إهانة المسلمين وعقيدتهم: أعمال فردية أم إستراتيجية أمريكية؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يشهد العالم الإسلامي حالياً ثورة من الغضب إزاء ما ورد من معلومات حول تدنيس الأمريكيين في سجن غوانتانامو للقرآن الكريم، وفي مواجهة هذا الغضب شدّدت الإدارة الأمريكية في تصريحات لها أن التصرف إن وقع فهو عمل فردي! ثمّ أصدرت تصريحات أخرى مفادها أن التقارير أشارت إلى أن أحد السجناء هو الذي مزّق القرآن!!

وفي هذا الإطار نتساءل: هل إهانة المسلمين وعقيدتهم، وكرامتهم وعزتهم، وشرفهم عمل فردي كما يدعون؟ وهل هو استثناء؟ أم أن الأمر أخطر من ذلك بكثير، وهو إستراتيجية أمريكية مدروسة بعناية، ولها أهداف ومرامي عديدة؟!

 

قراءتان لهذا الموضوع:

برز في سياق الإجابة على هذه التساؤلات قراءتان للموضوع:

القراءة الأولى: تقول إن مثل هذه الإهانات للمسلمين وللعقيدة الإسلامية هي أعمال فردية لا تعبّر إلا عن أصحابها، وهم في الغالب إما لا يعلمون ماذا يفعلون، وإما تنقصهم الثقافة حول المسلمين وعقيدتهم وتقاليدهم (كما يتم الادعاء دائماً في إطار تبرير الإهانات المتكررة للمسلمين وعقيدتهم)، ويذهب أصحاب هذه القراءة إلى القول إن المعلومات التي تظهر عن التعذيب تشير إلى شفافية الإعلام الغربي، وأن الولايات المتحدة يجب أن تتابع الموضوع، وأن هذه الأفعال ليست استراتيجية أمريكية، لأن مثل هذه الأفعال تسيء إلى مصداقية الولايات المتحدة الأخلاقية في وقت هي بأمس الحاجة إليها للترويج لمعتقداتها عن الديمقراطية والحرية، كما أن هذه الأفعال من إهانة للقرآن الكريم، واغتصاب للنساء، وإذلال الرجال، وانتهاك إنسانية المسلم في أبو غريب وغوانتانامو، وفي سجون كابل وغيرها من السجون التي تخفى عنا ليست في مصلحة أمريكا نفسها، وتضر بمساعيها لتحسين صورتها في العالم الإسلامي، هذا وغالباً ما لا يتجاوز موقف أصحاب هذه القراءة التنديد أو الاستنكار لمثل هذه الأعمال، والتي تتكرر دائماً على مرأى ومسمع المسلمين، ويكتفون بمطالبة الولايات المتحدة بتحقيق لكشف ملابسات الموضوع، ومعاقبة المسئولين عنه وينتهي الأمر.

القراءة الثانية: وفيما نعتبر أن هذه القراءة ساذجة جداً وإلى حد كبير، وتبريرية وانهزامية، تبرز قراءة أخرى تقول: إنه لا مجال إلى اعتبار هذه الأفعال فردية أو استثنائية، فهي سياسة مدروسة، وإستراتيجية أمريكية دقيقة تقوم على مبدأ "الصدمات المتوالية" حتى يفقد الآخر في النهاية الإحساس بقيمة الشيء، أو ينهار لعدم قدرته على رد ما يتعرض له من إهانات وإذلال، ويقدم أصحاب هذه القراءة دليلاً على ما يذهبون إليه من تحليل فيقولون: إن الاستثناء أو العمل الفردي لا يكون إلا في حالة معينة شاذة خارجة عن المألوف لسبب واضح لا لبس فيه، أما ما نشاهده الآن من أفعال أمريكية فقد بدا أن احترام المسلم وعقيدته هو الاستثناء والعمل الفردي، وما دون ذلك إستراتيجية أمريكية، وإلا بماذا تفسرون هذا التكرار في التعذيب والإهانة الذي تشرف عليه أمريكا، وما يعجز القلم عن وصفه، والصورة عن التقاطه، وما لا يرضى عنه لا حجر ولا شجر، ولا بشر ولا حتى حيوان؟ هذا ويعتبر أصحاب هذا الرأي أنه لا فائدة من المطالبة بالاعتذار أو الشكوى إلى مجلس الأمن، أو المطالبة بمحاكمة الفاعلين خاصة بعد المهازل التي كشفت عنها لجان التحقيق في قضية أبوغريب، حيث هرب الجميع من المسؤولية بل، ونال بعضهم أوسمة على خدماتهم في العراق مثل الجنرال سانشيز، فيما تلقى صغار القوم عندهم عقوبات بالغة القسوة تمثّلت في تخفيف رتبتهم العسكرية!! وإن المطلوب من أمريكا أكثر من هذا بكثير، إذ يجب عليها عدا عن تقديم اعتذار رسمي من قبل البيت الأبيضº الإفراج عن جميع المعتقلين المسلمين في سجونها، والذي لم يثبت عليهم شيء إلى الآن بشهادة الجميع، والانسحاب من جميع أراضي المسلمين التي احتلّتها مع التعهد بعدم تكرار ذلك.

 

تقرير تدنيس القرآن الكريم: تسريب للخبر أم نقل له وما الأهداف؟

كان الخبر الذي نقلته مجلة نيوزويك الأمريكية الأسبوع الماضي حول تدنيس القرآن الكريم الدافع في إشعال ثورة غضب عارمة بدأت في أفغانستان وباكستان، وامتدت إلى كافة الدول الإسلامية فيما بعد، وما نرجحه من خلال متابعتنا للسياسة الإعلامية الأمريكية هو أن هذا الخبر قد تمّ تسريبه عن عمد ولم يتم نقله بشكل عادي، خاصة أن مسألة تدنيس القرآن الكريم كان قد تحدث عنها جميع المعتقلين السابقين الذين تم الإفراج عنهم من قبل جميع المعتقلين السابقين الذين تمّ الإفراج عنهم من قبل من سجن غوانتانامو، ولم يلتفت أحد إلى أقوالهم، ولم تطالب الدول الإسلامية والعربية بأي تحقيق في الأمر، ومر الموضوع دون ضجة، فلماذا أعيد طرحه الآن؟ وما يدفعنا لترجيح أن الخبر قد تم تسريبه عن عمد هو الإجراءات غير المسبوقة للإحاطة بسرية تامة حول معتقل غوانتانامو، فلا أحد يعرف ما يدور في داخله سوى المعتقلين والجلادين، فكيف نقلت نيوزويك الأخبار من داخل السجن؟! وإن كان الخبر تم تسريبه عن قصد فلا بد حينها من أن يكون هناك أهداف لهذا التسريب، ونرجح بناء على ذلك أن تكون هذه الأسباب قريبة مما سنقول إن لم تكن هي بعينها:

أولاً: بالتأكيد فإن الحدث أحدث صدمة كبيرة، وبالتالي ربما حاولت أمريكا تمرير موضوع مهم من خلال الصياح الضجيج الذي تركه موضوع تدنيس القرآن، حيث تصرف تسليط الإعلام عنه، وقد تكون أحداث القائم السبب، أو هناك سبب آخر نجهله إلى الآن.

ثانياً: إن تسريب خبر تدنيس القرآن قد يكون بالون اختبار، ومعياراً لقياس ردّات فعل الشعوب الإسلامية والعربية، ومعرفة أكثرهم تمسّكاً بدينه، أو اهتماماً بالأمر، وبعدها يمكن الاستفادة من هذه النتائج لمشاريع مستقبلية فكرية أو عسكرية.

ثالثاً: قد يكون هذا العمل من أجل فحص مدى استقرار الحكام في المنطقة، وأيهم أكثر تأثراً بردة فعل الشارع، وأيهم أكثر استعداداً للتنازل لمطالب الشارع، ومن هم الذين سيمررون، ومن هم الذين سيعترضون، وذلك لأخذ فكرة مفصلة عمّا سيأتي فيما بعد من سيناريوهات.

رابعاً: فحص ردّة فعل من يسمون بالإسلاميين المعتدلين، وما هو سقف مطالبهم إزاء الموضوع، هل سيعلنون الجهاد مثلاً، هل سيطالبون بتحقيق، وهل سيسكتون ويلملمون الموضوع، أو سيصفوه بالعمل الفردي؟ ويمكن لأمريكا بعدها قياس مدى قدرتهم على "ضبط النفس" فيما لو حصل ذلك وهم في السلطة مثلاً، على اعتبار أن أمريكا وكما ذكرت العديد من التقارير في الآونة الأخيرة تجري حواراً مع هذه الفئة لمعرفة مدى إمكانية أن تكون بديلاً عن الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول.

خامساً: إحداث هزيمة نفسية ومعنوية بالمسلمين خاصة بعد الفشل الذريع الذي منيت به أمريكا في أفغانستان والعراق، على أساس أن هناك اعتقاداً في الغرب أن الصدمات المتوالية من شأنها أن تؤدي إلى هزيمة هذا الطرف عبر استهداف أغلى ما عنده من عقيدة وشرف، وكرامة وعزة، لكن يبدو أنّ الأمريكيين والغرب ينقصهم الكثير في هذا المجال، فهذا العمل وهذا الأسلوب قد ينفع مع المجتمعات الغربية الضعيفة معنوياً وروحياً، والمنهارة اجتماعياً وأخلاقياً، أما مع الشرق فإنه يؤدي إلى نتائج عكسية ترفع من معنويات المسلم، وتحثّه على بذل نفسه، والتضحية بها فداء للمقدسات وللعزة والكرامة، وبالتأكيد فلا شك أن أمريكا ستكون هدفاً لهذا النوع من الناس لفترة طويلة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply