أحد المهربين أن تجارة التهريب في العراق تبدأ من السلاح وتنتهي ب"اللحم الأبيض".

وقال المهرب "س. ن" 48 عاماً: "إن عمليات التهريب بدت الآن أكثر خطورة من السابق، ويجب الانتباه لها لأن ضعاف النفوس بدؤوا بالتعامل بأي شيء مهما كانت النتائج المترتبة عليه، وقد تدخلت السياسات بهذه الأعمال بقصد التدمير للطرف الآخر عن طريق المخدرات والأعضاء البشرية وحتى النساء، بعدما كانت قد بدأت في السابق بالسلاح والذهب والكحول". وكشف المهرب عن: "أن تهريب النساء والأعضاء البشرية يعد آخر ما توصلت إليه عمليات التهريب".

وقد أكد أحد ضباط الشرطة العراقية رفض ذكر اسمه للجريدة المذكورة وجود هذه الظاهرة أيضاً، وقال إنها: "قد حصلت بشكل كبير في الفترة الأخيرة نتيجة للظروف التي يعيشها العراقيون في بلدهم، وأن هذه المسألة لا تقتصر على بنات الغجر أو بنات الليل، بل إنها قد تعدت ذلك إلى خريجات الجامعات"، لقد تحول تهريب الفتيات إلى مهنة مربحة! لكنها مهنة ليست كباقي المهن وحرفة لا يجيدها إلا البعض، ودرب لا يسلكه إلا من هو "ميت القلب والضمير" في دهاليز مظلمة لا ترى خلالها إلا الموت والدم والعذاب التي اختلطت بحلاوة الكسب السريع للمال والنفوذ..

لكن بعض الأشخاص لديهم بعض المعلومات حصلوا عليها لتماسهم المباشر مع الفرق الغجرية وبيوت الهوى وغيرها، وكان (ر. ع) من بينهم، الذي أوضح: "أن فرق الغجر للرقص كانت في السابق قبل الحرب كثيرة جداً، وكانت تمارس عملها بشكل علني، وبعد سقوط النظام السابق تراجع نشاطها بشكل كبير لمحاربتها من قبل بعض الجهات وانعدام الأمن واضمحلال أعمالهم، مما دفعهم إلى ترك البلد للبحث عن فرص عمل بعيداً عن العراق، ووجدت هذه الفئة ضالتها في دول عديدة. وبعد خروج هذه الشريحة من العراق لم يكف المروجون لها، بل طالبوا بالمزيد، وهنا بدأت أعمال أخرى بترغيب البنات وإيهامهن بالعمل في الخارج والحصول لهن على تأشيرة وعقد عمل أو عن طريق الزواج والسفر بهن إلى هناك ليتم الضغط عليهن في ديار الغربة وإجبارهن على الانصياع لغاياتهم، وهذا ما حدث مع الكثير من الفتيات العراقيات".

 

تجارة الأعضاء

وتتحدث التقارير الخارجية عن أن شيوع ظاهرة تهريب الأعضاء البشرية وازدهار تجارة الرقيق الأبيض تدق ناقوس الخطر! ويتساءل أحدهم عن مصادر الأعضاء البشرية المهربة، هل يتم شراؤها من الفقراء استغلالاً لحاجتهم كالكلية والقرنية مثلاً؟ أم يتم سلخها من الأحياء المخطوفين من قبل عصابات الخطف قبل قتلهم؟ كما أن تقارير إخبارية سابقة تحدثت عن جثث مشوهة في الفلوجة وغيرها من مدن العراق المستباحة تم نزع أعضاء منها وتم نشر بعض الصور في معرض يتحدث عن جرائم الحرب أعدته نقابة المحامين العراقية في بغداد ويتساءل: ترى هل يشترك بعض جنود الاحتلال في تجارة الأعضاء البشرية؟ التي باتت تدر مبالغ طائلة في العراق الأمريكي الجديد الذي تبحث فيه عن الثراء السريع شركات أمريكية ودولية كبرى ومرتزقة دوليون وسياسيون وأحزاب جاءت مع دبابات الاحتلال وتطابقت مصالحها الأنانية مع مصالح الاحتلال على حساب معاناة العراقيين وآلامهم؟!

 

ناقوس الخطر يدق

إحدى الباحثات الاجتماعيات المختصات في العراق كتبت تحليلاً حول الظاهرة المذكورة قالت فيه: "من جديد يثار موضوع تجارة الرقيق، أو بالأحرى يظهر على السطح، إذ انتشرت تقارير عن رواج تجارة اللحم الأبيض العراقي على أيدي مهربين يتاجرون بكل شيء بهدف كسب المال فقط دون أية غايات أخرى، لم يدهشني ما قرأت.. ألم يوصل الاحتلال العراق إلى الهاوية بسبب انتهاكات مستمرة لشرف العراقيات؟ وإن التجار القوادين مهما كانت جنسياتهم عراقييون أم عرباً أم غيرهم هذا هو عملهم وحرفتهم كأي مهنة أخرى لا يريد صاحبها إلا تحقيق أكبر مكاسب مادية منها، هؤلاء هم أنفسهم الذين ينشطون وتزدهر تجارتهم في الأزمات والنكبات التي تصاب بها الشعوب. إنهم تجار الحروب وأثرياء المتاجرة بأزمات الأمة.. فما أكثر نكبات وأزمات العراق التي أصبحت أرضاً خصبة ومرتعاً خصباً ليزرع مثل هؤلاء وغيرهم من التجار والسماسرة القذرين الذين يتاجرون بكل شيء وعلى حساب أي شيء، هم أنفسهم أصحاب المصلحة وراء عدم استقرار العراق واستتباب الأمن فيهº لأنه إذا ما تحقق الأمن والاستقرار فإنهم سوف يتعرون وتكسد تجارتهم ويتفرغ لهم المجتمع والقوى الخيرة الشريفة فيه لمحاكمتهم وتحصين المجتمع من السموم التي يبثونها فيه. ليس هؤلاء في موقع لوم أو اتهام وحدهم لكل ما يجري ولما نسمع من الأخبار المقززة عن الأعمال التي يقومون بها في العراق، بل على العائلة العراقية التي تسمح ببيع بناتها مهما كانت الأسباب اجتماعية أم سياسية أم نفسية، لقد مر العراق ولعقود طويلة بمحن وأزمات لم تمر على شعب غيره... ولطالما كانت العائلة العراقية متماسكة ومحافظة على قيمها وأفرادها، وخاصة الإناث، على اعتبار أن الأنثى هي الأصل والأساس في المجتمعات.. ورمز للشرف.. وهي التي تنجب الأطفال وتعنى بتربيتهم، فإذا نشئت الأنثى بشكل سليم نكون قد ضمنا مجتمعاً نظيفاً متماسكاً قوياً، على الرغم من الطرق الخاطئة في التربية والتعامل مع الأنثى لدى الكثير من العائلات، وفي نفس الوقت بقي شرف الأنثى والحفاظ على سمعتها خطوطاً حمراً لدى العراقية نفسها لا تسمح لأي كائن بالتقرب منه، فما الذي حصل اليوم؟ و هل يعني ذلك أن العائلة العراقية قد حطمت كل الأعراف والقيم والأسس التي كانت وظلت لعقود طويلة حريصة عليها في خضم الهوجة البربرية التي يعيشها العراق اليوم؟ أم أنه لم يعد المجتمع معنياً بما تفعله هذه العائلة أو تلك مع فتياتها، مهما فعلنº على اعتبار أننا ننعم بزمن الديمقراطية الأمريكية اللعينة التي يستخدمها بعض العراقيين وغيرهم اليوم أسوأ استخدام، ولا يمكنني أن أتخيل بشكل دقيق طبيعة الكارثة الأخلاقية والاجتماعية التي أصابت العراق، ومن أي مصدر يمكن أن أستقي الحقيقة! فالأخبار تعددت مصادرها ومصداقيتها عما حصل ويحصل في العراق الآن مازالت تربكنا وتهز ضمائرنا.. ونحن ننظر إلى مجتمع يتم تخريبه عمداً وعن سبق إصرار بفضل جحافل الغزاة ومن جاء معهم".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تنامي وجود الظواهر السلبية المؤذية في المجتمع العراقي بعد الغزو الأمريكي، لا ينتقص من حقيقة كون مجتمعنا العراقي من المجتمعات المتماسكة والمنضبطة والملتزمة بالقيم الدينية والأخلاقية... إلا أن التنبيه والإشارة إلى هذه الظواهر هو إسهام في الحرص على أمن المجتمع العراقي والحفاظ على ثوابته وحصانته.

ويجب التأكيد دوماً على أن الغزو والاحتلال هما سبب كل الكوارث والمصائب الاجتماعية، وأن سلطات الاحتلال تتحمل التبعات القانونية وفق الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وبخاصة اتفاقات جنيف لعدم ممارستها لدورها المطلوب في حفظ أمن البلد المحتل ومنع مظاهر الخروقات القانونية.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply