بسم الله الرحمن الرحيم
في لقاء قد يكون هو أقرب إلى المواجهة لا للحوار حول قضايا ساخنة متعددة وواقع يعيشه المسلمون في الغرب، ومشكلاتهم وقضاياهم، والجيل الجديد والمؤامرة عليه وخطر الذوبان في المجتمعات الغربية، جاء هذا الحوار مع الشيخ حسان موسى الداعية المعروف في السويد ورئيس مجلس الأئمة هناك، وعضو مجلس الإفتاء الأوروبي.
كشف الشيخ حسان التفاصيل عن استيلاء البعض على المساجد في أوروبا، وخاصة في إسبانيا، عندما بدأ العمل الإسلامي ينتقل من العمل الفردي والتطوعي والتلقائي إلى العمل المؤسسي، الذي يقوم على أسس ولوائح ويخضع تماماً للقوانين الأوروبية، وتسجل العقارات والمساجد والمراكز الإسلامية باسم جمعيات إسلامية وفق القانون، ثم تطرق إلى خطورة الدعوات التي تتناثر هنا وهناك حول وضعية المسلمين في أوروبا وأمريكا، ولماذا لا يعودون إلى العالم الإسلامي؟! وأكد بأنهم مواطنون أوروبيون يدينون بالإسلام، ووطنهم هو الذي يحملون جنسيته، ولا مجال لمثل هذه الأحاديث غير الواقعية، وغير المفهومة.
وقال الشيخ حسان موسى: لقد دفعنا ثمن غياب العمل الإسلامي المؤسسي سنوات وضاعت أجيال من أبناء المسلمين، منهم من ذاب في المجتمعات الأوروبية ومنهم من تنصر ومنهم من انحرف، وكذلك دفع المسلمون في الغرب ثمن الفتاوى غير المفهومة حول الانتخابات والترشيح وتحريم العمل السياسي على المسلمين في الغرب، وجعلنا نعيش سنوات على هامش الحياة، همنا الرزق وجمع المال والحصول على الجنسية.
وقال: إن المؤامرة الآن اخطر على الجيل الجديد لأبناء المسلمين الذين يريدون إذابته، خاصة أن التعليم الإسلامي في الغرب مازال يعاني من مشكلات كثيرة، سواء في أعداد المدارس أو المعلمين أو المناهج، وقال إن مجلس الإفتاء الأوروبي حل مشكلات الفتوى لنا.
والشيخ حسان موسى ينحدر من أصول جزائرية، فهو درس المراحل التعليمية حتى إجازة الحقوق في الجزائر، ثم حصل على الدراسات العليا من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وعمل إماما وخطيباً لمسجد استوكهولم، والآن يترأس مجلس أئمة السويد، وعضواً بمجلس الإفتاء الأوروبي، وإمام وخطيب جامع الشيخ زايد في العاصمة السويدية، وله مقالات ودراسات تنشر عن الإسلام في الصحف السويدية.
في البداية قلنا له كيف ترى العمل الإسلامي الآن في الغرب؟
- قال: نستطيع القول إن العمل الإسلامي في أوروبا مر بعدة مراحل، من بدايات هجرة ذابت في المجتمعات الغربية لم يكن همها سوى لقمة العيش، والبحث عن ملاذ آمن أو عمل ما، ثم تزوج معظم هؤلاء من أوروبيات ونسوا وطنهم ودينهم، منهم من انحرف، ومنهم من تنصر وصار مثل زوجته الأوروبية حتى أولادهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام، ومنهم من ذاب تماماً في المجتمع ولكن الآن أولادهم بدأوا يبحثون عن جذورهم ودينهم وعقيدتهم.
وإرهاصات العمل الإسلامي الحقيقي جاءت في ثمانينيات القرن الماضي أو أواخر السبعينيات، حيث الهجرة الجديدة وأبناء المسلمين ثم البعثات التعليمية الإسلامية، من أبناء العالم الإسلامي الذين سافروا للغرب لدراسة الماجستير والدكتوراه، أو من فروا لظروف مختلفة أو من هاجروا بحثاً عن لقمة العيش، ومن هنا بدأت إرهاصات لعمل إسلامي بدأ فردياً عفوياً وانتهى الآن إلى العمل المؤسسي. وفي " استوكهولم " بدأ العمل الإسلامي بالرابطة الإسلامية في العاصمة، وكانت في مبنى صغير جداً في ضاحية نائية وبدأت تتجمع العناصر الفاعلة في العمل الإسلامي، ثم بدأت الرابطة تكبر وتتسع وتنتقل من مبنى إلى آخر حتى صارت الآن معلماً بارزاً في السويد، ثم انتقل العمل الإسلامي إلى فنلندا والنرويج والدانمارك وهولندا..لقد كانت البداية عاطفية فردية تلقائية ثم انتقلت إلى العمل المؤسسي.
في مرحلة الانتقال من الفردية إلى المؤسساتية، كم خسر المسلمون في أوروبا؟
- لقد خسرنا الكثير والكثير، خسرنا أجيالا ذابت أو انحرفت، وعقارات ومؤسسات وأموالاً، كانت للفردية ظروفها، وكانت مرتبطة بأشخاص منهم الصالح ونحسبهم الكثيرين ومنهم الطامع في مال أو مكان أو عقار أو منصب أو غيره، وكانت الشخصانية تتمحور حول الشخص الذي يجمع المال ويضعه في حسابه ثم يبني مسجدا يكون باسمه أو مركز إسلامي أو غيره، وهذا للأسف جزء كبير منه ضاع إما بوفاة الشخص وجاء الورثة ووضعوا أيديهم على كل شيء، أو بغياب دور المؤسسة والقانون.
ومن هنا جاء العمل المؤسسي المحكوم بقوانين ولوائح الدول التي نعيش فيها، وأن تسجل الجمعية أو المركز أو المسجد باسم الجمعية المنشأة طبقاً للقانون، والذي يحدد كيف يتم اختيار الأعضاء، وصرف الأموال، وأيلولة الممتلكات للشخصية الاعتبارية.
هل هناك قصص لمساجد كثيرة ضاعت او تم الاستيلاء عليها بسبب الفردية؟
- نعم الوقائع موجودة، وكما قلت إن مرحلة الفردية والتطوعية والارتباط بالشخص هو الذي يجعل الورثة يتكالبون على الإرث ولا يهمهم هذا مسجد أو غيره، وحقيقة ضياع العديد من المساجد في اسبانيا مشهورة، ومعروفة، ودفع المسلمون هناك في اسبانيا ثمن هذا، لعل ذلك ما دفع رابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي وغيرها من المؤسسات الدعوية الكبرى أن تعمل على حماية هذه العقارات والأموال، وتبدأ العمل بطريقة صحيحة أي وفق أنظمة وقوانين هذه البلدان، لتحافظ على أموال المسلمين.
لقد رفعت رابطة العالم الإسلامي شعار مسجد في كل عاصمة هل كان هذا رداً على ضياع المساجد في الغرب؟
- لا.. هذا عمل دعوي رائد، وللرابطة دورها المميز ولله الحمد أنشأت العديد بل العشرات من المساجد في الغرب ودعمت المراكز الإسلامية، أما ضياع بعض المساجد فقد كان بسبب ارتباطها بأسماء أشخاص منهم من توفي وأخذه الورثة وحولوه لشيء آخر أو باعوه ومنهم من أخذته الدنيا.
يعني هذا أن المسلمين في الغرب دفعوا ثمن غياب العمل المؤسسي باهظاً؟
- هذه حقيقة ولا يمكن إنكارها، ومعروفة، وقد تكون السبب في تعثر الأقليات المسلمة في الغرب وتشرذمها وتمحورها حول المواطن التي جاءت منها او المذهبية أو غيره من المشكلات.
الآن هل حلت مشكلة المساجد والمدارس والمراكز الاسلامية وصارت مسجلة بأسماء جمعيات وشخصيات اعتبارية؟
- أؤكد أنه لا وجود الآن لشخصانية أو فردية في امتلاك عقارات للمسلمين كالمساجد والمراكز أو المدارس الإسلامية فهي صارت مسجلة وموثقة ومضمونة أيلولتها للمسلمين ولا يمكن لأحد التصرف بها، فكل جمعية أو مؤسسة إسلامية خيرية مسجلة قانونياً وهناك لوائح ونظم تحدد كيفية انتخاب مجلس إدارة والمسؤول وصلاحياته وغيره.
ولكن ظلت مشكلة المدارس الإسلامية؟
- قضية المدارس ليست في المباني والممتلكات بل في المناهج والمعلمين، بسبب أن المدارس إما أن تنشأ في كنف جمعية أو مركز إسلامي مثل مدارس الأحد أو نهاية الأسبوع وغيره وهي التي تعلم أبناءنا القرآن والعلوم الشرعية، وتحفظ الروابط الأسرية، أو مدارس إسلامية خاصة استثمارية يشرف عليها مجلس إدارة وتكون مسؤولية أصحابها وإذا حصلت على دعم حكومي يكون هناك ضوابط
أما مشكلة المناهج التعليمية فحتى الآن لم يتفق المسلمون في أوروبا على منهج موحد يدرسونه في المدارس الإسلامية، بل حتى في البلد الأوروبي الواحد تتعدد المناهج والجرعات الدينية. وقد بذلت جهود كبيرة وأجلها وضع مناهج موحدة للتعليم الإسلامي في الغرب، شارك فيها خبراء وتربويون وأكاديميون ودعاة، وهناك أكثر من منهج أقر وتم الاتفاق عليه، ولكن بقي أن يوضع موضع التنفيذ، ويقر من قبل الاتحاد الإسلامي الأوروبي والمنظمات والجمعيات الإسلامية.
أما مشكلة المعلم فهي مشكلة مزمنة، فكان الاعتماد على الإمام أو الشيخ في المسجد لتعليم العلوم الشرعية، أو استقدام أساتذة ومعلمين وللأسف هؤلاء لا يعرفون عقلية المسلم الأوروبي ولا تفكير الجيل الجديد، ونحن مع مرور الوقت بدأنا في إعداد معلمين من نفس البلدان ولكن هناك قلة قليلة جدا التي تندمج في التعليم لأسباب اقتصادية أو غيرها.
وماذا عن مشكلات الفتاوى التي تصدر إليكم أو تطلبونها وتختلفون عليها؟
- نستطيع القول إن هذه كانت مشكلة كبرى، الفتاوى التي تصدر في العالم الإسلامي قد تخص قضايا هنا في هذا العالم أما أن يلزم بها المسلمون في أوروبا فحدث اختلافات بشأنها، فكانت كل أقلية تلجأ إلى علماء من وطنها الأم، الجزائريون للجزائر والمصريون لمصر وغيرها، حتى بدء صيام شهر رمضان، وعيد الفطر المبارك، وكانت الخلافات القومية والقطرية والمذهبية تشتد ولكن جاء تأسيس الاتحاد الأوروبي للإفتاء الذي يمثل فيه دعاة وعلماء وفقهاء من أوروبا مع الاستعانة بعلماء من العالم الإسلامي ليحل لنا هذه المشكلة، وللعلم لقد حسم هذا المجلس الكثير من القضايا التي تهم المسلم الأوروبي، وأظهر أن تجربة المسلمين في الغرب نضجت، وأكد لنا قضايانا هناك فقه اسمه فقه الأقليات يراعي ظروف المجتمع الذي نعيش فيه.
ولكن هناك من لا يزال يلجأ إلى فتاوى من خارج أوروبا؟
- نعم لا أحد يستطيع أن يمنع أحدا أو يحجر عليه ولكن يكون الأمر مقصوراً عليه، ولا يلزم به الأقلية المسلمة في الدولة التي يعيش فيها لأن هناك مؤسسات إسلامية تختص بالأمر.
وفتاوى السياسة؟
- للأسف هذه الفتاوى التي صدرت وتحرم على المسلمين في الغرب المشاركة السياسية وحقهم في الانتخاب وحقهم في الترشيح، دفعنا ثمنها، وجعلت البعض يعيش على هامش الحياة السياسية، بل في عزلة مما يحدث.
هناك في الغرب 30 مليون مسلم يستطيعون فرض قضاياهم، وترشح أشخاص للمجالس البلدية أو النيابية وكسب تعاطف الكثير ولكن العزلة هي التي همشت المسلمين، والأقلية المسلمة، ولم تجعل لهم وزنا في الحياة الحزبية والسياسية، إذا أخذنا في الاعتبار قيمة الصوت الانتخابي الواحد.
تواجهون مشكلة الاندماج والذوبان والخطر على الجيل الجديد كيف تحلون هذه المشكلات؟
- بدأنا فكرة الاندماج الإيجابي في المجتمعات التي نعيش فيها، لأننا مواطنون أوربيون، ولنا حقوقنا، ولا أحد يستطيع أن يسلبنا هذا الحق، والدعوات التي تصدر هنا أو هناك بعودة المسلمين في أوروبا إلى العالم الإسلامي، غير معقولة، وغير مقبولة على الإطلاق، ولذلك فالاندماج الإيجابي جاء بالاندماج في مؤسسات المجتمع المدني أن تحصل على جميع حقوقك وتلتزم بجميع المسؤوليات، وتكون مواطناً فاعلاً في المجتمع، مع الالتزام بدينك وعقيدتك وحقك في ممارسة شعائرك التعبدية، ولكن الخطر في دعوات التطرف والعنصرية والمطالبة بالذوبان وصعود اليمين المتطرف ونحن نواجه هذا؟؟ ونحذر الجيل الجديد منه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد