بسم الله الرحمن الرحيم
وصلت الحملة الانتخابية في تركيا إلى ذروتها، حيث تواصل الأحزاب السياسية التركية حملتها الانتخابية في جو من الصراع الحاد وذلك قبل أيام قليلة من موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في الثاني والعشرين من تموز/يوليو الجاري التي يشارك فيها 14 حزباً سياسياً، وعدد 7535 آلاف مرشحاً حزبياً ومستقلاً يخوضون المعركة في عدد 81 محافظة، وبين عدد 85 منطقة انتخابية، للتنافس على 550 مقعداً، والسعي لنيل رضا عدد 43 مليون ناخب وناخبة.
صراع بين القوى السياسة التركية:
اللافت للنظر في المواد التي يتناولها زعماء الأحزاب في حملاتهم الانتخابية هي الطرق لمكافحة الإرهاب خصوصاً مع تزايد هجمات عناصر منظمة حزب العمال الكردستاني ضد المدنين والعسكريين الأتراك في الأشهر الأخيرة، حيث يحاول كل حزب أن يبرز نفسه من خلال التأكيد للرأي العام التركي أنه الأكثر قومية ووطنية من الأحزاب الأخرى، بالإضافة إلى ذلك احتلت المسائل الاقتصادية والاجتماعية والصحية في البلاد حيزاً كبيراً من الحملة الانتخابية، فيما تبادل حزبي العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهوري المعارض الاتهامات بسبب العمليات المسلحة التي يشنها عناصر حزب العمال الكردستاني، حيث اتهم زعيم حزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان بأن حكومته قد وقعت على وثيقة دولية، ومن قبل وزير الاقتصاد علي باباجان في 22 أيلول عام 2003م في دبي تعهد فيها بعدم التدخل في شمال العراق، مقابل منحة مالية بقيمة مليار دولار، مشيراً إلى أن هذا هو السبب وراء سكوت إردوغان عن العمليات التي يشنها المتمردين الأكراد من شمال العراق، أما زعيم حزب الحركة القومية دولت باهشلى فقد خرج عن صمته بعد أربعة سنوات ونصف ليوجه اتهامه إلى إردوغان الانتقادات الحادة لإردوغان لعدم قيامه بتنفيذ حكم الإعدام بحق عبدالله أوجلان، وجاء الرد سريعاً من إردوغان عندما قال في أحد خطاباته أمام الجماهير موجهاً كلامه لباهشلي: "نحن دائماً مع الدستور والقانون، وإنك تطلب من رئيس الوزراء القيام بعمل مناهض للقانون، فاليوم حسب الدستور لا يوجد حكم الإعدام في تركيا بل يوجد حكم المؤبد، أما في عهد حكومتكم فكان يوجد حكم الإعدام، فلماذا لم تنفذ ذلك الحكم على عبدالله أوجلانº كفاك هذه الحركات البهلوانية التي تستهدف من خلالها إلى استثمار عواطف الآخرين"، أما رئيس الوزراء السابق ورائد الإسلام السياسي في تركيا البروفيسور نجم الدين أربكان فقد اتهم حزب العدالة والتنمية "الحاكم" بالعمالة لأمريكا وإسرائيل، محذراً الشعب من أن التصويت لهذا الحزب سيكون بمثابة التصويت لدخول جهنم، وادعى أربكان أنه مع بدء الحملة الصليبية ضد المسلمين عام 1990م لم يعد في تركيا وجود لأحزاب وطنية سواء من اليمين أو اليسار، بل هناك فقط أحزاب منحازة وعميلة للإمبرياليين، واصفاً حزب العدالة والتنمية الحاكم "بالعميل الأول للإمبريالية".
كما كشف أربكان عن أن الولايات المتحدة كان لها تأثير قوي في انشقاق حزب العدالة والتنمية عن "المللي غوروش" بعد مرحلة الـ28 من شباط عام 1997م، والتي تم فيها إسقاط حكومة أربكان تحت ضغوط من الجيش، وأضاف:"لقد جرى اجتماع في الـ25 يناير من عام 1997م تم فيه التخطيط ليس فقط لإسقاط حزب الرفاه بل وإنما أيضاً لتقسيمه، واستغلال الموجة الشبابية فيه"، وأضاف:"هذه كانت خطة أمريكا، وقد نجحت في إخراج قطار أولادنا وشبابنا في الحزب عن مساره، واليوم هؤلاء المنشقون هم في سقوط نحو الهاوية"، وادعى أربكان أن الإمبرياليين يريدون احتلال تركيا، وهو ما يمنح انتخابات الـ22 من يوليو الجاري أهمية قصوى لحماية الأرض والوطن والشعب، محذراً الناخبين بقوله: "من يعطي صوته لحزبي العدالة والتنمية أو الشعب الجمهوري فإنه يكون قد غرز السكين في بطنه، وحجز لنفسه مقعداً في جهنم، لقد فعلتم وصوتم لحزب العدالة والتنمية عام 2003م فماذا حصل؟ سلمتم البلد له، وهو سلمها للإمبرياليين، ودمر اليمين واليسار"، وقال أربكان بأنه يوجد حالياً في تركيا نحو ستة ملايين عاطل عن العمل، و50 مليون تحت خط الفقر والجوع بسبب السياسة الاستسلامية التي انتهجها حزب الحاكم عندما وضع الاقتصاد التركي في إمرة صندوق النقد الدولي، وأضاف: "حزب العدالة والتنمية دمر كل النواحي الأخلاقية والاقتصادية، والاجتماعية والسياسية، وحول تركيا إلى بلد جائع فقير، عاطل عن العمل، ومتنصل من دينه"، وأضاف: "أؤكد لكم بأن هذه الانتخابات لا يتنافس فيها 16 حزب كما يقال: بل حزبين فقط هما حزب "السعادة" الإسلامي مقابل الأحزاب الأخرى العملية والمتأمركة، لذا فإن الشعب عليه أن يختار إما الإسلام مع حزب السعادة، أو العمالة لأمريكا وإسرائيل مع الطرف الأخر".
سر الحرب السياسية بين إردوغان وجيم أوزان:
كشفت صحيفة "وطن" التركية عن السر وراء المعركة الحامية التي بدأت بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان وزعيم حزب الشباب جيم أوزان في عام 2003م، فادعت بأن إردوغان كان يرى في أوزان تهديداً له، وكان يمارس الضغوط عليه للانسحاب من المعترك السياسي، هذا وقد فتح جيم أوزان الباب أمام جدل جديد في تركيا عندما طلب من إردوغان في أحدى لقاءاته التلفزيونية التي أجراها قبل أيام أن يكشف عن السبب وراء استدعاءه لشقيقه الأكبر حاكان أوزان إلى مقر رئاسة الوزراء في عام 2003م بقوله: "لماذا لا يفصح إردوغان عن سبب استدعائه لشقيقي، ومن كان حاضراً في هذا الاجتماع، وماذا طلب منه!!"، وهدد قائلاً: "إذا لم يكشف فأنا سأعلن السبب بنفسي، وإذا قال عكس الحقيقة فأنا أيضاً سأواجهه بالحقيقة الكاملة"، وكان أول رد لرئيس الوزراء على تحدي جيم أوزان بأن حاكان أوزان كان يريد منه شراء شركة شوكورأوفا للكهرباء، إلا أنه رفض هذا الطلب بقوله: "لقد قلت له بكل بساطة عليك أن تسدد ديونك أولاً قبل أن تشري أي شيء من الدولة"، إلا أن جيم أوزان خرج فوراً لينفي صحة ما قاله رئيس الوزراء: "هذه الشركة لم تكن ملك الدولة في ذلك الحين، فكيف لأخي إذن أن يطلب من إردوغان شيئاً لا تملكه الدولة، أنا أسأله مجدداً لماذا استدعيت أخي، وماذا طلبت منه إذا لم يكشف ذلك فإنا سأكشف عن السر قبل الانتخابات"، هذا وقد تبرع أحد الصحفيين في جريدة "وطن" اليوم ليكشف عن هذا السر فقال: بأنه هو نفسه وكل الصحفيين الذين كانوا يعملون في جريدة "ستار" التي كان يملكها جيم أوزان قبل أن تضع الدولة يدها عليها يعلمون هذا السر، لكنهم يرفضون الحديث خوفاً من أن يتهموا بأنهم من أنصار جيم أوزان، وضد رئيس الوزراء، وأضاف: "بعد ما يقارب العام والنصف من انخراط جيم في المعترك السياسي، وحشده شعبية جماهيرية كبيرةº فإنه سلم شقيقه حاكان الإدارة الفعلية لمجموعة شركات أوزان العائلية قبل أن تضع الدولة يدها على عدة شركات منها بهدف استرداد 6ر5 مليار دولار من الديون المتوجبة على هذه العائلة على إثر الإفلاس الاحتيالي لمصرفها إيمار، وكان لا يخفى على أحد آنذاك مدى انزعاج الحكومة من الأخبار التي كان يبثها تلفزيون ستار وجريدة ستار ضدها، لذا فقد قام رجب طيب إردوغان في شهر مايو من عام 2003م بشكل مفاجئ باستدعاء حاكان أوزان الذي أحضر معه مدير مجموعة إعلام ستار، وطلب إردوغان في اللقاء من حاكان بتخفيف لهجة المعارضة ضد الحكومة، وأيضاً انسحاب جيم أوزان من السياسة، وهدد قائلاً: (أنتم رجال أعمال بماذا ستنفعكم السياسة، اهتموا فقط بعملكم، ونحن سنهتم بعملنا، عكس ذلك فإن أضراراً كبيرة ستلحق بعائلتكم)، وكان رد حاكان أوزان كالتالي: "سوف أبلغ شقيقي بهذين الطلبين لكنني لا أعتقد بأنني سأتمكن من إقناعه"، وقالت الصحيفة أن خشية إردوغان من تنامي شعبية جيم أوزان دفعته إلى تبني هذا الأسلوب، ورصد أخطاء شركات أوزان لضرب جماهيريته، وتواجه عائلة أوزان اتهامات بالفساد والاحتيال في تركيا والخارج، وهي تؤكد أنها تواجه حملة من الحكومة بسبب بروز الحزب الذي يتزعمه جيم أوزان الابن البكر لكمال أوزان في استطلاعات الرأي، وحصل هذا الحزب القومي المتشدد على 7،7% من الأصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2002م.
وعود الأحزاب التركية:
ارتفعت حدة الجدل السياسي في تركيا مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات، حيث تقدم الأحزاب المختلفة الوعود على ضوء الانتخابات التي ستجرى يوم 22 يوليو/ تموز، وتمتلك خططاً مختلفة بشأن رأس المال الخارجي، ويعد حزب العدالة والتنمية الحاكم بتحرير رأس المال الأجنبي بينما قام بزيادة الدعم للاستثمارات التي تجلب التكنولوجيا الجديدة للبلاد، وتوفر فرص عمل جديدة، ويقول الحزب: إن تشجيع مثل هذه الاستثمارات هو "هدف أساسي"، ويعد بتحرير حركة رأس المال، على جانب آخر يخطط حزب الشعب الجمهوري إلى إلغاء النظام الحالي تدريجياً الذي يمنح الأجانب سيطرة غير محدودة على النظام المصرفي التركي، حيث يقترح وضع قيود بشأن نصيب الأجانب في النظام المصرفي التركي، في المقابل ينوى حزب الحركة القومية اقتراح إجراءات تمنع التدفق السريع لرأس المال من تركيا.
العدالة في الصدارة:
ورجح عدد من المحللين السياسيين الأتراك، وبعض استطلاعات الرأيº حصول حزب العدالة والتنمية على تأييد شعبي كبير في الانتخابات التركية القادمة، وأكدت كافة استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً أن هناك احتمالاً كبيراً بأن يتقدم حزب إردوغان على غيره من الأحزاب في الانتخابات المقبلة، لكنها لم تؤكد حصوله على الأغلبية، يشار إلى أن قانون الانتخابات التركية يعطي للأحزاب السياسية المشاركة بالانتخابات الحق في مخاطبة الجماهير عبر الإذاعة والتلفزيون الرسمي للدولة بأوقات زمنية متساوية، كما يفرض على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الخاصة الالتزام بالحياد في عرض أخبار الأحزاب في الحملة الانتخابية، ويعطي الحق للهيئة العليا للانتخابات في توقيع جزاء إداري بإغلاق مؤقت بين يوم و15 يومياً لمن يخالف هذا، ويمثل مدينة إسطنبول في البرلمان التركي 70 عضواً يشكلون حوالي ثمن عدد مقاعد البرلمان البالغة 550 مقعداً، وتضم المدينة ما يزيد عن 7 ملايين ناخب وناخبة، يشكلون نسبة سدس عدد الناخبين في تركيا الذين يقدر عددهم بنحو 42 مليون ناخب، وهو ما دفع وسائل الإعلام التركية إلى القول بأن الحزب الذي يفوز بإسطنبول يفوز بالانتخابات التركية، ويتولى الحكم.
وأخيراً فإن الانتخابات البرلمانية المبكرة التركية تكتسب أهمية بالغة نظراً لتوقيت إجرائها خصوصاً في ظل الحديث المتزايد عن إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد، والسؤال الذي يطرح نفسه على الساحة التركية حالياً هو: من سيقود تركيا ويدير دفة الحكم بها في المدة القادمة؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد