عين الحلوة وبراميل النفط


بسم الله الرحمن الرحيم

 

لن يغيب اسم عين الحلوة عن الأحداث الأمنية، ولا يتصور أحد أن ما يجري هو مجرد إشكالات داخل دائرة صغيرة من العالم اسمها عين الحلوة، فالإشكالات المتزايدة داخل المخيم في كل مرة تحمل إنذاراً لا يؤخذ إلا من جوانبه الأمنية فقط، ويتم تجاهله كوضع لابد وأن ينفجر بطرق مختلفة ومتزايدة إذا لم تتوفر جدية حقيقة لفهم ما يجري، وقراءته بشكل دقيق بعيد عن العنصرية، والأهداف الخفيةº من وراء الكثير من التصريحات التي لا تؤخر ولا تقدم شيء.

تفاعلات غير مرئية تتراكم بصمت داخل التجمعات الفلسطينية التي يراد لها أن تكون خزان احتياط لكل شيء، كأنها جزء من إستراتيجية الحرب العربية الإسرائيلية الموضوعة بدقة من قبل قوى المواجهة، تأخذ بعين الاعتبار المخزون البشري المدرب للمخيمات لتكون جزءاً من المعركة، وهناك من يعتبر في قرارة نفسه أنه يمتلك ثروة مادية في هذا الخزان سيأتي يوماً ما ويضخ كل فلسطيني ما يساوي ألف برميل نفط مقابل بقائه على هذه الأرض، وهناك من يحافظ على المخيم ويحكم السيطرة الأمنية، ويجيد اللعبة الاستخبارية بداخلة ليقول ها أنذا.

فالمخيم أشهر من أن يعرف بالأحداث المتتالية التي تصل أحياناً لمستوى "الحرب الأهلية" على مساحة ألف وخمسمائة متر، ففي البداية كان عين الحلوة رمز لبطولة الأطفال الذين تصدوا للدبابات الإسرائيلية، ثم حمل شرف لقب مخيم ناجي العلي، لكنه لم يتمكن من العودة إليه، ولم يتمكن المخيم من تكريم شهيده ولعلها البداية، وربما بموت ناجي العلي طرأ تحول على المخيم الذي يضم بين أزقته عشرات الشعراء غير المعروفين، وعشرات الموهوبين، وزخرفة أسماء قرى فلسطين، وعشرات الأطباء والمهندسين، والكثير الكثير من الكفاءات، إضافة إلى أن عين الحلوة مستودع للذاكرة الفلسطينية من كبار السن الذين يجتمعون يومياً على مساحات مشتركة مع المارة أمام بيوتهم ليشربوا القهوة بثيابهم التقليدية، ولكنتهم ولهجتهم الأصلية، ويذكرون الأجيال بانتمائهم التاريخي، التحول الذي غطى بغمامة سوداء صباحات المخيم مع جنازات لا وقع لموتها إلا ما قاله ميكرفون المسجد .. رحمة الله .. فلا قضية ولا وجه حق لموته، فالقاتل لازال سيد الموقف، ولن يكلفه قتل المترحم على ضحيته أكثر من ضغطة زناد، فيما ليل المخيم كان نوراً للأشباح يضيء طريقهم للقتل، وإلقاء المتفجرات على المنازل.

وبات اسم أبو محجن أهم من ناجي العلي، ومن أبو جهاد الوزير وما اصطُنع يفوق عدد سكان هذا المخيم، وكلها تعيش في ملفات أمنية واستخبارية متعددة، وقد توجه الرئيس الأمريكي بإدراج اسم عين الحلوة وأسمائه المجهولين في قائمة "الإرهابيين"! هذا التصنيف الأمريكي عمل على تسويق الأسماء المستحدثة والمستبدلة بأسماء الشهداء والقرى الفلسطينية التي باتت مشبوهة بفعل ترابط الأحداث في قواطعها داخل المخيم، لدرجة أن حي الصفصاف أضحى أشهر من عواصم عربية كثيرة بفعل الرئيس بوش الذي هيأ المخيم لتجارة سياسية مثمرة في زمن "التصنيف".

كما أن عين الحلوة أحد ضحايا الاستخبارات العربية التي تمد خيوطها إلى كل بيت، وتبث بعقل كل محتاج ليكون أداة لها يقوم بما تشتهي هذه الجهة أو تلك، والثمن لا يدفع إلا من فاتورة الأهالي الذين يعانون مرارة الحياة، وقسوة القوانين التي وضعت لتؤهل جيل كامل من الفلسطينيين للدخول في متاهات لا تبشر بخير، وقد عمل المخلصون للمشروع على إحاطة الفلسطيني بالظروف المطلوبة ليكون بعد ذلك شهيد الإجرام وليس القضية، ومعتقل "الإرهاب" وليس النضال، ويقبل بأقل ما يملى عليه ليتنازل عن حقوقه التاريخية أو بالأحرى لينسى هذه الحقوق، ومتى سيتعرف على حقوقه والظروف التي صنعت له باتت تأكل أطفاله الجياع أمام عينيه ولا حيلة له.

والمحذور قائم، فالمدارس المزدحمة لا تنتج جيلاً متعلماً، والبيوت المضغوطة مع تزايد عدد السكان لا يؤهل الفلسطيني في معاقله في المخيمات لأن يكون جزءاً من استراتيجية الحروب، والحرمان لن يجعله متصالحاً مع محيطه وما يجري من حوله، وإذا اعتقد بعض القادة الأمنيين ووفق فلسفتهم الأمنية أنهم قادرون على قمع الفلسطينيين من خلال القوة فهذا أمر لن يأتي إلا بمضاعفة المشاكل، فالفلسطيني الذي لا يعاني من أزمات سيكون سنداً في رفض التوطين، والجاهل الذي تراهن على ضياعه بعض الجهات لن يكون إلا مجرماً متناثر الشظايا، وحاقداً على الحكومات والمجتمع، وما يجري في عين الحلوة منذ أكثر من عشر سنواتº وتجد وسائل الإعلام فيه متعة لخبر طارىء ومميز هو في ازدياد وهو يدعو للتحليل الجيد، والقرار المفيد، فقبل عشر سنوات كان المخيم يعج بعصبة الأنصار، واليوم بات في كل شارع اسم وعنوان لا يعبران إلا عن نمو جيش ساءت الظروف المحيطة به، وأخطأت الجهات المدعية الحرص عليه والمضيفة في التقدير، ولعبت الأجهزة دور القط الذي يقدم نفسه على أنه جند مطيع لتعليمات البيت الأبيض عندما يطلب منه أي عمل في هذه الكعكة التي صنعها لتكون لقمة مستساغة عند الطلب، فالمخيمات الفلسطينية في لبنان هي فعلاً قنبلة موقوتة يساهم في تكبير حجمها جهات متعددة، لا يسحب فتيلها إلا بفك الخناق، وإنهاء الضغط الأمني والاجتماعي عنها، وتخليص بعض المندفعين من الاستغلال الخارجي المشبوه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply