القضاء الإسباني لا يملك أي دليل ضده


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عندما خطف صحفيان فرنسيان في العراق والذي أدانه وشجبه الجميع قامت الدنيا ولم تقعد، وتحركت كل العواصم العربية والإسلامية وطالبت الخاطفين بإطلاق سراحهما باسم الإسلام والإنسانية والقيم العليا.

ولقد أصبحت قضيّة الصحفيين الفرنسيين هي القضيّة المركزية للجمعيات الإسلامية في فرنسا ومعظم العواصم الغربية، وخرجت تظاهرات في كل أوروبا تطالب بضرورة إطلاق سراح الصحفيين الفرنسيين، بل إنّ بعض الرؤساء العرب تبنوا قضية الصحفيين الفرنسيين وحركوا كل القنوات السياسية والدبلوماسية والأمنية لأجل إيجاد حلّ عاجل لقضيتهما..وأصبحت قضية الصحفيين الفرنسيين اللذين نكنّ لهما كل احترام محلّ مزايدة من قبل بعض صنّاع القرار العرب، وكل منهم كان يجري اتصالات ساخنة بالقيادة الفرنسية ويعد بالمساهمة في إطلاق سراحهما، وحتى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تناسى أسرى فلسطين في سجون الكيان الصهيوني ووعد بالسعي لإطلاق سراح الصحفيين الفرنسيين..وأصبحت قضيّة الصحفيين الفرنسيين الذين ينتميان إلى الغرب ويتمتعان بالمواطنة الفرنسيّة القضية رقم واحد للعالم وللعرب والمسلمين.

وهناك حالة مشابهة مع اختلاف في التفاصيل وهي حالة الزميل الصحفي تيسير علوني السوري الأصل الإسباني الجنسيّة الذي عمل مراسلاً لقناة الجزيرة الفضائية في أفغانستان، وغطّى بامتياز المرحلة الطالبانية في أفغانستان.. فتيسير علوني وبغضّ النظر عن قناعاته الفكرية هو صحفيّ محترف بامتياز اعتقلته الحكومة الإسبانية مرتين، في المرّة الأولى لم تجد أي دليل ملموس ضدّه فأطلقت سراحه وبشكل غير مسبوق، ورغم أمراضه الكثيرة عاودت اعتقاله وسط صمت عربي وإسلامي وغربي رهيب، وكأنّ ما يحقّ للغربيين لا يحقّ للعرب والمسلمين.. وقبل مناقشة موقف الجمعيات الإسلامية التي قرعت الطبول في قضية الصحفيين الفرنسيين لابدّ من مناقشة بعض حيثيات ملف علوني، وهنا نشير إلى أنّ القوانين في معظم العواصم الغربية ولدى حديثها عن العمل الصحفي تعتبر أنّ الصحفي حرّ في الاتصال بمن يشاء كائناً من كان، إذا كان الأمر يتعلّق بالحصول على المعلومة التي سيطلع عليها الرأي العام، بل إنّ هذه القوانين لا تجيز للسلطات التنفيذية أو القضائية ولا الأمنية التابعة لوزارة الداخلية مساءلة الصحفي عن مصادره المعلوماتية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالقضاء الإسباني لا يملك أدنى دليل على أنّ تيسير علوني متورط في عمل أمني لا في إسبانيا ولا في خارجها، كما لم يكن عضواً في أي تنظيم أو خلية داخل إسبانيا أو خارجها.. صحيح أنّ تيسير علوني كان ملتزماً إسلامياً ومتفاعلاً مع القضايا الإسلامية الكبرى، لكن هذا في حدّ ذاته ليس جريمة في الغرب الذي يبيح إقامة المساجد الإسلامية والمدارس العربية والإسلامية والمعاهد الإسلامية، بل إنّ مجمل الدساتير الغربية والإقرارات السياسية الغربية الرسمية تعتبر الإسلام ثاني ديانة بعد المسيحية في أكثر من بلد أوروبي.. وإذا انتفى الدليل المادي بالتورط الأمني، والدليل المادي بالانتماء إلى خليّة إرهابية فيبقى القول عندها، إنّ الحكومة الإسبانية تريد ابتزاز تيسير علوني والحصول على معلومات منه تراكمت لديه أثناء عمله الصحفي في أفغانستان، والحكومة الإسبانية بذلك تنفذّ رغبة أمريكية جامحة، وخصوصاً أنّ تيسير علوني أصبح تحت الضوء الأمريكي في اللحظات الأولى لعمله في أفغانستان.. وهنا نعود إلى الجمعيات الإسلامية المنتشرة في فرنسا والغرب، وإلى الحركات السياسية والحكومات في العالم العربي والإسلامي التي دقّت الطبول أيضاً وتداعت إلى ضرورة إطلاق سراح الصحفيين الفرنسيين في العراق، ولم تحرك ساكناً للمطالبة بإطلاق سراح تيسير علوني الأسير لدى الحكومة الإسبانية، فهذه الجمعيات ومرادفاتها تناست تماماً قضيته.

وإذا كانت الإنسانية والأهداف الكبرى هي التي جمعتنا بالصحفيين الفرنسيين، فإنّ ما يجمعنا بتيسير علوني هو الإنسانية والأهداف الكبرى والانتماء للدين الواحد واللغة الواحدة، وكان يفترض أن نرفع من سقف المطالبة بإطلاق سراح تيسير علوني ونحرك كل الشوراع العربية والإسلامية والغربية، وهذا ما لم يحدث مطلقاً.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply