بسم الله الرحمن الرحيم
مريم محمد فرحات " أم نضال " نذرت أبناءها لله، فقالت لهم ذات يوم: محمد... نضال... وسام... أرضكم مدنسة وأنتم تنظرون، أريدكم منتصرين أو على الأعناق محمولين!
استجابوا للنداء على الفورº لأنهم بكتاب ربهم مؤمنون، وبسنة نبيهم متمسكون، وسام -هو الآن- في ظلمة السجون بعد أن ضاق به المحتلون، أما محمد ونضال فقالا: " إنّا لفلسطين منتقمون "، فكان جزاؤهما أنهما في حواصل طير خضر يسرحون ويمرحون إن شاء الله.
موقع (الإسلام اليوم) زار " أم نضال " في بيتها، وأجرى معها هذا الحوار بعد أن أنهت دورة في أحكام التلاوة بنجاح.
أم نضال كيف تنظرين إلى طبيعة دور المرأة الفلسطينيّة على أرض فلسطين؟
دور المرأة هامُّ جداً وله تأثير كبير، وما يزيده أهمية وجودها في الأرض المحتلة فإذا كان دورها في أي مكان في العالم هامّا، فإنه يزيد أهمية هنا في هذه الأرض المباركةº حيث إن لها ميداناً تجاهد فيه مثل جهاد الرجال، فهي التي تتفقد أحوال الرجل سواء أكان زوجاً أم ابناً أم أخاً، بالإضافة إلى مساعدتها له في مجالات الحياة، فإنها تؤازره في أعباء الجهاد، وهو ما يتطلب معاناة كبيرة جداً، إن وجود المرأة إلى جانب الرجل يعطي الرجل دافعيّة للعطاء والتضحية، لم تعد أحوالنا مثل السابق فالواقع جعل منها امرأة أخرى، فحياة المرأة الفلسطينية تختلف عن باقي نساء العالم، إذ إنها تتميّز بالواقع الجهاديّ الذي تعيش فيه، ونحن في هذا البيت لنا شرف الجهاد في سبيل الله والشهادة والأسر والمطاردة.
كانت الأم في فلسطين سابقاً تحاول منع ابنها من مقاومة الاحتلال خشية عليه، أما الآن فهي تدفعه لذلك. كيف تنظرين إلى هذا التحوّل؟
إنه تحوّل واضح في حياة المرأةº فالابن غالٍ, جداً عند كل الناس، لكن ما نعيشه اليوم فرض علينا هذا الشيء، فالنهضة الفكريّة الإسلاميّة هي التي ساعدت المرأة أن تتقبل هذا الأمر وتدفعه إلى الجهاد، العاطفة كانت مسيطرة عليها في البداية، لكن عندما أدركت عظمة وفضل الجهاد في سبيل الله تغيّرت كثيراً، ففي السبعينيّات مثلاً- لم يكن إيماننا مثل ما هو عليه في هذه الأيام، فاليوم بفضل الله ثم بركة الانتفاضة- تبلورت في نفوس النساء الرغبة في الجهادº مما شجع المرأة على مؤازرة الرجل، فعندما يأتي إليها ولدها شهيداً تقابل ذلك بشكر الله والزغاريد، على العكس من السابق، من خلال نظرتي واختلاطي بالناس أرى أن المرأة كلما زاد إيمانها زاد صبرها واحتسابها، هذا لا يعني أن العاطفة قد خبت عند المرأة الفلسطينية، لكنها أدركت أن حبها لله ورسوله يجب أن يفوق حب أي شيء آخر.
تنفيذ الشباب لعمليات استشهادية أمر غير مستغرب، لكن الذي قد يكون مستغرباً تنفيذ الفتيات لهذه العمليّات، برأيك على ماذا يدلّ ذلك؟
الذل والقهر الذي يمارسه جيش الاحتلال على الشعب الفلسطيني يزيد الوعي الديني، ويقوّي الإيمان عند المرأة ويفجّر الغضب، والعنف يولد عنفاً مضاداً لهº فالفتاة ترى أن كل شيء اقترفه الاحتلال، ولم يتبق إلا الكرامة، ولأنها كالشاب تماماً تغار على دينها ومقدساتها، ولهذا فإنها لا تتردّد في التضحية بحياتها لتكون كلمة الله - سبحانه وتعالى- هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ولا عجب فأول شهيدة في الإسلام هي سُميّة - رضي الله عنها - .
ما هو الشعور الذي كان انتابك عندما ودعت "محمد" ومن بعده "نضال"؟
إنه شعور بالفخر والاعتزازº فأنا قبل بدء الانتفاضة المباركة وُلدت عندي فكرة الشهادة في سبيل الله، فقد قلت لأبنائي مراراً: إذا نادى منادي الجهاد فلا تتأخروا عن نصرة دين الله، وفي بداية هذه الانتفاضة أخذنا على عاتقنا - مع أن أولادي كانوا صغاراً - أن نكون فداء للدين، لذلك لا أشغل نفسي بكم سيعيش ولدي، ومتى سيموت، ولكن سؤالي وهمّي دائماً هو: كيف يخدم أبنائي هذا الدين العظيم؟ وهذا يجب أن يكون شعور كل مسلمة.
فراق الأحبة أمر صعب للغاية، كيف تغلّبتِ عليه؟
كلما تألمت أكثر سعِدت أكثر لأن في ذلك أجراً، فالعذاب من أجل الله جميل، والفراق والألم لم يحنِ رأسي، ولم يجعلني أتراجع يوماً، بل يزيدني قوة وصلابة، حتى إن بعض الناس يقولون لي: " كفى ما قدمتيه من تضحيات"، صحيح إن هناك عواطف ومشاعر لا أغفلها، ولكن أليس لنا دور على هذه الأرض، وهو تحقيق رضا الله - عز وجل -، لذلك علينا أن نرتقي بهذه المشاعر، ونسمو بها، ونجعلها في ذات الله خدمةً لهذا الدين، فالألم لا بد منه في هذه الدنيا، ولن تكون الراحة إلا في الآخرة، عندما يمنّ الله علينا برضاه ويرزقنا جناته جنات النعيم، وذلك ما ينشده كل مسلم، فإذا ما نظرنا إلى الدنيا وتعلقنا بها فإننا لن نفعل شيئًا، لكننا لو تعلقنا بالآخرة، وبما عند الله فإنه سيهون علينا كل شيء في سبيل ذلك، الأم موجودة والدموع موجودة، إنني أبكي على أبنائي وعلى غيرهم من أبناء شعبي، ولكن حبي لله أكبر من حبي لهم، ولو جاء ابني أمامي شهيداً وقيل لي: إن هناك عملية فسأرسل ابني الآخر لتنفيذها، فمن منا لا يتمنى الشهادة في سبيل الله، إنني أسأل الله - سبحانه وتعالى- أن يبلغني إياها مقبلة غير مدبرة.
كيف تستقبل زوجة أو أم الشهيد شهر رمضان المبارك؟
في رمضان قد يزيد الألم، فرحمة الله على زوجي أبو نضال وأبنائي الشهداء والشهداء جميعاً، الألم موجود، ولكن نحاول أن نتغلب عليه لنواصل الطريق، لقد وضعت مبدأً لنفسي لن أحيد عنه أبداًº لأنه من عقيدتنا، وهو أن "كلّ شيء لله"، " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".
هل هناك نشاطات تقوم بها أمهات وزوجات الشهداء؟
لي علاقات طيبة -ولله الحمد- بزوجات وأمهات الشهداء، ونحن على تواصل دائم، ونقدم الخدمة لكل أخت نشعر أنها بحاجة إلى المساعدة، كما نساعد في حل المشاكل التي قد تطرأ عندهن، بالإضافة إلى دورات الأحكام التي نعقدها في بيت إحدى الأخوات في الله، وأتمنّى من الله أن يمُنّ عليّ بالصحة لأقدّم الخدمة لكافة هذه العائلات.
كلمة أخيرة توجهينها عبر موقع (الإسلام اليوم)؟
أوجه كلمتي للنساء عامة، ولنساء شعبي خاصة ألاّ يتخلفوا عن الجهاد في سبيل الله، فقد أنعم الله علينا به، إنها نعمة عظيمة علينا أن نشكر الله عليها، ونسير في هذا الطريق إلى النهاية مهما بلغت التضحيات، هناك شعوب قدمت التضحيات، ومن الممكن ألاّ يكون في سبيل الله، أما نحن فإننا نقدم هذه التضحيات ابتغاء مرضات الله، ولإعلاء كلمة الله، ولهذا لا يجوز أن نبخل على إسلامنا بأي شيء، ولو كان ذلك أرواحنا، علينا أن نواجه مشاعرنا، ولنعلم أن العاقبة لنا -بإذن الله- قد يظن البعض أن ما نقدمه عبارة عن خسائر، وأنا أقول: إنه مكسب عظيم ندّخره عند الله - عز وجل -، وأقول لكل امرأة تحب ولدها: إذا كنت حقاً- تحبينه فيجب أن توجّهيه للجهاد في سبيل الله، فإذا كنت تحبين له الخير كيف تمنعينه من هذا الخير العظيم، إن التضحية بأبنائنا لإعلاء كلمة الله ومقارعة أعدائه هي قمّة الرحمة بهم، ويوم نلقاهم في جنات النعيم -بإذن الله- عند رب رحيم راضٍ, عنا سنتأكد أنّ كل ما قدمناه كان قليلاً وسنتمنى أن نعود إلى الدنيا لنقدّم أكثر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد