بسم الله الرحمن الرحيم
هذه القصة أحداثها مستقاة من واقع أخواتنا المسلمات في كشمير..
نسأل الله لهن النصر والثبات والتمكين..وأتمنى من المسلمين عموما الدعاء لهن بالستر والعفاف..
في بيت ريفي متواضع بسيط... لا تبدو عليه ملامح التحضر والتقدم... لا يحوي أي من تقنيات العصر الحديثة... نشأت وترعرعت.. طفلة... بريئة... جميلة.. أحبها الجميع لمرحها.. شعرها الأسود الناعم وعينيها العسليتين... زادت محياها وضاءة وجمالاً...
إلى أين أنت ذاهبة يا سلمى.... ؟ سألتها أمها يوماً..
فأجابت بصوت غلب عليه المرح الطفولي.. وبثقة زائدة.. مستنكرةً السؤال..... إلى الملعب.. إلى الساحة...
نعم ذلك المكان الذي يحيط بيتهم الصغير.. اعتادت أن تلقى فيه بنات الجيران.. يلعبن ويسلون مع بعضهن.. ولا يفرقهم أحياناً إلا سواد الليل وظلمته المخيفة... في مكان لا يعرف المصابيح الكهربائية وأعمدة الإنارة... كانت تبني من الطين بيوتاً.. بل قصوراً وتحلم أن تسكنها مع أعز صديقاتها: وديعة وبشارة.. يالبراءة الأطفال!! كم كانت تحبهن.. بل كانت لا تتخيل فراقهن.. لطالما أكلوا من صحن واحد.. وناموا في فراش واحد... كن لها كالأخوات حقاً!!
لكن قانون الحياة.. يفرض عليهن الفراق... لتنتهي أيام اللعب والمرح.... ما أصعب الحياة... !
انتقلت أعز صديقاتها إلى القرية المجاورة.. حزنت سلمى لهذا الخبر.. لم تصدقه حتى خرجت للعب فلم تجد صويحباتها.. اصطدمت بحقيقة الفراق المرة.. وعلى غير عادتها.. رجعت إلى البيت باكرةً في ذلك اليوم.. سألت نفسها.. ثم توجهت لأمها بالسؤال... متى يا أمي ستعودان... ؟ أجابتها والدتها: لا أعلم.. قد يأتي يوم وترينهم ثانيةً يا بنيتي... كاد أن يشرق أمل اللقاء في قلبها من بين كلمات أمها... لكن لهجة الأم اليائسة.. قتلت كل آمال اللقاء عندها...
تقلبت الأيام... ومرت السنوات ثقيلة مريرة.. على الأسرة التي عانت الأمرين من الفقر والجوع...
وكبرت سلمى.. وصارت شابة جميلة...
لم تكن سلمى كأي شابة أو فتاة من فتياتنا... لم تكن تملك الحلي الثمينة.. لم تكن تعرف العطورات الفرنسية.. ولا الأحذية الإيطالية... لم تكن تحلم باقتناء الساعات السويسرية... !!
بل كانت أحلامها متواضعة.. غذتها بيئتها البسيطة.. كانت ولا تعجبوا.. تحلم بمائدة عامرة بأصناف الأطعمة.. وهذا هو حلم الجائع.. كانت تحلم بثوب جديد.. لم تفكر في نوع القماش ولا لونه.. المهم أن تستبدل ذاك الثوب البالي.. بآخر جديد.... يالبساطة الأحلام.. تحلم سلمى وتحلم... ولم تكن تدري ما الذي تخبئه لها الأيام...
لكنها كانت دوماً ترى في عيني والديها نظرات قلق وحزن.. وهمسات وكلمات.. لا تدري لها معنى..
ذات مساء دخلت على والديها.. فإذا أبيها يذرع الغرفة ذهاباً وإياباً.. ويتأوه.. فزعت وعلمت أن هناك أمر جلل.. سألت أباها.. أدار وجهه عنها.. ألحت عليه في السؤال.. فأجابها وليته لم يفعل.. تلك الحروف التي غادرت الشفاه.. كانت كلمات كالصاعقة.. الجنود الوثنيين دخلوا القرية المجاورة.. وساقوا الرجال.. قاطعته.. وصرخت.. وديعة وبشارة هل أصابهم مكروه... ؟؟ فأطرق الرجل.. وبعد صمت رهيب.. وثوانٍ, حسبتها ساعات.. ما الذي جرى.. كان الجواب مؤلماً جداً.. لم تتخيل سماعه.. قال الأب وهو يدافع عبراته.. اغتصبوا النساء.. لم يفرقوا بين عجوز مسنة.. ولا طفلة صغيرة.. صرخت الأم لهول الخبر.. بكت سلمى.. خرجت لتخلو بنفسها.. لتتذكر صديقات الطفولة.. كم هو مؤلم.. لم تستطع النوم في تلك الليلة.. أخذت ضحكاتهن ولعباتهن.. تداعب خيالها.. كم هي جميلة ذكريات البراءة والطفولة.. صرخت.. لماذا يغتالون البراءة.. لماذا تقطع جسور العفة للأبد.. لماذا... ؟؟
لم يدر بخلدها أن الدور عليها بعد صويحباتها..
والديها أيضاً لم يأوي النوم لعينيهم.. لقد أدركوا أن قريتهم هي المحطة التالية لهؤلاء الوثنيين المتعصبين للقتل والتعذيب... الذين يحملون بالإضافة للبنادق.. الكره والبغض والعداء.. !!!
بعد صمت طويل.. قالت الأم.. ما ذنبنا.. ؟؟ كم أخشى على نفسي وبنيتي.. فقال الأب الذي اعتصر الألم والخوف فؤاده.. لأن أموت ألف موتة أهون علي من أن تصاب سلمى بأذى...
مرت تلك الليلة على أي حال... لكن مشاعر الخوف التي عايشوها أهل البيت لم تمر.. بل بقيت معهم.. الخوف.. الحزن... لقد صدقت التوقعات.. ولكن بسرعة مذهلة.. وما هي إلا يومين والجنود يدخلون القرية.. وأفاقت القرية في ذلك اليوم على الصياح.. كان ذاك صباح الرعب... البعض خرجوا من منازلهم يتبينون الخبر.. والبعض الآخر أقعدهم الخوف عن الخروج..
من شرفة صغيرة أطلت برأسها سلمى.. رأت ما لم تتوقعه.. الجنود في كل مكان.. خافت.. لحظات سريعة رهيبة.. ولسبب لا تعلمه صعدت لسطح المنزل.. رآها أحد الجنود.. تبسم ولحق بها.. نظرت من أعلى السطح إلى تلك الساحة التي طالما أحبتها.. طالما لعبت برمالها.. لطالما جمعتها مع صويحباتها يوماً.. يبدو أنها اليوم تجمعهم لنفس المصير... في ذات الساحة رأت الرجال يضربون بأعقاب البنادق ثم يقيدون ويساقون.. يا للمصيبة.. من هذا الشيخ.. إنه والدها.. لم يرحموا كبر سنه.. بكت بحرارة... !!
يقطع عليها هذه المشاهد صوت من خلفها.. التفتت.. فإذا به جندي قد لحق بها.. ما العمل.. ؟؟ ظن أنه قد ظفر بها... ترددت وهي تنظر أليه.. لحظات صعبة.. لحظات تمثل تحديد المصير.. وأي مصير.. لا.. لن أرضى الموت أهون علي... صرخت ورمت بنفسها من أعلى سطح المنزل.....
للأسف يا سلمى.. صرختك لم توقظ أحد.. لم تخف أحد... ولن توقف أحد... !!
كأني بها وهي تصرخ.... ما أقسى الأيام... ما ذنبي أنا... ؟؟
تتسائلين ما ذنبك يا سلمى.. أما علمت يا سلمى أن ذنبك أنك مسلمة... مسلمة... مسلمة...
لكن ماذا نقول.. ؟؟ هل نقول صبراً يا سلمى لعل في الصبر الفرج...
أم نقول.. ثوري يا سلمى.. حطمي الحواجز والقيود واصرخي... لتوقظي العالم بأسره..
صرختك يا سلمى.. قد تمثل لك الحياة أو.... الموت..
لكنها قد تكون بالنسبة للغير حروف ونقاط مبعثرة.. في زمن طغت فيه حب الدنيا والملذات والملهيات...
يا من تقرأ عباراتي.. وتسمع كلماتي.. أجب سؤالي...
من لسلمى.. ؟؟
من لوديعة وبشارة.. ؟؟
ومن لأختها في الشيشان... من لأختها في العراق.... أجب سؤالي..
لكن لهن جميعاً نقول..... عذراً يا أختــــــــاه.. !!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد