وكنت تلمح ذلك في فلتات لسانه وتشعر بها في خلجات قلبه.
فاسمع إليه يقول رحمه الله: " تعانقت أيدينا في الدنيا على الزناد، وغداً ستتعانق أرواحنا في رحاب الله ".
ويقول في رسالة لأحد أحبابه قام بعمرة عنه: " ... وعهدُنا إن رُزقت الشهادة - بإذن الله - أن أشفع لك يوم القيامة ".
قال تعالى: {مَن كَانَ يَرجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ, وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ }[ العنكبوت :5 ].
يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله -:" هذه تعزية للمشتاقين، وتسلية لهم أي أنا أعلم أن من كان يرجو لقائي فهو مشتاق إليَّ ، فقد أجلت له أجلاً يكون عن قريب فإنه آت، وكل آتٍ, قريب ".
ويقول ابن كثير - رحمه الله -:" ... أي في الدار الآخرة وعمل الصالحات ورجاء ما عند الله من الثواب الجزيل، فإن الله سيحقق له رجاءه، ويوفيه عمله كاملاً موفوراً فإن ذلك كائن لا محالة لأنه سميع الدعاء بصير بكل الكائنات ".
تعريف الشوق:
اهتياج القلوب إلى لقاء المحبوب، وهو: سفر القلب إلى المحبوب في كل حال.
علامة الشوق: قال يحي بن معاذ:" علامة الشوق فطام الجوارح عن الشهوات ".
معاني الشوق كما ذكرها العلامة ابن القيم - رحمه الله -:
1- حصول الأمن الباعث على الأمل:
فإن الخوف المجرد من الأمن من كل وجه لا ينبعث صاحبه للعمل البتة إن لم يقارنه أملº فإن تجرد عنه قطع وصار قنوطاً.
2- فرح الحزين:
فإن الحزن المجرد أيضاً إن لم يقترن به الفرح قتل صاحبه، فلولا روح الفرح لتعطلت قوى الحزين، و قعد حزنه به، ولكن إذا قعد به الحزن: قام به روح الفرح.
3- روح الظفر:
فإن الأمل إن لم يصحبه روح الظفر مات أمله.
و منها: الشوق إلى الله - عز وجل -، وتعلق القلب بصفاته المقدسة وهذا لا ينافي الشوق إلى الجنة فإن أطيب ما في الجنة: قربه تعالى، ورؤيته، وسماع كلامه ورضاه.
عيش المشتاق:
لا ريب أن عيش المشتاق منغص من تسلط أهل الباطل على رقاب العباد وثروات البلاد، ومن ضعف الناصر وقلة المعين، وخيانة العملاء، وسفاهة الأدعياءº حتى يلقى محبوبه. فهناك تقر عينه، ويزول عن عيشه تنغيصه، وكذلك يزهد في الخلق غاية التزهيد لأن صاحبه طالب الأنٌس بالله والقرب منه.
عليك بالرفيق المُعين:
فالمشتاق أزهد شيء في الخلق، إلا من أعانه على هذا المطلوب منهم وأوصله إليه، فهو أحب خلق الله إليه، ولا يأنس من الخلق بغيره ولا يسكن إلى سواه، فعليك بطلب الرفيق جهدك، وكن كنبي الله موسى - عليه السلام - حين طلب من الله أن يجعل له وزيراً من أهله: {وَاجعَل لِّي وَزِيراً مِّن أَهلِي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيراً * ونذكرك كثيراً }[طه :29 – 34 ].
فإن لم تظفر بالرفيق فاتخذ الله - سبحانه و تعالى – صاحباً، و كن كنبي الله لوط - عليه السلام - إذ قال: { قَالَ لَو أَنَّ لِي بِكُم قُوَّةً أَو آوِي إِلَى رُكنٍ, شَدِيدٍ, }[ هود : 80 ].
عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد )[رواه البخاري ]، الركن الشديد : الله عز وجل.
لا تخف وحشة الطريق إذا جئت *** وكن في خفارة الحب ساتر
و اصبر النفس ساعة عن سواهم *** فإذا لم تجب لصبر فصابر
و افطم النفس عن سواه فكل الـ *** عيش بعد الفطام نحوك صائر
يا أخا اللب إنما السير عزم *** ثم صبر مؤيد بالبصائر
يا لها من ثلاثـة من ينلها*** يَرقَ يوم المزيد فوق المنابر
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد