أما بعد:
إخوة الإيمان:
لسنا بحاجة - عباد الله - أن نستذكر المواجع، ونعيد الفواجع.
لسنا بحاجة أن نصوِّر أنين المكلومين، ولا توجعات المصابين، ولا آهات المقهورينº بل حتى المساجد التي يُذكر فيها اسمُ الله كثيرًا لم تسلم من إجرام وإرهاب يهود.
نتجاوز هذه المآسيº فعدسات الإعلام وشاشات الفضائيات قد كَفَتنا تصويرها، والصورة أبلغ من ألف قولٍ, ومقال.
وإنما سيكون حديثنا عن مِنَحٍ, بيضاءَ في أَزمَتِنا السَّوداء!!
منح... تحيي جُذوَة الأمل في النفوس، فما أضيق العيش لولا فسحةُ الأمل.
منح.... نخفِّف بها جراحاتنا، ونستعلي بها على تشاؤماتنا، ونصحِّح بها رؤيتنا في قضيتنا.
عباد الله:
أيٌّ مصابٍ, أعظم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن يُتَّهَم في عِرضِه، وتُرمى زوجتُه - أحبٌّ الخَلق إليه - بالفاحشة، ويمكثُ النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - شهرًا كاملاً، بهمِّه وغمِّه، ينتظر خبر السماء، ثم يأتي الوحي بَلسَمًا على قلب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {لَا تَحسَبُوهُ شَرًّا لَكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَكُم} [النور: 11].
فمن غير اللائق بأمَّة الإسلام، أمَّة الشهادة والحُجَّة، أمَّة البَذل والهداية والإرشاد - أن تنوح على مآسيها، وتتوجَّع لخسائرها، وتتناسى مكاسبها ومرابحها.
إخوة الإيمان:
ما نراه اليومº صورةٌ من إفساد يهود، الذين قال عنهم ربهم الذي خلقهم: {وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادًا}، وقال سبحانه أيضًا: {كُلَّمَا أَوقَدُوا نَارًا لِلحَربِ أَطفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: 64].
رأينا كذب يهود وبهتانهم، حين زعم ساستهم أنهم لا يقتلون الأبرياء، وإنما هدفهم الإرهابيين كما يزعمون!! لقد رأى العالم كله: أن ضحية صواريخهم سوادهم من المدنيين العُزَّل.
هذا الكذب والتضليل نبَّأنا الله به عنهمº فقال - جلَّ جلاله -: {سَمَّاعُونَ لِلكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسٌّحتِ} [المائدة: 42]، فهم كَذَبَه، ويحبٌّون سماعَ الكذبº حتى قال رئيسهم الهالك (رابين): \"من الواجب الكذب من أجل مصالح إسرائيل\"!!.
ورأينا أيضًا: جبن اليهود وخورهم وهلعهم، حين يهاجر مئات من أسرهم بعيدًا عن صواريخ المقاومة المتواضعة. رأيناهم كيف يفزعون ويختبئونº حرصًا على الحياة، وصدق الله: {وَلَتَجِدَنَّهُم أَحرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ,} [البقرة: 96]، وصدق الله: {لَا يُقَاتِلُونَكُم جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ, أَو مِن وَرَاءِ جُدُرٍ, بَأسُهُم بَينَهُم شَدِيدٌ تَحسَبُهُم جَمِيعًا وَقُلُوبُهُم شَتَّى} [الحشر: 14].
أما نقضهم للعهود والمواثيق والاتفاقياتº فهذا خَصلة يهودية، يبدأ الحديث عنها ولا ينتهي، وحسبنا قول ربنا: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ, مِنهُم} [المائدة: 13]، { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنهُم} [البقرة: 100]، {الَّذِينَ عَاهَدتَ مِنهُم ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهدَهُم فِي كُلِّ مَرَّةٍ,} [الأنفال: 56].
فها هي آيات ربِّنا نراها اليوم، شاهدًا ملموسًا محسوسًا في صراعنا مع يهود.
إنَّ هذا كلَّه لَيُزِدنا إيمانًا واطمئنانًا بكلام ربِّنا وصدق مَوعُودِه، ومن مَوعُودِه: {إن الله يدافع عن الذي آمنوا}، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَيَومَ يَقُومُ الأَشهَادُ} [غافر: 51].
معاشر المؤمنين:
تلك الراية التي طالما أفزعت وأقلقت الصهاينة، التي قال عنها مؤسِّس دولة إسرائيل (ابن جوريون): \"نحن لا نخشى الاشتراكيَّات ولا القوميَّات ولا الملكيَّات في العالم، وإنما نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلاً، وبدأ يَتَمَلمَل في المنطقة.. إنني أخشى أن يظهر محمدٌ من جديد في المنطقة\"!!.
ألا يحقٌّ لنا أن نفرح بهذه الراية التي صَيَّرت اليهود في رعبٍ, إلى رعبهم ؟!
ألا يحقٌّ لنا أن نُفاخِر بهذه الكتيبة التي عرَّت أسطورة الجيش الذي لا يُقهَر؟!
فهنيئًا لأمَّة محمد هؤلاء الأبطال الذين ما ضرَّهم مَن خالَفهم، ولا مَن خَذَلَهم.
هنيئًا بهؤلاء الرِّجال الذين علو وشمخوا، ورفعوا هاماتهم، وشدوا بأسَنا يوم أن كاد يغلبنا يأسُنا.
إنهم فتيةٌ آمنوا بربِّهم، وضحٌّوا بأرواحهم وأطفالهم، في سبيل حفظ حقوقهم ومقدَّساتهم، ما وهنوا لما أصابهم، وما ضعفوا، وما استكانوا...
- شعارهم: { قُل لَن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51].
- مبدؤهم: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدعُوا إِلَى السَّلمِ وَأَنتُمُ الأَعلَونَ وَاللَّهُ مَعَكُم} [محمد: 35].
- رجاؤهم: {كَم مِن فِئَةٍ, قَلِيلَةٍ, غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].
- عزاؤهم: {وَلَا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَموَاتًا بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ} [آل عمران: 169].
- يقينهم: {وَكَانَ حَقًّا عَلَينَا نَصرُ المُؤمِنِينَ} [الروم: 47].
- شكواهم: {حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
- سلواهم: {وَلَا تَحسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42].
هذه الخاتمة - يا عباد الله - مطلبٌ عزيز، وهاجسٌ ثمين لكل مؤمن بالله واليوم الآخرº أن يودِّع دنياه ويستقبل أُخراه بوسام الشهادة في سبيل الله .
\"فزتُ وربٌّ الكعبة\"...
بهذه المعاني تحيا الأمة ويرخص في ضميرها حب الدنيا وكراهية الموت، وهو الوَهن الذي نبَّأنا به رسولنا - صلى الله عليه وسلم.
وهذه المقاومة أيضًا عزَّزَت في الأمة روح الكرامة، وقيم العزَّة، وهي مؤشِّرٌ على حياة الشعوبº فلا يرضى الذٌّلَّ والاستذلال إلا مَن سفه نفسه، وفقد إنسانيته.
وإذا كنَّا جميعا نتفق أن تحرير الأقصى وإعادته للجسد الإسلامي من الأولويات المناطة بالأمةº فلابد ألاَّ نختلف على أن وجود فئة مرابطة مجاهدة في أرض الإسراء هي أول خطوة لتحقيق هذا الهدف.
نعمº لن نمنِّي الأمة بزوال إسرائيل على يد هذه المقاومة - مع اعتقادنا أن ذلك على الله ليس بعزيزٍ, وبعيد - ولكن لابد أن نستيقن أنَّ هذه المقاومة قدَّمتنا لهدفنا ذاكَ عشر خطوات، يوم أن أخَّرنا غيرهم ألف خطوة.
عباد الله:
{وَمَا أَصَابَكُم يَومَ التَقَى الجَمعَانِ فَبِإِذنِ اللَّهِ وَلِيَعلَمَ المُؤمِنِينَ * وَلِيَعلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} [آل عمران: 166، 167].
لقد مَسَّ رسولَ الله وصحابتَه البأساءُ والضراءُ في مكة، حتى شكوا لرسول الله : أَلاَ تَدعُ اللهَ لنا، ألا تَستَنصِر لنا؟!
لقد مَسَّ رسولَ الله وصحابتَه اللأواء يوم أحد، فكُسرت رباعيَّته، وشُجَّ وجهه، وغارت حلقة المِغفَر في وجهه، حتى أعياه القيام - صلى الله عليه وسلم -وقتل في مشهد أُحُدٍ, سبعونَ من خيار وأبطال المهاجرين والأنصار.
أَمَا فُجِعَ رسول الله بقتل سبعين من قرَّاء القرآن ومَهَرَتِه في بئر معونة؟
أما مَسَّ هذه الأمَّة البأساءَ يوم الغزو الصليبي البربري في القرن الخامس الهجري، وقُتل في القدس سبعون ألفًا في يومٍ, واحدٍ, فقط، وحُوِّل المسجد الأقصى إلى كنيسة، رُفع الصليب عليها دهرًا من الزمن؟
أما فُجِعَت أمَّتنا بمليون شهيد في بغداد فقط، إبَّان الغزو التَّتَري الهمجي عليها؟
أما قدَّمت هذه الأمة مليون شهيد من أجل تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي، حتى لُقِّبَت الجزائر بـ(بلد المليون شهيد)؟
هذه هي ضريبة المدافعة واسترجاع الحقوق: طريقٌ شائكٌ ومريرٌ، لكن ثَمَنُهُ العزَّة، نصرٌ أو شَهادةٌ، ومَن يريد مقاومةً بلا مصائب ومواجعº فهو كمَن يجمع بين نقيضين.
عباد الله:
رأينا عين اليقين: مَن هو الإنسان الذي تُحفظ كرامته، ومَن هو الإنسان الذي لا يُعبأ به، في أي أرضٍ, هلك!!
أين هي تلك القوانين التي عرفت حقَّ الحيوان، ولم تتحرَّك حتى الآن لدماء المسلمين؟!
سَلو التاريخَ: هل عرفت البشرية واقعةً أشد جرمًا ومواتًا للقيم الإنسانية من خنق شعب ومحاصرتهº ليموت جوعًا وألمًا وقتلاً، والنِّعم والخيرات تحيط بالبلدان من حوله؟!!
والعجب أن يحدث هذا كله في عالم التغني بالقيم والحقوق الإنسانية!!
عباد الله
لقد فهمت الشعوب الإسلامية رسائلَ اليهود عبر صواريخها، بأنهم أمةٌ لا تعيش إلا على الحروب، فهمنا ذلك جيدًا، فعرفنا أن أمة المكر والمماطلة والخيانة لن تتنازل عن أرض القدس، ولا عن حقِّ عودة اللاجئين، ولا عن جزءٍ, من أراضي الضفة الغربيةº فهي أراضٍ, انتزعوها بالدم والدمع كما يردِّدون، وقالوها صراحةً: (لقد أعدنا توحيد المدينة المقدسة، وعدنا إلى أكثر أماكننا قداسةً، ولن نغادرها أبدًا).
إخوة الإيمان :
وإذا كانت يهود اختارت طريق الدماء والأشلاء، فلها ذلك!!!
ولكن ليعلموا أننا أمة لا ننسى مآسينا نحن أمة نزداد صلابة كلما ازدادت شراسة أعادينا نحن أمة يجري الفداء في عروقنا والبطولة سجية فينا |
وليعلموا أيضًا: أن أمة محمد تمرض، لكنها لا تموت، وأن الضعف الذي نعيشه ما هو إلا مرحلة استثنائية، وسيأتي منَّا أو من أجيالنا مَن يتعامل مع يهود اليوم، كما تعامل نبيٌّنا - صلى الله عليه وسلم - مع يهود بني قريضة: {وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعلَمُونَ} [المنافقون: 8].
بارك الله لي ولكم في القرآن ....
الخطبة الثانية
فيا إخوة الإيمان :
فجزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بيريقي وما حبي لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي |
فالذي نصر قضيتنا في عالمنا الإسلامي فئات وجهات حق لها أن تذكر فتشكر:
- ونصر قضيتنا أيضًا: هذه الشعوب الغاضبة الحانقة، والتي لم تجد حيلة إلا الخروج في الشوارع لتعبر عن نصرتها وولائها وغيرتها.
- ونصر قضيتنا أيضًا: أصحاب الأيادي البيضاء، وأهل التضرع والدعاء. هؤلاء بحق هم وقود الأمة في أزماتها، وهم الجندي المجهول عند نزول مدلهماتها.
- ونصر قضيتنا أيضًا: ذلك الإعلام النزيه الشجاع، الذي نقل للعالم حقيقة الموقف وحجم المأساة، ممما كان له الأثر الأكبر في تحريك مشاعر وشعور المسلمين تجاه إخوانهم المنكوبين .
- ونصر قضيتنا أيضًا: كل صاحب قلم ولسان أَبانَ حقيقةَ يهود، ودافع عن حق فلسطين بمنظور إسلامي.
فكونوا أنصار الله أيها المؤمنون، واستمروا استمروا في دعائكم وبذلكم وجودكم. يكفي ما بذلنا من أموال وأموال في ملذَّاتنا وكماليَّاتنا، فها نحن نرى اليوم أطفال غزة يتضاوون جوعًا، ويئنٌّون مرضًا، ونساؤهم ورجالهم يستغيثون بنا، فماذا قدَّمنا لهم ونحن بنعمة ورخاء، ومزيد خير وسعة؟ فـ((مَن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم))، و((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه))، و((مَن فرَّج عن مسلم كربةً من كرب الدنياº فرَّج الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة)).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد