ردا على الشيخ العبيكان غفر الله تعالى له في حكم المقاطعة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن من أغرب ما يمكن أن يسمعه المرء ما قاله الشيخ عبد المحسن العبيكان، المستشار في محاكم المملكة العربية السعودية، حيث نص على أن المقاطعة الإقتصادية للكافرين الذين يحاربون الله ورسوله ليست من الدين، وأنها لا تجوز إذا أدت إلى مفسدة، وأنها يجب أن تكون بأمر ولي الأمر، وسوف نرد عليه في تلك الأمور الثلاثة، أما قوله: إن المقاطعة ليست من الدين فهذا خطأ بل المقاطعة مشروعة وقد تجب وإليك الأدلة:

الأول: قال - صلى الله عليه وسلم -: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، إسناده صحيح مشكاة المصابيح (382)، فانظر كيف بدأ بالمال وإنما هذا لعظم وقعه وشدة تأثيره وأيضا فالجهاد بالمال يكون بالبذل والمنع والمقاطعة منع.

 

الثاني: قول ثمامة بن آثال لكفار قريش لما أسلم: والله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعمل ذلك حتى جهدت قريش ووجه الدلالة من جهتين: الأول: قد أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - وإقراره لمسلم على فعل أو قول يفيد الجواز، الثاني: أنه إذا جاز مقاطعة الكفار بمنع السلع عنهم، فعدم شراء سلعهم أولى بالجواز.

 

الثالث: أنه - صلى الله عليه وسلم - حاصر خيبر وحصرهم في حصونهم والحصار يتضمن المقاطعة الإقتصادية فدل على جوازه انفرادا.

 

الرابع: أن الله - تعالى - قال "وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد" وهذا أمر مطلق فدل على جواز المقاطعة إن أثرت في الكفار.

 

الخامس: أمر الله - تعالى - بمقاطعة الثلاثة الذين خلفوا عن الغزو في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى زوجاتهم، وأجاز العلماء مقاطعة المجاهرين بالمعاصي، وأجمع العلماء على مقاطعة المبتدعة والضالة الذين يفتنون الناس عن أديانهم بل وقاطعوا من لم يقاطعهم وإذا جاز مقاطعة المسلمين ليؤدبوا فالمقاطعة بشتى ألوانها للكافرين الذين يحاربون الله ورسوله والمؤمنين أولى بالجواز.

 

السادس: أن الحال دفاع عن ديننا، فسب نبيينا كنقض العهد ونقد العهد كالمحاربة وأولى، كما نص ابن تيمية وغيره، كان يجب على المسلمين قاطبة اعتبار ما فعلته الدانمرك نقض لما بينهما من عهود ومواثيق، لكن نظرا لضعف المسلمين تأثيريا وعسكريا، فالدفاع بالمستطاع حتى تهابهم تلك الدول أن تقع في أعراضهم بله عرض نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما عاقب كعب بن الأشرف على إيذائه ذلت اليهود وحذرت، يعني وقع عليها الذل وحذرت بعد ذلك أن يخطأ منهم أحد في المسلمين.

 

السابع: أن من سب نبينا فقد نابذنا بالعدواة فوجب منابذته وجهاده والجهاد له أشكال كثيرة: العسكري والإعلامي والإقتصادي..الخ، ومن أعظم جهاد الكافرين الذين سبوا نبييا وأهانوا الأمة حكاما ومحكومين أن نقطع عنهم ما يتقوون به علينا من أموالنا، فالرد الإقتصادي أكبر من العسكري كما في أدبيات الصراعات الحديثة، وانظر كيف نطق اتحادهم لخطورة الموقف، فمن ظن أن مجرد جهاد الكافرين هو المنابذة بالقتال فقط فقد أخطأ الفهم وأبعد الشقة.

 

الثامن: ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل كعب بن الأشرف لما آذاه، وحاصر اليهود عسكريا واقتصاديا بل وأكثر حيث حرق نخل بني النضير لما لم يتأثروا بالحصار، و الحصار وحرق النخيل أكبر وأشد من مجرد المقاطعة الإقتصادية وإباحة الأعلى يتضمن إباحة الأدنى في الأصل.

 

التاسع: أن الحكم الشرعي فيمن سب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يقتل مسلما أو كافرا، والمقاطعة أقل من القتل فجواز الأكبر دليل على جواز الأقل في الأصل ووجوبه بحسب الحاجة والنازلة، والوجوب هنا متعين لعدم استطاعة إقامة الحد على الرسام فوجب أن نجاهده بالمستطاع والمقاطعة أمضى سلاح يستخدمه المسلمون الآن في تلك الظروف الحالكة.

 

العاشر: أن قول الشيخ العبيكان أن المقاطعة ليست من الدين يحتمل أمرين:

الأول: أنها أمر مبتدع مخترع، وهذا لا يصح هنا لأن وسائل الجهاد ليست توقيفية حتى يقال هذه الطريقة من الدين وتلك ليست من الدين.

الثاني: أنها محرمة بناء على دليل وهذا لا يصح لعدم الدليل فوضح خطأ إطلاقه بأن المقاطعة ليست من الدين.

 

الحادي عشر: لا يجوز أن يباع للكفار الحربيين القوت ولا السلاح ولا ما يصنع منه السلاح ولا ما يعظمون به كفرهم، ونصوص المذهب متظاهرة على ذلك.

قال في المدونة / قال مالك لا يباع من الحربي سلاح ولا سروح ولا نحاس

قال ابن حبيب / وسواء كانوا في هدنة أو غيرها، ولا يجوز بيع الطعام منهم في غير الهدنة

قال الحسن / ومن حمل إليهم الطعام فهو فاسق، ومن باع منهم السلاح فليس بمؤمن، ولا يعتذر بالحاجة إلى ذلك.

قاله الإمام أبو عبد الله سيدي العزمي الفياسي المالكي كما في النوازل الكبرى (3/11) للوزاني ذكر فيه فتاوى علماء المغرب العربي.

 

أما قول الشيخ غفر الله له: إن المقاطعة إذا أتت بمفاسد فإنها لا تشرع فلا يتم له، ومن قال بأن دفع الظلم لن يأتي بأضرار، لو اعتبرنا ما يعتبره الشيخ العبيكان لما قام أمر شرعي البتة فالمشقة لازمه له، كما انفصل جماهير الأصوليين، إننا لا نقول أعلنوا عليهم الحرب، إنما فقط قاطعوا منتجاتهم، ما الذي يريده الشيخ العبيكان؟ أدفاعا لا يكون فيه مشقة كيف ذلك؟ لو أردت مقاطعة رجلا أخطأ فيك فلابد من نوع خسائر أدبية أو مادية لكن الناس عادة ما يقولون إنها المبادئ لابد من مقاطعته، والأمر هنا يتعلق بالعقائد غفر الله لك يا شيخ.

وكل ما سبق بفرضية وجود الضرر فعلا، ولكن أين هو أخسارة بعض التجار أصحاب الوكالات الدينمركية والذين ينبغي عليهم نبذها لأصحابها غيرة على عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - كما فعل بعضهم بارك الله فيهم وعوضهم خيرا من تلك الوكالات المغمسة بشؤم سب نبيينا - صلى الله عليه وسلم -، أم أن الضرر الذي يدعيه الشيخ هو فرض الإتحاد الأوربي عقوبات علينا، وبدلا من أن يكون هذا حافزا على المقاطعة يكون ملجأ لنا للخوف، ألا ترى التزامهم بكفرهم دون الخوف من أي عقوبات مادية أو مقاطعات، أيكون حالنا ومعنا الحق أقل منهم في الدفاع عن نبيينا - صلى الله عليه وسلم -، يا شيخ الضرر كله سيكون عليهم، وانظر إلى خسائرهم في الفترة الصغيرة الماضية ألم تقرأ قول رئيس تحرير تلك الجريدة الفاجرة الساقطة: إني أقول وأنا أشعر بالعار إنهم انتصروا، ألم تسمع لقوله: إن المسلمين ربحوا معركة الرسومات.. لو كنا نعلم أن نشر هذه الرسومات سيعرض الإقتصاد والشعب الدنماركي للخطر لما أقدمنا على نشرها، ونعترف الآن أنه عمل غير مسئول.. لن يجرؤ أحد من الجيل القادم على نشر رسومات عن النبي محمد لذلك أقول إنهم قد ربحو المعركة، ألم تسمع بكل هذا يا فضيلة الشيخ، ولو قرر اتحادهم فرض عقوبات فهو الخاسر لا شك، واسأل خبراء الإقتصاد يخبرونك، غير أن تلك الدول ليست من الغباء لتفرض على الدول العربية مجتمعة عقوبات، فسياستهم الإستفراد بالعرب دولة دولة، ولو فعلت ذلك ستكون قد أخطأت خطأ عظيما يدمر بنيانهم الذي بنوا في قرون، لأن الدول العربية ستكتفي بنفسها وسيعرفون وقتها أنهم يستطيعون الإستغناء عن تلك البلاد بسلعها الإستهلاكية، وهذا ما لا يريده الغرب قطعا، لقد أدخلنا الغرب في منظومة مموهة مشبوهة مزيفة مفادها أنا لا نستطيع الإستغناء عنه ولن يفعل أي شيء يكون فيه التقليل من ذلك أو حتى التنظير عليه، فاطمئن يا شيخ ليس الغرب بتلك السذاجة، كان يجب عليك أن تجعل تهديدهم حافزا على المضي في المقاطعة، فلو أن المسلمون استسلموا لذلك التهديد ماذا يكون الحال بعد ذلك، إذا سبوا نبيينا فماذا بقي لنا، إنهم يقولون بلسان حالهم ومقالهم: سنسبكم فاسكتوا واصمتوا واشتروا منتجاتنا واشربوها وكلوها ولا نسمع لكم حسا أو نفسا وإلا فالعقوبات أتريد هذا أيها الرجل الصالح، لقد كان صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وفقه الله - تعالى -لما يحبه ويرضاه فطنا لهذا وصرح بأنه ليس هناك من يستطيع أن يضغط على المملكة بأي شيء لتغيير موقفها في أمر أساسي مثل نشر الرسوم التي تسيء للأنبياء، أأنت أعلم بمدارك السياسة والتعامل مع الدول من أولياء الأمور وقادة الأمة؟!

أما قول الشيخ أنه لابد من إذن ولي الأمر ففيه نظر من جهتين:

الأولى: لا مجال لكلامك هذا في واقعتنا وذلك لأمرين:

أ أن أولياء الأمور في البلاد المطهرة أقصد المملكة العربية السعودية هم أول من قام بتلك الخطوة المباركة حيث سحبوا سفيرهم وحسن فعلوا بارك الله فيهم ونفع بهم، واتبعتهم على ذلك كثير من دول الخليج مثل دولة الكويت والإمارات ومصر وغيرها، ومر تصريح سمو الأمير نايف، والذي سيسطره التاريخ له بأسطر من نور، لما لم تمشى على خطى أولياء الأمور: الحكام والعلماء وطاعتهم هنا واجبة وأنتم من أشد الناس تأكيدا على تلك المسألة فلما أتيت هنا ورددتها عليهم غفر الله لك.

ب ما نراه من إجماع العلماء والدعاة على استحسان هذا الصنيع وأنه من الذب عن الدين ومن أردا معرفة أسمائهم فليراجع موقع www.whyusa.net، وقولك وحدك يا شيخ عبيكان بأن المقاطعة ليست من الدين لا يقوم لهؤلاء كلهم.

 

أما الثانية فنقول لك:

لو فرضنا أن أولياء الأمور لم يأذنوا وحاشاهم - فاشتراط استئذانهم لنصرة الدين لا دليل عليه بل بخلافه: فقد صح أن أحد الصحابة قتل يهودية سبت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما علم أهدر دمها، فلو كان استئذان ولي الأمر واجبا لبين له فلما لم يبين له دل على عدم وجوبه إذ السكوت عن البيان وقت الحاجة لا يجوز، وكذلك فعل عمر والصحابة لما قتل الغلمان اليهودي الذي سب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكروا إذنا ولا غيره، ثم القاعدة أن الطاعة في المعروف ولو أمر آمر بعدم نصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكان عاصيا فلا سمع له، وحاشا أولياء الأمور المسلمين ذلك، ولا نقول بإحراج الحكومات العربية ومضادتها فإذا تولت هذا الأمر فقد كفت، وإن لم تتوله تولاه المسلمون ونسقوا معهم بما يحقق الغرض ويوافق قدرة المسلمين، لا شك في أولوية هذا والمقاطعة من قدرة المسلمين فرادى وجماعات، لكن ليس لولي الأمر أن يجبر الناس على شراء بضائع معينة لعدم استطاعته مقاطعتها لظروف سياسية أو اقتصادية خصوصا إذا كانت المقاطعة من المسلمين غضبا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ثم نقول يا شيخ عبيكان على فرض وجاهة قولك-وهذا بعيد- لو وافقت السواد الأعظم من أمة محمد حكاما وعلماء لكان خيرا لك فالموقف موقف نصرة ألم تر إلى معاذ بن جبل كيف قال لمن طعن في كعب بن مالك لما تخلف عن غزوة تبوك بئس ما قلت مع إقراره بخطأ كعب لكن الموطن موطن نصرة لأخيه وموطننا نصرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - يد الله مع ا%

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply